سياسة أمريكا المضطربة بأفغانستان

 

منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية غيرت الولايات المتحدة الأمريكية سياستها مكررا حيال سحب قواتها من أفغانستان، ومؤخراً خالفت سياستها حيث نشرت جنودها في أرض المعركة بعد أن احتدت الحرب بين القوات الأمنية الأفغانية وحركة طالبان في محافظتي هِلمند و كندوز.

ما هي استراتيجية القوات الأمريكية بأفغانستان؟ ولماذا تتخذ سياسة مذبذبة؟ وما هي تأثيرات عودة القوات الأمريكية لميادين الحرب على مسيرة الحكومة في السلم والحرب؟ أسئلة سيتم تحليلها في هذا المقال.

 

مراحل حرب الولايات المتحدة الأمريكية بأفغانستان

حاز المحافظون السلطة بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2000، وحسب سياستهم فإنه أينما برز تهديد يهدد مصالح أمريكا أو من أي مكانٍ ظهر احتمال الهجوم على أرض أمريكا، فإن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تشن هجوما يحول دون ذلك الخطر. لذا شن جورج بوش الحروب الدامية بأفغانستان والعراق في 2001 و 2003.

بشكل كُلي كانت لاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفغانستان ثلاث مراحل: أولها إسقاط نظام طالبان واستبدالها بحكومة جديدة. وعندما عاودت حركة طالبان القتال قامت الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلتها الثانية بزيادة عدد قواتها في أفغانستان. في المرحلة الثالثة عندما ازداد عدد القتلى من القوات الأمريكية وارتفعت أصوات بأصداء واسعة داخل أمريكا تنتقد حرب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان؛ بدأت أمريكا حملتها بسحب قواتها من أفغانستان نهاية عام 2011.

إضافة إلى سحب قواتها أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون لها قواعد عسكرية بأفغانستان، الأمر الذي أحرزته بعد الاتفاقية الأمنية الثنائية التي عقدتها مع حكومة الوحدة الوطنية.

 

سياسة أوباما المضطربة تجاه أفغانستان

بعد تصعيد الحرب وازدياد التوتر الأمني قام جورج بوش ولأول مرةٍ بتغيير سياسته تجاه أفغانستان عام 2006 وزاد في عدد الجنود في أفغانستان. في ذلك الوقت كان باراك أوباما عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي وكان يؤكد على حرب الولايات المتحدة بأفغانستان أكثر من حربها في العراق؛ لأن أمريكا حسب اعتقاده هُوجمت من أفغانستان ويُحتمل أن تحصل هجمات أخرى من هذا البلدِ على الولايات المتحدة الأمريكية.

عندما تقلد أوباما الرئاسة بالولايات المتحدة الأمريكية، أعلن عام 2008 عن خطته لزيادة عدد الجنود الأمريكيين بأفغانستان، وعلى الصعيد المقابل أعلن عن بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد عام 2011.

مباشرة عقب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في 2014 وقعت الحكومة الأفغانية الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية والناتو والتي بناءً عليها يبقى 9800 جندي أمريكي و 2000 جندي من قوات الناتو في أفغانستان بعد 2014 ، وفي 2016 ينتصف هذا العدد. تم إيقاف هذه الاستراتيجية عندما زار الرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي الولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2015 ووافق أوباما على بقاء 9800 جندي أمريكي بأفغانستان إلى 2015. وعندما سقطت محافظة كندوز بيد طالبان غير أوباما استراتجيته مرة أخرى وصرح بأنه سيُبقي 9800 جندي أمريكي حتى نهاية عام 2016 وسيُقلّص هذا العدد إلى 5500 جندي في أول شهرٍ من عام 2017. إلا أن أوباما أعلن في شهر يوليو 2016 أن 8400 جندي فقط سيبقون في أفغانستان حتى نهاية عام 2016.

 

عوامل تقلب سياسية أوباما تجاه أفغانستان

منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية مدد باراك أوباما أمد انسحاب القوات الأمريكية عدة مرات. تقف العوامل التالية وراء التغير في سياسة أوباما:

  • الحصول على تأييد الديمقراطيين؛بعد عام 2006 ازداد عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان مما جعل الشعب الأمريكي يقف وقفة مضادة للحرب الأمريكية بالعراق وأفغانستان. في 2008 فاز الحزب الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية تحت شعار إنهاء الحرب بالعراق وأفغانستان. حسب إحدى الاستطلاعات وُجد أن نسبة 73% من الديمقراطيين أيدوا انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في أقرب وقتٍ ممكن[1].
  • الضغط على كرزاي؛عام 2009 حاولت أمريكا عن طريق مبعوثها الخاص للشأن الأفغاني والباكستاني ريتشارد هولبروك التدخل في الانتخابات الأفغانية وفيما بعد نُشرت رسالة من البريد الإلكترونيللسفير الأمريكي بأفغانستان أيكن بيري عبر موقع ويكيليكس سمّى فيها كرزاي بـ (الصديق الغير استراتيجي). أثرت الحادثتان إلى حد بالغ على العلاقات بين كابل وواشنطن. بعد تدهور العلاقة وعندما رفض كرزاي التوقيع على الاتفاقية الثنائية الأمنية أرادت الولايات المتحدة الأمريكية بتصريحاتها هذه الضغط على كرزاي.
  • تجربة العراق والخوف من لوم التاريخ؛على الرغم من أن أوباما عُرف بأنه الشخص الذي وضع نهاية للحرب في العراق وقلل خسائر القوات الأمريكية بأفغانستان؛ مع ذلك انتُقد عليه أنه ترك العراق عام 2011 في حالة اقتتال داخلي أعقبه ظهور داعش الذي سيطر على مساحات عديدة. لذا يخشى أوباما من أن يترك أفغانستان تحت سيطرة الجماعات المسلحة أو تحت وطأة اقتتال داخلي.
  • مصالح إقليمية؛تقع أفغانستان بين روسيا وبين آسيا الوسطى وإيران وباكستان والصين ويُعتبر موقعها الجغرافي قيماً جداً. التحولات أخذت تطرأ في هذا الإقليم منذ سنوات عديدة حيث أنه من جانبٍ أخذ موضوع الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا يُطرح مجددا والدولتان تواجهان بعضهما في أوكراينا وجورجيا وروسيا؛ ومن جانبٍ آخر بدأت الصين بمشروعيها المهمين- درب الحرير الجديد والمنطقة الاقتصادية الصينية الباكستانية-. إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة مقترضة من الصين أكثر من أي دولة أخرى وموقفها الحالي مخالف لموقف الصين في قضية بحر الصين الجنوبي.
  • تشتت التركيز في عدة أقاليم والاضطراب في وضع الأولويات؛ حاليا فإن تركيز الولايات المتحدة مشتت بين أفغانستان والعراق وسوريا؛ من جانبٍ بسبب العراق وسوريا وإيران لا تستطيع أمريكا أن تترك روسيا طليقة العنان في الشرق الأوسط (حاليا بعد الانقلاب الفاشل بتركيا، أنقرة تقترب من روسيا)؛ ومن جانبٍ آخر لا تستطيع أن تحول اهتمامها وتركيزها من أفغانستان لما يحدث في الوضع الراهن من تغييرات مهمة في هذا الإقليم.

 

عودة الأمريكيين إلى ميدان العراك وتأثيراتها على السلم والحرب

بناء على المعلومات المتوفرة، دخلت القوات الأمريكية أرض المعركة خلال عمليات استعادة مدينة كندوز؛ وعقب ذلك ضَعُف دور الولايات المتحدة في ميدان الحرب حتى الشهر الأول من 2016. في فبراير وأبريل نشرت الصحف الغربية تقاريرا تفيد أنه بعد 2014 عاد الجنود الأمريكيون مرة أخرى إلى محافظة هلمند[2].

في الثالث عشر من يوليو 2016، قام وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بزيارة لأفغانستان وفي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأفغاني أشرف غني ذكر أنه تم إعطاء صلاحيات جديدة للقوات الأمريكية في أفغانستان حيال حربها مع حركة طالبان الأفغانية. مسبقا كانت القوات الأمريكية تشن عمليات على طالبان فقط في حال طُلب منها ذلك، ولكن مع الصلاحيات الجديدة فبإمكان القوات الأمريكية أن تشن عملياتٍ جوية قبل بروز الخطر أو عند كشف الخطر. [3]

الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت 100 جندي إلى هلمند الأسبوع الماضي من أجل المساعدة في تدريب القوات الأفغانية؛ وقد قُتل جندي أمريكي وأُصيب آخر نتيجة لانفجار لغم مزروع في الطريق.

على الرغم من أن عودة القوات الأمريكية وقوات الناتو إلى ساحات الحرب سيدعم معنويات الحكومة الأفغانية وكما صرحت الحكومة بأن هذا الأمر سيرفع معنويات القوات الأمنية؛ ولكن سيكون لذلك تأثير سيء على الحرب والسلم بأفغانستان؛ لأن حركة طالبان أصدرت بياناً حول عودة القوات الأمريكية إلى هلمند مما سيعطي دافعا للمقاتلين نحو القتال.

انتهى

[1]اقرأ الدراسة التي أُجريت من قِبل PEW على الرابط التالي:

http://www.pewresearch.org/daily-number/majority-support-quick-troop-withdrawal-from-afghanistan/

[2]اقرأتقريرشهرفبرايرهنا: http://www.nytimes.com/2016/02/10/world/asia/us-troops-helmand-province-afghanistan.html?_r=0ولشهر أبريل اقرأ تقرير واشنطن بوست:https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/us-troops-are-back-in-restive-afghan-province-a-year-after-withdrawal/2016/04/07/d3c6086a-fc19-11e5-813a-90ab563f0dde_story.html

[3]لمزيد من المعلومات:: http://1tvnews.af/en/news/afghanistan/23512-new-powers-let-us-forces-take-fight-to-taliban–carter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *