أفغانستان واللعبة السعودية الإيرانية في اليمن

 

تشهد اليمن منذ أكثر من عقد تهديدا بالحرب الأهلية. مع أن هذه الحالة سكنت إلى حد ما عام 2010م، إلا أن الربيع العربي فجّر من جديد الصراع اليمني واضطر علي عبدالله صالح الرئيس اليمني على أعقاب ذلك في 2011م، بأن يستقل من منصبه. وبعد ذلك جاء عبد ربه منصور هادي رئيسا للبلد، ولم يتمكن لأسباب عدة من بسط سيطرته على الأمور، فانتشرت سلطة أتباع الشيعة “الحوثيين”، في مناطق مختلفة من البلد، وأخيرا قاموا بانقلاب أتاح بالرئاسة والبرلمان.

وبما أن السعودية تُعتبر من أهم جيران اليمن، فإنها وبالنظر إلى طرد مؤيديها من السلطة، واستيلاء الشيعة الموالين لإيران على مقاليد الأمور في اليمن أحست بالقلق. وبناء على ذلك شكّلت ائتلافا عربيا سنيا وبدأت تنفيذ عمليات عسكرية لإنهاء هذا التهديد.

ووصلت ترددات الوضع اليمني إلى أفغانستان، لتثير جدلا حادا في مجال السياسة الأفغانية الخارجية. ماذا كان موقف أفغانستان؟ من أين بدأت الأزمة اليمنية وما هي جذورها؟ ما هي الدول اللاعبة الأساسية في الملف اليمني وكيف سيؤثر الوضع اليمني على سياسة المنطقة؟

 

خلفية الأزمة اليمنية وعواملها

كانت الفرقة الزيدية تحكم اليمن منذ أكثر من ألف سنة، إلى أن أتاح في 1962م، حكمهم انقلاب. وفي 1978م، أصبح علي عبدالله صالح رئيسا لليمن الشمالية، لتتحد اليمن عام 1990م، تحت رئاسته التي استمرت حتى الربيع العربي.

وفي الثمانينيات القرن الماضي تشكلت مجموعة باسم “الشباب المؤمن”، كان وراء تأسيسها محمد الحوثي أو حسين الحوثي. وهذه المجموعة كانت تنهج الكفاح السلمي في البداية إلى أن غيّرت أسلوبها إلى العمل المسلح[1].

في 2004م، قُتل حسين بدرالدين الحوثي زعيم الحوثيين على يد القوات اليمنية، فأطلق أتباعه على المجموعة اسم الجماعة الحوثية، أو أنصار الله. وقد خاضت هذه الجماعة منذ 2004م، إلى 2010م، ست حروب مع الحكومة اليمنية. إلا أن الحكومة اليمنية ولأسباب كثيرة، منها تواجد القاعدة في اليمن، وأضرار الحروب الكثيرة والاقتصاد الهش، بنت نوعا من العلاقة اللينة مع الحوثيين[2].

وفي نفس العام انطلقت مرحلة الربيع العربي، اكتسحت موجته الساحة العربية وأسقطت النظام في كل تونس ومصر، ووصلت اليمن فوقف الشعب اليمني ضد علي عبدالله صالح، شارك الحوثيون في التظاهر الشعبي.

بعدها توجه الأوضاع اليمنية نحو تدهور، استقال أخيرا في 2011م، علي عبدالله صالح من منصبه، وتم اختيار عبدربه منصور هادي رئيسا للبلد عبر انتخابات عامة. وقع الحوثيون مع حكومة هادي في مشاكل بخصوص أسعار النفط ومشاكل اقتصادية أخرى، انتهت الأزمة بوساطة من الأمم المتحدة، إلا أن الجماعة الحوثية استمرت في نزاعاتها مع الحكومة إلى أن قامت بانقلاب ضد الحكومة المنتخبة، وتحاول الآن بسط سيطرتها على بقية المناطق.

 

الأهمية العالمية للأزمة اليمنية

إن الأزمة اليمنية لها أهمية كبيرة على المستوى العالمي من عدة وجوه:

  • تقع اليمن في منطقة استراتيجية، وفيها باب المندب من أهم المضايق العالمية السبعة. وتكفي إشارة إلى أهمية هذا المضيق أنه يوميا تمر منه 3,3 مليون برميل من النفط،
  • مع سيطرة الموالين لإيران على حكم اليمن، يتم حصار السعودية من قبل الشيعة، وهو تهديد كبير للسعودية،
  • تخوض السعودية وإيران حربا باردة في اليمن، حتى وتصل دائرة هذه الحرب الباردة الدول الداعمة للطرفين مثل أمريكا، وروسيا، والصين، والمجتمع الأوروبّي.
  • بما أن طرفي الحرب سني وشيعي، فإن الحرب أخذت طابعا مذهبيا ويراقبه المسلمون كحرب مذهبية،
  • لقد أجبرت الحرب الأهلية منذ عام 2004م، أكثر من 300 ألف يمني إلى اللجوء[3]، وستضيف إليه الأزمة الحالية. وتزداد الاهتمام بالقضية بسبب وقوع الخسائر الروحية في صفوف المدنيين الأبرياء.

 

اللعبة الإيرانية السعودية في اليمن

أهمية اليمن ليست اقتصادية واستراتجية فقط، بل لها أهمية كبيرة في مجال المنافسات الإقليمية. منذ بدء الربيع العربي بدأت المناطحة السعودية الإيرانية في سوريا، والعراق والآن في اليمن. ولذلك يرى “مارتن رياردن” المحلل الأمني والاستراتيجي بأن المنافسة السعودية الإيرانية في اليمن تشبه كثيرا المنافسة بين الهند البريطانية وروسيا في أفغانستان في القرن التاسع عشر[4].

إن الحدود السعودية اليمنية طويلة جدا ويمكن عبرها مرور اللاجئين بسهولة من جهة[5]، كما ويمكن تهريب المخدرات عبر هذه الحدود من جهة أخرى. ولذلك تعني سيطرة الموالين لإيران في اليمن تواجدا إيرانيا في اليمن وبالتالي تواجدا إيرانيا في السعودية.

 

مؤيدو إيران والسعودية في المنطقة

كانت العلاقة الإيرانية السعودية متجهة نحو تحسن منذ 1991م، إلى 2007م، إلا أن الربيع العربي والمحادثات النووية بين إيران ودول 5+1 لعبت دورا في تدهور العلاقة بين البلدين، فبدأت السعودية في تشكيل ائتلاف ضد إيران في الشرق الأوسط.

مع بدء الأزمة في اليمن وعلى إثر هجمات السعودية على اليمن، اتحدت إيران مع حكومة بشار، وحزب الله (لبنان) في ائتلاف، كما واجتمعت السعودية مع مصر، والأردن، والإمارات، وقطر في ائتلاف آخر. إلى جانب ذلك تظهر تركيا، وباكستان، وأفغانستان في موقف حيادي حتى الآن ولكنها تؤيد الموقف السعودي.

ونلخص عوامل تظاهر أفغانستان، وباكستان، وتركيا بالحياد ووقوف هذه الدول بجنب السعودية في الآتي:

  • أظهرت أفغانستان جاهزية للدفاع عن الحرمين الشرفين، ولكنها في أزمة اليمن أكّدت على حل المشكلة عبر وساطة دول المؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة. ولم تشارك في ملف اليمن موقف عسكريا.
  • باكستان صديقة استراتيجة للسعودية، أظهرت جاهزية للدفاع عن الحدود السعودية، إلا أنها لم تشارك عمليا في العمليات. ومن المقرر كما يبدو أن تصبح باكستان جزءا من الائتلاف العسكري. وربما باكستان تلعب دور الوساطة بجنب تركيا كبلد يدعي زعامة العالم الإسلامي.
  • نددت تركيا من جهة بما تقوم به إيران في اليمن، ولم تشارك من جهة أخرى في الهجوم على اليمن. لديها علاقات مماثلة مع الطرفين، ومن شأنها أن تلعب دور الوساطة في الأزمة اليمنية.

 

موقف أفغانستان

جاء الموقف الأفغاني الرسمي تجاه الأزمة اليمنية بعد تشاور كثير، في بيان نلخصه في الآتي:

  • في حال وقوع أرض الحرمين الشرفين المباركة أمام أي تهديد ستقف أفغانستان بجنب حكومة السعودية وشعبها المسلم.
  • تحترم أفغانستان الديمقراطية في اليمن، وتحترم النظام المشروع وتؤيد الحكومة المشروعة.
  • تؤيد أفغانستان إنهاء هذه الأزمة، وينبغي حلها عبر المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة.

هناك نقاط هامة في هذا البيان، يوافق قانون الأمم المتحدة وهو احترام حكم الشعوب، ويوافق سياسة أفغانستان المعتادة وهي الحياد. أفغانستان بلد إسلامي ويحترم المقدسات الإسلامية، ويظهر جاهزية للدفاع عن تلك المقدسات فقط، وأما بشأن أزمة اليمن فيؤكد على حلها عبر المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة.

من جهة أخرى وضع أشرف غني منذ عدة أشهر ملف السلام على رأس الأولويات، فإن هذا الموقف يؤثر على موقف السعودي المؤثر على باكستان، كما ويؤثر على بعض من حركة طالبان أيضا. لذلك تدور الخارجية الأفغانية حاليا حول محور (باكستان-السعودية-أفغانستان)، و(باكستان- الصين- وأفغانستان).

وفي المجال الاقتصادي أيضا، يمكن أن يحمّل هذا الموقف الأفغاني الجانب السعودي إلى العمل بالتعهد بشأن إعطاء تأشيرات العمل لـ100 ألف من الأفغان، وهو أمر سيدعم الاقتصاد الأفغاني.

النهاية

[1] Saeed Al Batati, Who are the Houthis in Yemen?, Aljazeera English, 29 March 2015, 9 April 2015, see it online:< http://www.aljazeera.com/news/middleeast/2014/08/yemen-houthis-hadi-protests-201482132719818986.html>

[2] لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:
Christopher Boucek, War in Saada: From local insurrection to National Challenge, Carnegie Papers, Number 110, April 2010, retrieved at 9 April 2015, see it online: http://carnegieendowment.org/files/war_in_saada.pdf

[3] UNHCR, Yemen: Monthly factsheet (Jan 2015), retrieved at 9 April 2015, see it online: http://www.unhcr.org/4c907a4a9.html

[4] Martin Reardon, Saudi Arabia, Iran and the ‘Great Game’ in Yemen, Aljazeera English, 26 March 2015, retrieved at 9 April 2015, see it online: http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/09/saudi-arabia-iran-great-game-ye-201492984846324440.html

[5] إحصاء حول التنقل غير القانوني عبر هذه الحدود في الرابط التالي:
Brian Whitaker. “Saudi Security Barrier Stirs Anger in Yemen.” The Guardian. February 16, 2004. http://www.theguardian.com/world/2004/feb/17/saudiarabia.yemen

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *