قادة حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية في زيارة لأمريكا

 

في نهاية عام 2014م، وبعد أن تشكلت حكومة ائتلافية في أفغانستان، كانت هناك أخبار تفيد بزيارة قريبة للرئيس الأفغاني أشرف غني إلى أمريكا. وكانت الأخبار تحدد شهر اليناير من 2015م، كموعد للزيارة.

ولكن يبدو بأن عنصر الزمان شيء غير مأكّد في “حكومة الوحدة الوطنية”، لأن تشكيل الحكومة، وإعلان الحقب الوزارية وزيارة الرئيس الأفغاني إلى أمريكا، كلها اجتازت المواعد المحددة المعلنة من دون حدوثها في الوقت المحدد، وهو أمر حمل الشارع على عدم التعويل فيما تُعلن من الأوقات في هذه الحكومة.

ولو نثق في تصريحات مصادر قريبة من الرئيس السابق حامد كرزاي، فإننا نجد زعيمَيْ الحكومة الائتلافية في خلاف تجاه الأمر، شأنهما في الأمر كشأنهما في كثير من الأمور الأخرى. وحسب هذه المصادر يحتوي الخلاف تفاصيل النقل في الطائرة، إلى لقاء أوباما والذي من المقرر أن يحدث مع أشرف غني فقط، وهو أمر يرفضه عبدالله عبدالله ويهدد من أجله بمقاطعة الزيارة.

لذلك إن التأخير في الزيارة “طبيعي”، ومن جهة أخرى ألغيت زيارة إيران بسبب انهيارات ثلجية قاتلة في أفغانستان، ليتم بذلك التأكيد على تأثير الأحداث الطبيعية في السياسة الأفغانية.

 

العلاقات الأفغانية الأمريكية

منذ عام 2001م، وبعد أن غزت القوات الأمريكية أفغانستان، بترخيص من مجلس الأمن للأمم المتحدة، وبعد أن أسقطت هذه القوات حكم طالبان، كانت العلاقات الأفغانية الأمريكية علاقة بين غالب ومغلوب. وفي فترة حكم الجمهوريين في البيت الأبيض كانت العلاقة حميمة وجيدة، ولكن نوعية التعامل الأمريكي في أفغانستان، وما قامت به القوات الأجنبية في البلد، والموقف الأمريكي الحيادي تجاه التدخلات الباكستانية سببت اعتراضا أفغانيا واسعا أمام أمريكا.

كان حامد كرزاي يطلب من أمريكا أن تضع ضغوطا على باكستان لتوقف الأخيرة دعمها عن حركة طالبان، ولكن الأمريكان أهملوا هذا الطلب. وبعد تصاعد وتيرة ضحايا المدنيين في أفغانستان أخذ اعتراض كرزاي طابعا تصاعديا أيضا، وفي الانتخابات الرئاسية الأفغانية سببت المحاولات الأمريكية، وخاصة ما قام به هالبروك المندوب الأمريكي الخاص لأفغانستان من محاولات لإفشال كرزاي، ردود فعل لدى كرزاي. وأخيرا وصل تدهور العلاقات إلى حد امتنع حامد كرزاي في آخير أيام حكمه من توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا.

ومن أجل ذلك فإن تحسين العلاقة مع الجانب الأمريكي سيكون على صدر قائمة أهداف الزيارة التي يقوم بها المسؤولون في الحكومة الائتلافية الأفغانية.

بعد يوم من حلفه رئيسا لأفغانستان، وقع أشرف غني الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، وبذلك أطلق منذ بداية عمله محاولة لجلب الثقة الأمريكية.

 

خطة زيارة أمريكا

مما لا شك فيه، هو أن هذه الزيارة ستحدث في هذا العام 2015م، وأن أشرف غني سيذهب إلى أمريكا برفقة عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي في الحكومة، لأن عبدالله ينوب نصف الحكومة في البلد. ولكن هذه الزيارة إنما تنتج ثمرا إذا حدثت بخطة واضحة دقيقة.

وبالنظر إلى طلب الرئيس الأفغاني منذ توليه منصب الرئاسة بأن تتم إعادة النظر في جدول انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، يمكن لنا أن نقول بأنه سوف يطرح الأمر مع الأمريكان على قائمة المقترحات لديه. رغم ما جرى في العامَيْن الماضيَيْن من دعايات كثيرة لصالح القوات الأفغانية، ورغم اطمئنان الأجانب، تؤكد المعطيات الأرضية بأن مشاكل كثيرة تعاني منها هذه القوات. يرى الرئيس الأفغاني بأن حضور القوات الأمريكية حتى الحضور المدني منها سترفع معنويات القوات الأفغانية.

من جهة أخرى وبالنظر إلى بدء فعاليات “تنظيم الدولة الإسلامية”، في أفغانستان، سوف يطلب أشرف غني من الجانب الأمريكي بأن يرفع خطوات جادة في مجال تدريب القوات الأفغانية، وخاصة في تجهيز القوات الأفغانية الجوية بالطائرات المقاتلة.

مع أن الرئيس أشرف غني وقع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، ولكن الاتفاقية تحمل في طيّاتها كثيرا من الغموض، ولا تلزم أمريكا بأي مساعدة دائمة لأفغانستان. هذا وقد تصاعدت وتيرة الخسائر الروحية في صفوف القوات الأفغانية منذ عام مضى، وشكل فرار القوات أزمة لنفسها، ويمكن لمناقشة هذه الأمور أن تكون على قائمة المحادثات بين الطرفين.

 

طلب مساعدة اقتصادية دائمة

لا يمكن للحكومة الجديدة أن تكون ناجحة من دون مساعدة اقتصادية أجنبية. لقد اعتاد الاقتصاد الأفغاني المشي على دعم أجنبي. ازداد الفقر والبطالة بعد عام 2014م، بشكل غير مسبوق طيلة 13 سنة مضت. وتقلص دخل البلد إلى حد قد لا يمكن إسداء رواتب المؤطفين بعد بضعة أشهر. وهو أمر وضع “حكومة الوحدة الوطنية” أمام أزمة كبيرة.

وفي 13 سنة مضت لم تستثمر أمريكا في البنية التحتية الأفغانية شيئا، والآن يصعب على أشرف غني بأن يقنع أمريكا لاستثمار من هذا النوع وهي بلد يواجه حاليا أزمات كثيرة في بلدان مختلفة، ولكنه إن استطاع أن يقنع الأمريكان بالاستمرار في دعم مشارع غير مكتملة فقد يكون بذلك شكل نجاحا كبيرا. رغم ما يقال بأن سياسات حامد كرزاي أسقطت أفغانستان من على صدر قائمة الأولويات الأمريكية، ولكن الحقيقة تقول إن تغييرات العالم هي التي صرفت الأولوية الأمريكية عن أفغانستان، ولو كانت سياسات حامد كرزاي حميمة مع أمريكا لحدث ما حدث.

لكن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن لها أن تدعم أفغانستان لتقليص الأزمة الاقتصادية بطريقة أخرى، وهي أن تحاول جادة وبوضع ضغوط سياسية واقتصادية، بأن تنطلق مشارع نقلية وتجارية كمشروع “لازورد”، ومشروع “تابي”، الذي يمر من الأراضي الأفغانية، ولكن تنفيذ هذه المشارع يحتاج إلى السلام والأمن.

 

عملية السلام

إن أمرا آخر يحتل مكانة عالية في أجندة اللقاء الجانب الأفغاني مع الأمريكان هو عملية السلام. فقد قال أشرف غني من قبل بأن أفغانستان لا تصل إلى أي مكان من دون السلام والأمن.

مع أن باكستان تعهدت لأشرف غني بأنها ستحمل حركة طالبان بالجلوس خلف طائلة الحوار، وصرح أشرف غني بأن أفغانستان وصلت إلى فرصة غير مسبوقة لإحلال السلام منذ ثلاثة عقود، ولكن أمور أخرى ظهرت ووضعت علامة استفهام أمام نوعية الموقف الباكستاني؟

وفي حال بدء مفاوضات السلام مع حركة طالبان فعلا كما وعدت باكستان، قبل زيارة قادة الحكومة الأفغانية إلى أمريكا، وفيما شارك في المفاوضات أعضاء ذوو صلاحية من مكتب طالبان في قطر، فإن أشرف غني سوف يذهب إلى أمريكا بيد مليئة وبإنجازات عالية.

ولكن إذا لم تريد باكستان أو لم تستطع أن ترغب حركة طالبان للجلوس خلف طاولة الحوار، فإنها سيكون فشلا ذريعا لـ”حكومة الوحدة الوطنية”، لأنها ورغم ما قدّمت من تنازلات للجانب الباكستاني، لم تحصل على شيء. وفي مثل هذه الحال سوف يذهب أشرف غني إلى أمريكا في حالة من الضعف.

مع أنه يبدو من المستحيل أن يذهب أشرف غني إلى أمريكا، قبل إكمال أعضاء حكومته إلا أن مطالب أمريكا تفوق ذلك. فإن أمريكا تطلب من أفغانستان مكافحة جادة ضد الفساد، لأن أفغانستان الغارقة في الفساد سوف لا يدعمها أي بلد كما حدث في الماضي.

وأظهرت التجارب بأن المساعدات الأجنبية لا تحل أي أزمة من دون وجود خطة واضحة لمكافحة الفساد الإداري، والإدارة الحسنة، ومكافحة الفقر والبطالة، ومكافحة المخدرات، وإحلال الأمن والاستقرار في البلد.

النهاية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *