هل تُنتج مادة الثقافة الإسلامية والمساجد إرهابيين؟

في حديثه بالبرلمان الأفغاني، سمى عبدالحفيظ منصور أحد أعضاء حزب الجمعية الإسلامية مادة الثقافة الإسلامية (مادة تُدرّس في الجامعات) بمولدة “الإرهابيين”. في الأسبوعين الماضيين أثارت تصريحات منصور المذكورة مناقشات وجدلاً واسعاً حيال مادة الثقافة الإسلامية والمساجد في الإعلام بشكل عام وفي وسائل التواصل الاجتماعي والبرلمان بشكل أخص. تم استدعاء وزير الحج والأوقاف إلى البرلمان لمزيدٍ من التوضيحات.

منتقدون غربيون للإسلام السياسي انتقدوا مادة الثقافة الإسلامية والمدارس الدينية والمساجد والنظام السياسي الإسلامي منذ وقتٍ طويل واعتبروا الجانب السياسي من الإسلام منشأ “الإرهاب” على حد زعمهم؛ ولكن من داخل أفغانستان كانت هذه المرة الأولى التي يذكر فيها عضو من جماعةٍ إسلامية أن مادة الثقافة الإسلامية والمساجد صارت حواضن للإرهاب.

على الرغم من أنه بالإمكان وجود بعض الملاحظات على محتوى مادة الثقافة الإسلامية ووجود تقصير في إدارة المساجد؛ إلا أن ذلك لا يعني أن هذين الاثنين حواضن للإرهاب. على المرء أن لا يتجاهل العوامل الإساسية الأخرى المُنتجة للإرهاب.

أسئلةٌ عديدةٌ تطرح نفسها؛ هل نوافق على مصطلح “الإرهاب” وتعريفه من منظور غربي؟ ما هي استراتيجة أمريكا وأفغانستان حيال مكافحة الإرهاب؟ هل تُولّد المساجد ومادة الثقافة الإسلامية الإرهابيين حقيقةً؟ ما هي الجذور الحقيقية للإرهاب في العالم الإسلامي وتحديداً في أفغانستان؟ وما هي الأقسام التي تحتاج إلى تعديل في مادة الثقافة الإسلامية؟ نجيب على هذه الأسئلة وغيرها في هذا المقال.

“الإرهاب” مُسمّى مجهول ومُتنازعٌ فيه

قبل مناقشة العلاقة بين الإرهاب وبين مادة الثقافة الإسلامية والمساجد، من الأفضل بدايةً أن يتم تعريف الإرهاب. مصطلح “الإرهاب” مصطلحٌ غامض ومثير للجدل يُستخدم غالب من قِبل الغرب. لا يتفق الكثيرون حيال تعريف الإرهاب؛ ولكن حسب بحوث (أليكس بي شميد)، تم تقديم أكثر من 250 تعريف للإرهاب من جهاتٍ مختلفة حتى الآن[1].

مع أن الأكثرية لا يتفقون حيال تعريف الإرهاب؛ إلا أن مُعظمهم يتفقون في استخدام مسمى “حدث إرهابي” أو “أعمال إرهابية” لتسمية بعض الأحداث والأعمال. على سبيل المثال: قتل المدنيين والأبرياء، والاختطاف لنشر الذعر في المجتمع أو للتحريض على الحكومة، أو لإجبار الحكومة أو المجتمع الدولي لعمل شيءٍ لا يتوافق مع نطاق عملهم … إلخ. على كل حال، على الرغم من جهود الأمم المتحدة وبعض الأفراد، لم يتم حتى الآن وضع تعريف دقيق للإرهاب في القوانين الدولية[2].

على المستوى الدولي، يبدو من الصعب وضع تعريف للإرهاب يحظى بقبول الجميع. لذا غالباً يتم التعامل مع هذا المصطلح سياسياً وعاطفياً. تاريخ القرنين السابقين يشهدان على هذه الحقيقة، حيث سمّت قواتٌ استعمارية عديدة خصومها الذين قاتلوا لحرية واستقلال بلادهم بالإرهابيين. فمثلاً، كان نيلسون مانديلا بدايةً يُعرف بالإرهابي، والمجاهدون الأفغان والمناضلون في سبيل الحرية أيضاً وُسموا خلال جهادهم ضد الاتحاد السوفييتي بالإرهابيين؛ والمقاتلون الجزائريون الذين قاتلوا ضد القوات الفرنسية لأجل حريتهم وُسموا بالإرهابيين. لهذا السبب برزت مقولة (الإرهابي في نظر شخصٍ، بطلُ حريةٍ في نظر الآخر) وأثارت مواضيع يتم مناقشتها في العلوم المتعلقة بالإرهاب.

 

استراتيجية أمريكا والحكومة الأفغانية لمكافحة الإرهاب

بدأت أمريكا حربها تحت مسمى “الحرب ضد الإرهاب” في أفغانستان على الرغم من أنه لم يتورط أي أفغانيٍّ في أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولم تقدم أمريكا دلائل مقنعة لكي تُسلّم طالبان أسامة بن لادن لهم؛ ومع ذلك بدأت أمريكا حربها (والتي مازالت مستمرة) في أفغانستان وسمّتها بالحرب ضد الإرهاب. من عام 2001 إلى 2011 جرت هذه الحرب بقيادة ومشورة واستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن عام 2011 إلى 2014 شاركت القوات الأفغانية في هذه الحرب أيضاً، وبعد عام 2014 تم تفويض كامل المسؤولية الأمنية للقوات العسكرية الأفغانية. على الرغم من كل هذا، لا تزال الحرب ضد الإرهاب حرباً أمريكية.

الأمريكيون أنفسهم وكذلك الرئيس الأمريكي الحالي انتقدوا الحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق؛ وتعالت أصواتٌ من مختلف بقاع العالم الإسلامي منددة بهذه الحرب. حتى أن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي انتقد حرب أمريكا ضد الإرهاب بعبارات شديدة ووسم بعض أبعاد استراتيجية أمريكا ضد الإرهاب بأنها “مصنع توليد طالبان”

في الجانب المقابل، مع أن عضو البرلمان الأفغاني عبدالحفيظ منصور انتقد استراتيجة الحكومة الأفغانية في حربها ضد الإرهاب بشدة قائلاً: «استراتيجية الحرب ضد الإرهاب كانت فاشلة في السنوات العديدة الماضية، ويُلام على هذا كلٌ من الحكومة الأفغانية والبرلمان.» إلا أنه انتقد الحكومة على عدم اتخاذ الخطوات الحازمة بقدر أكبر لإيقاف الإرهاب، وأضاف: «الإرهاب فكرٌ متطرفٌ وليس متفجرات. القوات الأمنية تستطيع منع التفجيرات ولكنها لا تستطيع التحكم في الأفكار التي تنتقل من ذهنٍ إلى ذهنٍ وعبر وسائل الإعلام.» تصريحاتٌ كهذه لن تكون مفيدة في الحرب على الإرهاب وبالأحرى ستزيد من التطرف وما يُسمى بالإرهاب.

هل تُنتج المساجد ومادة الثقافة الإسلامية إرهابيين حقاً؟

في خطابه بالبرلمان الأفغاني، وسمَ عبدالحفيظ منصور مادة الثقافة الإسلامية والمساجد بالمنبعين الأساسيين للإرهاب. قال في تصريحه: «مُعظم مساجدنا تنشر الأفكار المتطرفة؛ مادة الثقافة الإسلامية تُنتج الإرهابيين حالياً».

في البحث العلمي والأكاديمي يكاد يكون من المستحيل اتهام مادة الثقافة الإسلامية إجمالاً بتوليد الإرهاب، لكن إذا ذكر أحدٌ بأن محتويات مادة الثقافة الإسلامية تحتاج إلى إعادة النظر والمناقشة، أو اتهم شخصٌ أحدَ مدرسي الثقافة الإسلامية بنشر فكرهِ خلال تدريسه للثقافة الإسلامية، عندها فليس للأمر كبير شأنٍ. ولكن اتهام مادة الثقافة الإسلامية بتوليد الإرهابيين، هكذا بشكل مجمل وبدون تقديم أدلة علمية وبغياب الدراسات والاستطلاعات العلمية، له في الغالب جانبٌ سياسي ويصدر عن اندفاع.

الاتهام خاطئٌ أيضا من الناحية التاريخية. مع أن ظاهرة الإرهاب ظهرت في أفغانستان منذ القرن العشرين؛ ولكن قبل ذلك ورغم وجود المساجد ومادة الثقافة الإسلامية – العديد من مفردات مادة الثقافة الإسلامية كانت تُدرس تحت عناوين أخرى في المساجد والمدارس الدينية- كانت أفغانستان خاليةً من تأثير التطرف. بل كانت هذه المساجد والمواد التي تُدرس فيها سببا لولادة حضارات مشرقة في تاريخ البلاد مثل حضارات الغزنويين والغوريين والتيموريين بهرات وبلخ وغزنة.

جذور الإرهاب الحقيقية

بالإمكان تتبع منابت التطرف والإرهاب في العالم الإسلامي في فترة العقد الأول من القرن العشرين ونجد أن جذور الإرهاب ترجع إلى سياسات بريطانيا وأمريكا في الشرق الأوسط وخصوصاً جهودهم ضد الخلافة الإسلامية واتفاقية سايكس بيكو وتمهيد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وغير ذلك.

خلال الحرب الباردة، دعمت الدول الغربيةُ الحكام الدكتاتوريين والقادة الغير مؤيدين شعبياً في الدول الإسلامية. لذا، تعبت شعوب هذه الدول من هذه الحال. فيما بعد عندما عاد بعض المسلمون لدولهم بعد الجهاد ضد الشيوعيين في أفغانستان، تم محاكمتهم واعتقالهم. هذه الأعمال زادت من ميل الكثيرين للتطرف.

بعد عام 2001، تسببت الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق بولادة طالبان في أفغانستان و داعش في العراق. لذا نقول بأن الإرهاب أو التطرف في العالم الإسلامي نتاجُ الغرب وتحديداً نتاج استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في الدول الإسلامية. علاوةً على ذلك، قد يكون للإرهاب والتطرف بعض الأسباب الداخلية؛ ولكن العوامل الأساسية المحركة للإرهاب هي على الأرجح عوامل خارجية.

الأسباب الرئيسية للتطرف والإرهاب في أفغانستان ليست المساجد ومادة الثقافة الإسلامية، وإنما أسباب الإرهاب هي التواجد الأمريكي بأفغانستان تحت شعار الحرب على الإرهاب، وأعمال الولايات المتحدة في مُعتقلات بغرام و جوانتانامو، والهجمات الليلية، وإهانة المقدسات الدينية. لذا في بعض الأوقات أطلق بعض الجنود الأفغانيين النارَ على الأمريكيين أو القوات الأجنبية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك فإن الجهل وضعف الفهم الإسلامي، والفقر والبطالة أسبابٌ أخرى، ولكنها أسبابٌ صُغرى وجزئية.

علاوة على ذلك، يُربط في الغالب بين التطرف والإرهاب وبعض الأحيان يُستخدمان كمرادفين مما يُعد خطأً؛ لأن التطرف أحياناً مرتبط بالإرهاب ولكن في معظم الحالات لا ارتباط له بالتطرف. هذا التطرف موجود فقط في الآراء وليس في الأعمال أو الوقائع. إذا درس شخصٌ تاريخ أفغانستان خلال القرن الأخير سيجد أن التطرف في الغالب نشأ من الخطوات المتطرفة والغالية التي اتُّخذت ضد التطرف.

يستطيع أحدنا أن يقول أن استراتيجية أمريكا ضد الإرهاب في أفغانستان والعراق تُشابه تماما رواية محسن حامد المكتوبة باللغة الإنجلزيزية (Reluctant Fundamentalist) (المتشدد الكاره)، يوجد بها شخصية تُدعى جنكيز يُصبح متطرفا/إرهابياً بسبب تصرفات وأعمال الآخرين. نفس الوضع يتطابق مع حالة العالم الإسلامي وأفغانستان، حيث يُساق الناس على كُرهٍ نحو التشدد والتطرف والإرهاب بسبب سياسات وأعمال الآخرين.

رفض المواد الإسلامية وتعديلها؛ فكرتان مختلفتان!

هناك ثلاث جوانب لمادة الثقافة الإسلامية:

أولاً، من يُدرّسها.

ثانياً، المادة بشكل عام.

ثالثاً، المُحتوى.

طلب تعديل أو تغيير الجانب الأول والثاني ليس أمراً سيئا أو مثيراً للجدل والأكثرية قد توافق عليه. نحن أيضاً نشعر بضرورة مراجعة هذه المواد. لكن إسقاط المادة (مادة الثقافة الإسلامية) من المنهج الدراسي الجامعي سيكون مثيراً لكثير من الجدل والمشاكل؛ للأسباب التالية:

أولاً، محتوى هذه المادة بشكل عام يتعلق بشمولية الدين الإسلامي وعالَميّته والعبادات، ومع وجود بعض المواضيع الاجتهادية فيه والتي يُمكن تفسيرها على نحوٍ آخر؛ لكن لا يعني هذا أن المنهج إجمالاً أو المادة نفسها تمهد الطريق للتطرف أو الإرهاب.

ثانياً، في هذه الفترة من عصر العولمة، والذي يُرى فيه اجتياح الغزوُ الثقافي بجانب الغزو السياسي والاقتصادي، تستطيع المواد الدراسية الإسلامية تأمين شبابنا وحفظ عقولهم في زمن التقدم هذا، وستساعد أيضا في الإجابة على الأسئلة المطروحة من قِبل المستشرقين وما شباههم من الأشخاص.

نتائج وتوصيات

  • تمر أفغانستان حاليا بأسوأ حالاتها بالنظر في القرن المنصرم، لذا على المفكرين الأفغان والسلطات الحكومية منع المساس بالمقدسات الإسلامية الحساسة.
  • اتهام مجمل المنهج ومادة الثقافة الإسلامية ذاتها بتوليد الإرهاب سيولّد المزيد من العنف وسيمهد الطريق أكثر للتطرف.
  • نحن ندعو للتعديلات في بعض الحالات أيضاً؛ لكن هذه التعديلات يجب أن تتم بطريقة ومنهجية سليمة. يجب أن لا تكون التعديلات مبنية على العواطف، ويجب أن لا تخلق التعديلات مزيداً من العنف، ويجب أن لا تُبنى استراتيجية اقتراح التعديلات على أساس الغلو والتطرف.
  • إذا عُقد مؤتمر لتعديل المواد الإسلامية، عندها يجب إشراك المتخصصين في الثقافة الإسلامية، وهم من يتخذ القرار حيال كيفية تعديل مادة الثقافة الإسلامية. من الضروري أن لا تُعامل مادة الثقافة الإسلامية معاملةً سياسية أو بالذوق أو بالحماس والعاطفة.

النهاية

[1] لمزيد من المعلومات:
Alex P. Schmid, The Definition of Terrorism, in Alex P. Schmid (edited), The Routledge Handbook of Terrorism Research, 2011, New York

[2] Human Rights Voice, there is no UN definition of terrorism, see it online: http://www.humanrightsvoices.org/eyeontheun/un_101/facts/?p=61

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *