اتهامات عبدالرشيد دوستم ومستقبل الخلافات الداخلية

وجّه نائب رئيس الجمهورية الجنرال عبدالرشيد دوستم انتقادات لاذعة للرئيس أشرف غني والرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله وبعض كبار المسؤولين في الحكومة الأفغانية. سبق أن وجّه دوستم انتقادات حيال الاختلاف على السلطة، ولكن هذه المرة اتهم دوستم رئيس الجمهورية والرئيس التنفيذي بالتحيز العِرقي.

ليست هذه المرة الأولى التي يقع فيها رئيس الجمهورية وحكومة الوحدة الوطنية تحت طائلة النقد من قِبل فريق د/عبدالله أو حتى فريق الرئيس أشرف غني نفسه؛ إلا أنه سابقاً كانت هناك خلافات بين الفريقين الانتخابيين ومن ثم بين فريقي حكومة الوحدة الوطنية وقد حُلت هذه الخلافات بوساطات أجنبية. الجنرال دوستم أيضاً كان لديه خلافات مع الرئيس أشرف غني حول بعض القضايا كالسلطة وسهمه في الحكومة وتعيين من ينوب عن الرئيس في حال غيابه.

ما هي العوامل الرئيسية للاختلافات الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية؟ هل تزيد تصريحات دوستم من اضطرام التحيزات العِرقية؟ وماذا تعني الانتقادات الموجهة لكبار المسؤولين في الحكومة؟ أسئلة يتناولها هذا المقال بالدراسة والتحليل.

ازدياد الخلافات الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية

مباشرة عقب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بدأت موجة انتقادات واسعة موجهة للحكومة من جهاتٍ داخل الحكومة وخارجها، وبعد مرور عامين على تشكيل الحكومة لا يقتصر الأمر على عدم حل الخلافات الداخلية فحسب، وإنما المُشاهد هو ازدياد هذه الخلافات شهراً بشهر.

في البداية كانت الخلافات بين فريقي حكومة الوحدة الوطنية، وفيما بعد ظهرت الخلافات داخل كلٍ من الفريقين أيضاً. في أيامها الأولى، كانت الخلافات في حكومة الوحدة الوطنية تتمحور حول تقاسم السلطة، وفيما بعد ظهرت الخلافات حيال تعيين الوزراء وكبار المسؤولين وحتى السفراء في الدول الأخرى. لذا قام عدد من كبار المسؤولين في الحكومة بتوجيه انتقادات شديدة للحكومة، وبعضهم استقال من منصبه، مثل: رئيس الإدارة المستقلة للمنظمات المحلية جيلاني بوبل، ورئيس مجلس الأمن الوطني رحمة الله نبيل، ووزير الداخلية نور الحق علومي، ورئيس المفوضية المستقلة للانتخابات يوسف نورستاني، ووزير المعادن والبترول داود شاه صبا، ووالي ولاية هلمند ميرزا خان رحيمي، ووالي ولاية كندوز محمد عمر صافي وبعض المسؤولين الآخرين[1].

ومن خارج الحكومة، انتُقدت حكومة الوحدة الوطنية من قِبل مجلس شورى الحراسة والثبات والذي ينتمي إليه عدد من الشخصيات الجهادية ومسؤولون من الحكومة السابقة؛ ومجلس شورى الأحزاب الجهادية والوطنية بزعامة صبغة الله مجددي، والجبهة الوطنية الحديثة بزعامة أنور الحق أحدي، ورئيس الموجة الخضراء (رَوند سبْز) أمر الله صالح وبعض السياسيين الآخرين.

العوامل الأساسية للخلافات الداخلية

ترجع أسباب الخلاف الداخلي في حكومة الوحدة الوطنية للعوامل التالية:

  • أولاً؛ الحكومة ذاتها: بشكل عام، فإن حكومات الوحدة الوطنية تتشكل بعد حروب مطولة وفي الغالب تهدف إلى تجميع اتجاهات سياسية متعارضة تحت ظل حكومة شاملة؛ ولكن التجربة أظهرت فشل هذه الحكومات في الغالب. على الرغم من أن حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان لم تتشكل بعد حربٍ إلا أنها تأسست عقب اختلافات حيال نتائج الانتخابات وسط الحرب المستمرة. عادةً يُعد وقوع هذه الاختلافات في الحكومات أمراً طبيعي، إلا أن استمرارها وتلاحقها كما هو مُشاهَد في حكومة الوحدة الوطنية ليس أمراً اعتيادياً.
  • التركيبة غير المتجانسة للفريقين الانتخابيين، والخلافات حيال الزعامة والمصالح: إن تركيبة كلٍ من الفريقين المتصدرين لزعامة الحكومة – فريق الإصلاح والتضامن المنسوب لعبدالله عبدالله، وفريق التحول والاستمرار المنسوب لأشرف غني – ليست تركيبة طبيعية إذا وضعنا في الحُسبان خلفية العلاقات بين أعضاء الفريقين. على سبيل المثال، لم يخطر على بال أحد أن يختار أشرف غني الجنرال عبدالرشيد دوستم كنائب أول له في حين أنه انتقاده بشدة من عام 2001 ودعاه بـ (قاتل الأفغان). حصل ائتلاف أيضا بين حزب الجمعية الإسلامية والحزب الإسلامي (بزعامة أرغنديوال)، إلا أن الاختلافات داخل فريق (التحول والاستمرار) أكثر مقارنة بالخلافات في فريق (الإصلاح والتضامن). بعض الشخصيات المهمة اعتزلت الفريقين، ووجّه الجنرال عبدالرشيد دوستم عدة مراتٍ انتقادات شديدة اللهجة للرئيس أشرف غني.

مع أن التركيبة غير الطبيعية والتجمع من أجل الحصول على الأصوات كانت العوامل الأساسية للخلافات الداخلية، إلا أنه في فريق (الإصلاح والتضامن) بجانب عوامل الخلاف المذكورة حصلت خلافات حول حول الزعامة، منها على سبيل المثال الخلافات بين د/ عبدالله و يونس قانوني و عطاء محمد نور.

  • الإخفاق في تحقيق الوعود؛ من أسباب الخلاف الداخلي في حكومة الوحدة الوطنية الإخفاق في تطبيق الوعود. لم ينجح كلا الفريقين في تحقيق الوعود التي قدموها لأعضاء فرقهم خلال الحملات الانتخابية والوعود التي أبرموها تجاه بعضهما البعض. لذا خيّم جوٌ من عدم الثقة داخل كلا الفريقين وكذلك في العلاقات بين الفريقين، مما أدى في بعض المناسبات إلى توجيه انتقادات لاذعة.

 

من الخلاف الداخلي إلى الخلاف العِرقي

الخلاف داخل حكومة الوحدة الوطنية والانتقادات الموجهة من مسؤولي الحكومة كانت إلى حدٍ كبير متعلقة بقضايا تقاسم السلطة والمصالح السياسية. إلا أنه في الأسبوع الماضي حصل ولأول مرةٍ أن اتهم مسؤول حكومي كبير الرئيس أشرف غني والرئيس التنفيذي بالتحيز إلى عرقيات معينة. في تصريح له قال نائب الرئيس الجنرال عبدالرشيد دوستم: «عند الدكتور عبدالله إذا كان الشخص من عرقية (الطاجيك) فليس مهما أن يكون غير كفؤ أو صاحب سمعة سيئة، وإذا تكلم شخص عند الرئيس أشرف غني بلغة البشتو فهو شخص جيد، وإذا تكلم بالبشتو وكان من ولاية لوجر فهو شخص جيد جداً.»[2]

ادّخر الجنرال عبدالرشيد دوستم أشد انتقاداته للدائرة المطوقة للرئيس غني وذكر أن غني مُطوَّق برئيس شورى الأمن الوطني حنيف أتمر، ورئيس الأمن الوطني معصوم ستانكزي ورئيس مكتب رئيس الجمهورية عبدالسلام رحيمي. وقد صرح دوستم قائلاً: «لقد نصب غني شخصا لا يستطيع المشي كوزير للدفاع، ستانكزَي معروف بأنه من طالبان، وغير معلومٍ ممن يتلقّى الأوامر، هو لم يحصل على القدر الكافي من أصوات نواب البرلمان، وهو متهم بأنه المسؤول عن اغتيال رباني، لا أدري بناءً على أي جدارة أو ثقةٍ تم تعيينه لمنصبٍ مهم كهذا؟»[3]

في الوقت ذاته، وجه المندوب الخاص لرئيس الجهمورية في أمور الحكم والإصلاح أحمد ضياء مسعود اتهامات في تجمع بولاية بنجشير لزعيمي حكومة الوحدة الوطنية بالمحاباة على أساس عرقي[4].

مؤخراً، إعادة دفن حبيب الله كلكاني وبناء معلم (نجاة) كرد فعل لها يُعد مؤشرا على بداية نزاعات عرقية في البلد؛ ومع ذلك فإن هذه الأعمال وتصريحات دوستم الأخيرة في الغالب جهود من مسؤولي الحكومة نحو تجميع المواطنين حولهم للحصول على دعمهم وتأييدهم. زيادة الانقسامات والتحيزات العرقية في الغالب ترجع لأسباب سياسية وهي مساعي للحصول على مصالح سياسية. ولكن هناك مخاوف من وجود أيادي أجنبية لها دور في تصعيد التحيزات العرقية.

ماهية نقد المسؤولين الحكوميين للحكومة

بشكل عام فإن من المتعارف عليه في الحكومات الديمقراطية أن المسؤول إذا كان لديه اختلافات مع الرئيس داخل الحكومة فإنه يسعى لحلها خلف الأستار وعبر المفاوضات؛ وإذا لم تُحل الاختلافات فإن المسؤول ببساطة يستقيل عن منصبه. ولكن أن يكون الشخص في الحكومة وفي الوقت ذاته يلعب دور المُعارَضة أمرٌ لم يسبق حصوله.

على الرغم من أن القصر الرئاسي رد بصرامة في بيان له على تصريحات دوستم[5]، إلا أنه في السابق كانت التوترات بين الرئيس ونائبه تُحل في لقاءاتٍ بينهما. لذا على الأرجح بإمكان لقاء واحد أن يُهدئ التوترات بينهما.

بالإضافة لذلك، فإن مثل هذه التصريحات من المسؤولين الحكوميين وخصوصاً من نائب الرئيس لا يمكن أن تكون أمراً بسيطاً، لذا طالب مجلس النواب بتشكيل لجنة للتحقيق في مزاعم دوستم الأخيرة؛ لأن استمرار مثل هذه التصريحات يضع اعتبار الحكومة الأفغانية محل استفهامٍ على المستوى الداخلي والدولي.

النهاية

[1] For further information, Weekly Analysis Issue number: 159, >Senior Officials Resignations: Is NUG heading towards political breakdown?<, see it online: 
https://csrskabul.com/en/blog/weekly-analysis-issue-number-159-april-2-9-2016/

[2] للاطلاع على تصريحات دوستم:

https://soundcloud.com/sputnik-iran-afghanistan/1-36

[3] للمزيد اطلع على الرابط:

https://pashto.sputniknews.com/afghanistan/20161025811994/

[4] تصريحات أحمد ضياء مسعود على الرابط:

http://www.etilaatroz.com/42509

[5] بيان القصر الرئاسي حول تصريحات دوستم:

http://president.gov.af/ps/news/168178

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *