المحادثات الإيرانية الأمريكية وأثرها على المنطقة

 

إن برنامج إيران النووي احتل مكانة ذات أهمية في السياسة العالمية منذ بضعة عقود من الزمن، وشغل الإعلام كثيرا. وقد استمرت المحادثات الأمريكية الإيرانية بشأن هذا البرنامج بطريقة أو بأخرى منذ عقد، إلا أنها، وبتسلم حسن روحاني الرئاسة الإيرانية، دخلت مرحلة جديدة أصبحت على قدم وساق، والآن وبعد 18 شهرا من المحادثات وقع أول اتفاق بين أمركيا وإيران.

وسيكون على اتفاق بين إيران وست دول عظمى تأثير كبير على مسار القوة في المنطقة وعلى السياسة العالمية.

نظرة على برنامج إيران النووي

بدأ برنامج إيران النووي عام 1957م، عندما بدأت أمريكا التعاون مع إيران في خطة “النووي من أجل السلام”. بعدها تغير هذا التعاون بمنح أمريكا لإيران “خمسة ميكاوات من المفاعل النووية البحثية”[1]. حينها كانت العلاقات الأمريكية الإيرانية على ذروتها، وكانت طهران تُعتبر من حماة المصالح الأمريكية في المنطقة.

أسس رضاه شاه عام 1974م، منظمة إيران النووية، وأظهر أملا بأن تتمكن إيران في 20 عاما القادمة من توليد 23 ألف ميكاوات من الكهرباء عبر هذه الطاقة[2]، ولكن بعد حدوث “الثورة الإسلامية” في إيران تدهورت العلاقات الأمريكية الإيرانية، وكانت لها عوامل كثيرة على رأسها:

أولا: نقد الثوريين على أمريكا والغرب،

ثانيا: حبس الدبلوماسيين الأمريكيين،

ثالثا: وضع التحضيرات على إيران.

رغم تدهور العلاقة تم التعاون الأمريكي مع البرنامج النووي والذي كانت في ثوب سلمي. إضافة إلى ذلك دخلت إيران في حرب طويلة مع العراق، ويرى بعض المراقبين بأن إيران اقتنعت خلال هذه الحرب بضرورة امتلاكها سلاحا نوويا كي تضمن أمنها.

وعلى حد وصف “منظمة الطاقة الذرية العالمية” حصلت إيران عام 1987م، على بعض مساعدات فنية من قبل عبدالقدير خان[3]. وفي التسعينيات وضعت أمريكا بعض التحضيرات على إيران، ازدادت أكثر فأكثر من عام 2002م، إلى عام 2014م. وبدأت إيران محادثات مع دول 5+1 على برنامجها النووي[4]. شهدت هذه المحادثات منحنيات كثيرة، ولكن لم يصل الطرفان إلى أية نتيجة حاسمة.

عندما أصبح حسن روحاني رئيسا لإيران، بدأت المحادثات على النووي من جديد، وتكلم الرئيس الأمريكي أوباما مع روحاني عبر هاتف، وكان ذلك أول اتصال على هذا المستوى منذ بضعة عقود.

في البداية اتفقت أمريكا مع إيران على اتفاقية لمدة ستة أشهر، كان بموجبه على إيران توقيف تخضيب اليورانيوم لمدة ستة أشهر، وعلى أمريكا توقيف وضع الحضيرات على إيران من أجل النووي الإيراني. وأما الآن فقد تم التوافق مبدئيا على اتفاقية طويلة المدى بين إيران ودول 5+1.

فرص نجاح الاتفاقية النووية

فقد حاول كل واحد من الرؤساء الأمريكيين بأن يخلد ذكره في التاريخ عبر عمل أساسي وتاريخي. وعلى أساس ذلك يحاول أوباما بأن ينجح في هذه القضية وأن يصرف إيران من صنع قنبلة ذرية.

من جهة أخرى، واجهت إيران في زمن أحمدي نجاد وبسبب سياساته المتشددة تحضيرات اقتصادية كثيرة أثرت على البلد. وعلى ذلك يرى حسن روحاني ضرورة ملحة لرفع هذه التحضيرات وينوي النجاح في ذلك.

عامل آخر لعب دورا في نجاح عملية المحادثات هو فتوى لمرجعين من مراجع الشيعة في إيران تقطع بتحريم صنع القنبلة الذرية. الأولى أصدرها عام 1996م، آية الله خميني، والثانية أصدرها خاتمي. وهو أمر تستند به إيران في المحافل الدولية وتؤكد أنها تهدف من خلال هذا البرنامج إلى أهداف سلمية.

تأثير التوافق الأمريكي الإيراني على المنطقة

إن التوافق الإيراني الأمريكي على البرنامج النووي سيعقبه تنديد سعودي وإسرائيلي، لأن إيران تُعتبر منافسة لهاتين الدولتين في المنطقة. تتهم إسرائيل إيران بأنها تساعد حماس، وهناك منافسة استراتيجية وإقليمية أيضا بينهما، وأما بين السعودية وإيران فهناك منافسة أيديولوجية حادة. فقد أظهرت السعودية وإسرائيل قلقا تجاه الاتفاقية المبدئية ولكنهما ستشاركان في صناعة الاتفاقية.

فإن انصراف إيران من صنع أسلحة ذرية هو في مصلحة أمريكا وهاتين الدولتين في آن واحد. لأنه من الطبيعي بأن أمريكا لا توقع أية اتفاقية مع إيران لا تصرفها عن صنع الذرية. وهذه الاتفاقية ستوقف آمال إيران من أجل امتلاك السلاح النووي.

وبرفع التحضيرات على إيران، سيكون لهذه الدولة شأن كبير في السياسة الإقليمية كما وفي السياسة العالمية. سوف تزداد التجارة الإيرانية، وسوف تنطلق الخدمات المصرفية على أشدها وتستطيع إيران إصدار نفطها إلى الأسواق العالمية.

إن حالة الاقتصاد الإيراني بعد رفع التحضيرات سوف لا تكون مرغوبة لدى السعودية وإسرائيل، لأن ذلك سيوفر لإيران أرضية أوسع للتواجد في الشرق الأوسط.

وترى باكستان هي الأخرى إلى هذه القضية بآمالها، لأنها تستطيع أن تزيد الحجم التجاري مع إيران من جهة، ويمكنها العمل على المشارع الاقتصادية المشتركة (مثل مشروع غاز إيران-باكستان-الهند)، لأن باكستان والهند انصرفتا عن هذا المشروع برأي البعض تحت ضغوط أمريكية.

وستكون هذه الحالة في مصلحة أفغانستان أيضا، لأن العمل على مشارع (مثل مشروع غاز الصين-أفغانستان-إيران) سيكون ميسورا، ومع ذلك هناك منافسة مع إيران على أنبوب الغاز، لأن كل جانب ينوي أن يمر الأنبوب من أرض بلده. ولكن إذا لم يتم إنصراف إيران من صنع القنبلة الذرية فإن ذلك سيكون تهديدا مستقبليا لأمن أفغانستان، وستكون أفغانستان محاصرة من قبل الدول الذرية. فمن الآن تمتلك روسيا والهند، والصين وباكستان أسلحة ذرية، (الأخيرتان جارتان) وستكون إيران دولة ذرية أخرى على الحدود مع أفغانستان.

النهاية

[1] Iram Khalid & Rehana Saeed Hashmi, Iranian Nuclear Deal: Future Perspectives and Implications for the Region, Pakistan Vision, Vol. 15, No.1

[2] Arms Control, Timeline of Nuclear Diplomacy with Iran.

[3] Albright, D. (2007). Iran’s Nuclear Program: Status and Uncertainties, Washington DC: Congress Committee on Foreign Affairs.

[4]  دول 5+1 هي خمسة دول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *