محادثات لوزان ومستقبل برنامج إيران النووي

 

استمرت المرحلة الرابعة من محادثات إيران مع دول 5+1 في مدينة لوزان إلى 2 من فبرابر/شبّاط 2015م. وكان من المقرر أن تصل هذه المحادثات إلى نتيجة حاسمة حتى نهاية شهر مارس/آذار 2015م، ولكن وبعد نهاية هذا الأجل تم تمديد المهلة وأعتبرت تلك ضرورة للوصول إلى توافق نهائي بشأن هذا الملف.

خلفية التحضيرات والمخالفات الغربية

وفي الماضي كانت إيران في زمن “الشاه” قد شرعت مشروعا نوويا لأهداف سلمية كما أظهروا، وتم تأسيس منشآتها في مدينة بوشهر. أما في تلك الفترة وبسبب التقارب الإيراني الغربي لم تواجه إيران أي ضغوط غربية أو إسرائيلية.

وكانت هناك نزاعات حدودية بين إيران والعراق، وكردة فعل للمشروع النووي الإيراني بدأ صدام حسين في بناء منشآت نووية، وانطلقت بذلك منافسة جادة بين جارتين للحصول على التقنية الذرية، في ثوب سلمي.

وبعد فوز “الثورة الإسلامية الإيرانية” حدثت حرب بين البلدين، ونفذت الطائرات العراقية هجمات على منشآت بوشهر في بداية العمل عليها وتأثرت بهذه الهجمات كثيرا. ومن جهة أخرى نفّذت إسرائيل هجمات جوية على منشآت العراق باعتبارها عدوا خطيرا، وقضت عليها.

بعد الحرب العراقية الإيرانية عملت إيران على نهج السرية في برنامجها النووي. وفي عام 1981م أدرك الغرب أن إيران تعمل على هذا المشروع، ومنذ تلك الفترة بدأت المحاولات الغربية من أجل حمل إيران على أن تذر هذا المشروع. وكانت من أبرز التحضيرات الموضوعة على إيران هي التحضيرات الاقتصادية التي منعت إيران من المعاملات التجارية على المستوى العالمي.

وكان سبب ذلك أن إيران وبعد الثورة دخلت في خط عدائي مع أمريكا، وبصفة خاصة أحدث ملف خطف الدبلوماسيين الأمريكان في السفارة الأمريكية في طهران عقلية عدائية تجاه إيران في أمريكا. وقد لعب اللوبي الصهيوني القوي في أمريكا على وضع كثير من التحضيرات على إيران، وسبب ذلك مواجهة عارمة أمام إيران. وقد كلفت هذه التحضيرات إيران مئات مليارات من الدولار. مع أن إيران حاولت إقناع المجتمع الدولي بأن برنامجها النووي يكون من أجل أهداف سلمية، إلا أن صوتها بقي غير مسموع.

أراد الإيرانيون استغلال الفرصة الموجودة للتقارب مع أمريكا وذلك لحمل أمريكا على موقف لين تجاه الملف النووي. فأثناء الغزو الأمريكي على أفغانستان سمحت إيران لأمريكا بأن تستغل جوها لضرب طالبان، ولكن جورج بوش الرئيس الأمريكي وقته، بدلا من شكر إيران، صنّف البلد محورا للشر ومساعدا للإرهاب.

لم تكن إسرائيل وحدها ترى إلى المشروع النووي الإيراني كخطر على نفسها، بل إن دول الخليج، والسعودية كانت تخالف هذا المشروع. وكانت هذه الدول ترى بأن إيران ذات قوة نووية ستخرج من إطار أي سيطرة، وسوف يصبح الهجوم على مثل هذه الدولة أمرا مستحيلا.

خلافات داخلية بشأن التوافق مع دول 5+1

إن الملف النووي الإيراني بسبب أهميته الكبيرة، يقوم بإدارته زعيم البلد آية الله خامنئي. وهناك نوعان من الآراء بشأن هذا التوافق بين الساسة الإيرانيين. يرى المحافظون بأن عدم اتفاق مع هذه الدول هو أحسن من اتفاق سيء، ويرى الإصلاحيون بأن أي اتفاق ولو سيء أحسن من عدم اتفاق. وأما زعيم البلد رغم ميلانه الواضح إلى المحافظين طلب منهم الصمت ريثما تخرج نتائج المحادثات.

وينتقد المعارضون في إيران أصحاب القرار بأنهم بأخذون أسوء القرارات في أسوء الأحوال. وعلى سبيل المثال إن إيران لم تقبل السلام مع العراق في فترة الحرب وقت ما كانت اليد العليا لها، وقبلت بالسلام حينما كان القرار أمر وأدهى.

والآن أيضا اتفقت إيران في أوضاع صعبة من الاقتصاد الداخلي والتهديدات الأمنية الخارجية. فإن تدخل إيران العسكري في سوريا، والعراق واليمن عزز الأزمة الاقتصادية في البلد وجعل الشعب يطلب تحسين الأوضاع.

مطالب إيران من جلسة لوزان

وللجانب الإيراني في محادثات لوزان هدفان اثنان:

  • الحفاظ على الإنجازات العلمية في مجال التقنية الذرية،
  • رفع التحضيرات الاقتصادية من قبل المجتمع الدولي بشكل فوري عقب قبول الاتفاقية.

ولكن هل من الممكن تحقيق الهدفين؟ في الهدف الأول اتفقت دول 5+1 بأن إيران تستطيع أن تحافظ على 6 آلاف من الطاردة أو “جهاز الطرد المركزي”، وبرأى الإخصائيين إن الطاردة الإيرانية هي من صنع روسيا، وترجع إلى عقود ماضية، ولها قدرة ضيئلة مما تكون لدى الدول الكبرى. ويرى البعض بأن إيران في حال قبولها بتدخير 6 آلاف فقط من “الطاردة” ستواجه مشاكل فنية كثيرة، لأن هذا المقدار يستطيع فقط توليد الطاقة الضرورية لمنشآت بوشهر لمدة عام واحد فقط. والحال أن إيران يمكنها شراء وقود المنشآت بسعر أقل من السوق الأجنبي.

وأما بخصوص رفع التحضيرات، فإنه من المعلوم أنها لا تُرفع فور حدوث الاتفاقية. فإن الاتفاقية النهائية سيتم توقيعها في 30 من يونيو، وبعد ذلك سيُقدم مقترح رفع التحضيرات إلى الكونغرس الأمريكي، وسيتم عقد جلسة للاتحاد الأوربّي أيضا. ويمكن لهذه العملية أن تستمر إلى نهاية عام 2015م. جزء من هذه التحضيرات ترجع إلى مجلس الأمن للأمم المحتدة وعلى هذا المجلس عقد إبرام توافق بشأن رفعه، وخاصة رفع التحضيرات المصرفية، وهي الأمر الحيوي للجانب الإيراني.

لذلك يمكننا القول، بأن إيران قد لا تحصل على ما تريد الحصول عليه فور التوافق مع دول 5+1، وعليها انتظار الشهور.

النتيجة

ترى الدول العربية مع إسرائيل إلى هذا التوافق بقلق شديد، وبرأي هذه الدول ستوفر أي اتفاقية إيرانية غربية بشأن الملف النووي الفرصة أكثر فأكثر للتدخل الإيراني في دول أخرى. ومن الآن شكّلت دول الاتحاد العربي ائتلافا عسكرية ضد التدخلات الإيرانية في العالم العربي، وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي من “توافق سيء” مع إيران. وترى الدول العربية بأن رفع التحضيرات الاقتصادية ستعزز الاقتصاد الإيراني، وهو أمر برأي هذه الدول سيوسع نطاق الحرب النيابية الإيرانية في العالم العربي، وتقول إيران إن أي اتفاقية لا ترفع التحضيرات مرفوضة تماما.

ترى أمريكا بأن إيران عليها أن تطمئن الجميع قبل رفع التحضيرات بأنها ستلتزم بتعهداتها في لوزان، لأن وضع هذه التحضيرات من جديد وفي حال عدم التزام إيران بتعهداتها سوف يأخذ وقتا طويلا.

النهاية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *