تقييم لوعود حكومة الوحدة الوطنية بمكافحة الفساد الإداري

نشرت منظمة الشفافية الدولية الأسبوع الماضي تقريراً عن مكافحة الفساد في أفغانستان. يفيد التقرير أن جهود الحكومة من أجل مكافحة الفساد اقتصرت على الوعود، وليست المكافحة الحالية غير مؤثرة فحسب، بل تفتقد التنسيق كذلك. لذا تقترح المنظمة أن يتم إلغاء مؤسسات مكافحة الفساد المتوازية وتبقى مؤسسة واحدة أو عدة مؤسسات قوية لأجل الحد من الفساد. 

حسب التقرير، أبرمت حكومة الوحدة الوطنية خمسين تعهداً ضد الفساد، ولكن لم تُنجز إلا القليل من هذه التعهدات مما أنتج ضياع دولار واحد من كل ثمانية دولارات تُدعم بها أفغانستان. يأتي ذلك في وقت تزعم فيه حكومة الوحدة الوطنية بأن مكافحة الفساد من أولى أولوياتها وقد أكدت على ذلك في مؤتمرات عالمية عديدة.

في هذا المقال سندرس مكافحة الفساد في حكومة الوحدة الوطنية وأسباب إخفاق هذه المكافحة.

 

الفساد الإداري في أفغانستان

منذ تشكيل الحكومة الأفغانية برئاسة حامد كرزاي، أجرت مراكز بحثٍ محلية وعالمية استطلاعات لرصد وتقييم منسوب الفساد في هذا البلد. منها منظمة الشفافية الدولية والتي أجرت استطلاعات سنوية منذ 2005، ومؤسسة Asia Foundation التي جمعت آراء المواطنين حيال هذا الصدد منذ 2006، وفي السنوات بعد 2007 أجرت منظمة مراقبة النزاهة في أفغانستان IWA استطلاعات وبحوث لتقييم معدل الفساد في أفغانستان.

بإلقاء نظرة على البحوث والاستطلاعات المعنية بالفساد في أفغانستان يتبين أن معدل الفساد خلال الأعوام الخمس عشر الماضية لا يقتصر على عدم الانخفاض فحسب، وإنما بلغ الفساد درجاتٍ جديدة في عام 2015.

حسب استطلاعات الشفافية الدولية زاد معدل الفساد في الأعوام بين 2005 و 2009؛ وتناقص بين الأعوام 2009 و 2011، و في عامي 2012 و 2013 بلغ الفساد ذروته. في 2014 قل معدل الفساد في الإدارات الأفغانية إثر بعض جهود حكومة الوحدة الوطنية، ولكن في عام 2015 تضخم الفساد مرةً أخرى.

من جانبٍ آخر تبرز استطلاعات مؤسسة Asia Foundation أنه حسب اعتقاد الشعب فقد زاد الفساد في حياتهم اليومية والجوار والإدارات المحلية بالمحافظات وبشكل عام في جميع أفغانستان.

نشرت مؤسسة مراقبة النزاهة في أفغانستان IWA استطلاعاتها الأربع حيال الفساد في أفغانستان كذلك. تُظهر هذه الاستطلاعات أنه في الأعوام 2007، 2010، 2012، و 2014 ارتفع المعدل العام للرشاوي والأفراد المتورطين في الرشوة.

بعض المؤسسات الأخرى مثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومنظمة شفافية الميزانيات نشروا أبحاثا واستطلاعات مهتمة بالفساد تُظهر بشكل عام مستويات الفساد المتضخمة في السنوات بعد 2009.

 

حكومة الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد

خلال الانتخابات الرئاسية المعقودة في 2014، عاهد مرشحو الرئاسة باستئصال الفساد. وفي منشوره الانتخابي ضمّن أشرف غني مبحثاً حيال الفساد. بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية أعلن الرئيس غني عن سياسته من أجل مكافحة الفساد في مؤتمر لندن عام 2014. جدد الرئيس التزاماته لبعثة الاتحاد الأوروبي في مؤتمر مكافحة الفساد المنعقد في مايو/2016. فيما بعد، أدلى الرئيس بكلمته حيال مكافحة الفساد بمؤتمر لندن. نجد التعهدات بمحو الفساد أيضا في منشور (أُطر الأمن والتطور الوطني بأفغانستان) والمُعد لمؤتمر بروكسل.

على الرغم من أن حكومة الوحدة الوطنية اتخذت بعض الخطوات الحازمة والسريعة ضد الفساد، والتي أدت إلى نزول أفغانستان من مستوى ثاني أكثر دولة متوغلة في الفساد لتصبح في المستوى الرابع عالمياً، ولكن لم تستمر مكافحة الفساد بهذه السرعة والحزم.

بشكل عام، نجد أن معظم الخطوات للحد من الفساد اتُّخذت قبيل المؤتمرات الدولية. على سبيل المثال، قبل مؤتمر لندن في 2014 تم فتح ملف (كابل بنك)؛ وقبل مؤتمر وارسو في 2016 تم تسجيل ممتلكات المسؤولين الحكوميين، وقبيل مؤتمر بروكسل في 2016 افتتحت الحكومة الأفغانية مركز مكافحة الفساد القضائي.[1] لذا ذكرت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها بأن هناك إرادة ضعيفة في الحكومة الأفغانية لمكافحة الفساد وأن أعمال الحكومة في هذا الصدد “رمزية وسياسية”.[2]

لم تسترد الحكومة الأفغانية حتى الآن قروض كابل بنك ولم تحاكم المسؤولين المتورطين في الفساد (مع أنه تم اتخاذ إجراءات ضد عدد محدود من الأفراد، إلا أن هذه المحاكمات لم تكن نزيهة وحازمة)، ولم تستحدث الحكومة تعديلات شاملة في مؤسسات مكافحة الفساد (على سبيل المثال في قطاعات القضاء والنيابة العامة والقطاع الأمني).

لماذا أخفقت الحكومة في مكافحتها للفساد؟

خلال العقد والنصف الماضي اتخذت الحكومة الأفغانية بعض الخطوات للقضاء على الفساد، مثل تأسيس إدارات مكافحة الفساد، تقنين قوانين ضد الفساد وبعض الجهود المبذولة في هذا الصدد والتي تزامنت مع تشكّل حكومة الوحدة الوطنية؛ ولكن لماذا لم تنجح الحكومة بعد تشكيلها في إقداماتها ضد الفساد؟ يرجع ذلك للأسباب التالية:

  • عدم الاستقرار السياسي والأمني: في الغالب تتخذ الحكومات المركزية القوية والتي تقل فيها الاضطرابات الأمينة والسياسية إجراءات حازمة ضد الفساد. إذا كانت الحكومة تمر بحالة تدهور أمني وسياسي فإنها لا تقدر على اتخاذ الخطوات الجادة ضد الفساد لأن عملاً كهذا سيجعل بقاء الحكومة نفسها على محك السقوط.
  • ضعف الإرادة السياسية: نظراً للاضطرابات الأمنية والسياسية، تفتقد حكومة الوحدة الوطنية للإرادة السياسية الحازمة لمكافحة الفساد.
  • الخطط الغير متناسقة: سببٌ آخر وراء فشل حكومة الوحدة الوطنية هو ضعف التنسيق في خطط مكافحة الفساد. على سبيل المثال، ألقت الحكومة القبضَ على المتورطين في قضية كابل بنك واعتقلتهم وتابعت القضيةَ بجدية، ثم أطلقت سراح المتورط الأساسي في هذه القضية (خليل الله فيروز) ووقّعت الحكومة معه عقد إنشاء “المدينة الذكية” في حفلٍ حضره بعض كبار المسؤولين الحكوميين من ضِمنهم المندوب الرئاسي الخاص للإصلاحات السياسية أحمد ضياء مسعود وبعض الوزراء. وبالتالي وُضعت علامات الاستفهام حول عزم الحكومة من أجل مكافحة الفساد. عاملٌ آخر لعدم التنسيق في خطط الحكومة هو تأسيس 17 مؤسسة لمكافحة الفساد والتي لم يكن لها إلا إنجازات قليلة حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية. يُضاف إلى ذلك أن أفغانستان ” تفتقد النظام القضائي الشامل الذي يمنع الفساد ويكشفه ويحاكم المتورطين في قضايا الفساد”[3]
  • هيكل حكومة الوحدة الوطنية الائتلافي الشكل: تجمع في هذه الحكومة الفائز والخاسر من الفريقين الانتخابيين في انتخابات عام 2014 ولذا فإن اختلاف زعيمي الفريقين حيال تنصيب المسؤولين واستحداث التعديلات جعل خطط حكومة الوحدة الوطنية لمكافحة الفساد غير مؤثرة.

النهاية

[1] للمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:
http://pa.azadiradio.com/a/27832045.html

[2] اقرأ المزيد هنا:
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan-37975957

[3] اقرأ التقرير الكامل المنشور من منظمة الشفافية الدولية:

http://files.transparency.org/content/download/2034/13148/file/2016_AfghanistanPromisesToAction_EN.pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *