البطالة في أفغانستان؛ الأسباب وبرامج الحكومة

في حفلٍ عُقد بتاريخ 07/ديسمبر/2016م من قِبل إدارة شؤون الرئاسة الجمهورية تحت مسمى “الحث على إيجاد فرص العمل” وحضره مئات الشباب الجامعيين، تحدث الرئيس أشرف غني ووعد بأن الحكومة ستكثف الجهود من أجل إيجاد فرص عمل للشباب. صرح غني في حديثه: «حاليا أفغانستان تحتاج إلى عمل في كافة المستويات، و كل شاب يمثل مستقبل أفغانستان». حسب خطة الحكومة، سيتم توظيف نحو عشرة آلاف شاب وشابة في الإدارات الحكومية في عام 2017م.[1]

تم هذا في حين أن قادة حكومة الوحدة الوطنية أكدوا دائما على تسهيل إيجاد فرص العمل للشباب؛ إلا أن مئات الآلاف من الشباب مازالوا يعانون من البطالة، ومن جانب آخر دفعت البطالة كثيراً من الشباب الأفغاني إلى أعمال جنائية وإجرامية في محاولة للحصول على الدخل من الطرق غير المشروعة.

في هذا المقال دراسة لظاهرة البطالة في أفغانستان وأسباب تزايد هذه الظاهرة، وبرامج الحكومة في هذا الصدد.

 

نظرة في حال البطالة في أفغانستان

البطالة مشكلة اجتماعية ذات تأثير سلبي على الفرد والمجتمع. الشخص الذي يقدر على العمل ولا يجد فرصة للعمل يُسمى عاطلاً عن العمل.

خلال العقد والنصف الماضي، بجانب جميع المشاكل الأخرى، كانت البطالة إحدى الصعوبات الرئيسة التي تواجه الشعب الأفغاني والتي لها ارتباط مباشر بالتدهور الأمني. على الرغم من الدعم بمليارات الدولارات من المجتمع الدولي خلال العقد والنصف الماضي، لم يتم عمل اللازم لإيجاد فرص العمل طويلة المدى بالبلد.

حسب إحصائيات البنك الدولي، لوحظ أن نسبة 4.6% من القوة العاملة في أفغانستان كانت عاطلة عام 2001م. في الأعوام 2002 و 2003م بلغت هذه النسبة 4.6% و 4.9%. في عام 2004م نزلت نسبة العطالة في البلد إلى 4.5%، ولكن في عام 2005م ارتفعت النسبة لتصل إلى 8.5%، ومن ثم أخذت نسبة البطالة في أفغانستان في الازدياد.[2]

في عام 2014م أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والشهداء والمعاقين بأفغانستان أنه من مجموع 10 ملايين شخص قادر على العمل، يوجد 800 ألف شخص عاطلون بالكامل.[3] في الوقت ذاته تُظهر بعض الإحصائيات أن 23% من سكان أفغانستان الذين هم جميعا من الشباب عاطلون عن العمل بالكامل، وقد ذكرت نقابة العمال الوطنية أن هذا الرقم يصل إلى أكثر من 50%.

يتخرج سنويا عشرات الآلاف من الشباب في الجامعات الحكومية والأهلية بأفغانستان، وبسبب انعدام فرص العمل أو بسبب الفساد المستشري في الدوائر الحكومية، تُضاف هذه الأعداد من الخريجين إلى العاطلين عن العمل. في بدايات عام 1395هـ. ش. تحدث المسؤولون الحكوميون عن وجود أكثر من 25 ألف وظيفة شاغرة بالوزارات والإدارات الحكومية، في حين أن مئات الآلاف من الشباب كانوا عاطلين عن العمل.[4]

أسباب ازدياد البطالة في أفغانستان

  • التدهور الأمني: التدهور الأمني واستمرار الحرب في البلد من أهم أسباب ازدياد البطالة. في الوقت الراهن تشهد أكثر مساحات البلد حروباً تدمر البنية التحتية وتوقف عملية التطور من جانب، ومن جانب آخر تمنع المستثمرين من الاستثمار في الداخل. أدى عدم الاستثمار في مجال البنية التحتية والتي بإمكانها استقطاب القوة العاملة إلى أن تواجه أفغانستان أزمة البطالة.
  • عدم الجدارة، والفساد وضعف الحكومة: في حين أن الفقر والبطالة في حالة تفاقُمٍ في البلد، ويمر الشعب الأفغاني بعام صعب من الناحية المادية، نجد أنه لا تستطيع الحكومة صرف المبالغ المدعومة من المجتمع الدولي بسبب العجز وعدم الأهلية. أثار عجز الوزارات في صرف الميزانية التطويرية غضب مجلس الشعب هذا العام وتم استدعاء 17 وزير صرفوا أقل من 70% من الميزانية التطويرية، وتم سحب الثقة من 7 وزراء منهم. تسبب الفساد أيضا في أن يبقى مئات الآلاف من الشباب عاطلين عن العمل، في حين وجود عشرات الآلاف من الوظائف الشاغرة في الإدارات الحكومية أو يوجد بها عاملون وهميون.
  • انخفاض الدعم الدولي وخروج القوات الأجنبية: مع خروج جزء كبير من القوات الأجنبية من أفغانستان انخفض دعم المجتمع الدولي لأفغانستان أيضاً. بما أنه خلال العقد والنصف الماضي لم يتم استغلال دعم المجتمع الدولي البالغ مليارات الدولارات في إيجاد فرص عمل طويلة المدى، ازداد معدل البطالة بمجرد انخفاض الدعم الدولي. عشرات الآلاف من الأفغان الذين كانوا يعملون مع القوات والمؤسسات الأجنبية دخلوا في عِداد العاطلين عن العمل.
  • ازدياد عدد المؤهلين للعمل وعودة المهاجرين: يُضاف سنوياً 500 ألف شاب و شابة إلى عداد المؤهلين للعمل في أفغانستان. من جانب آخر، حسب تقارير إدارة المهاجرين بالأمم المتحدة، عاد نحو 6 مليون مهاجر أفغاني إلى بلده منذ عام 2002م مما زاد في عدد العاطلين عن العمل، ولم تكن للحكومة أي برامج لتوظيفهم.
  • وجود العمالة الأجنبية: آلاف الأجانب يعملون في شتى المجالات في أفغانستان. المنهج التعليمي الحالي والجودة المتدنية للتعليم المدرسي والتعليم العالي تسبب في نقص مؤهلات أبناء الشعب، مما ألزم توظيف الأجانب في مجالات مختلفة.

 

خطة حكومة الوحدة الوطنية لتقليل البطالة

من جملة وعود قادة حكومة الوحدة الوطنية وخصوصاً الرئيس غني خلال الحملات الانتخابية عام 2014م مكافحة البطالة وإيجاد فرص العمل للعاطلين. بسبب الخلافات الداخلية إلى نحو سنة، لم تنجز الحكومة في عملاً ملحوظا في مجال التوظيف شأنه شأنُ بقيةالمجالات. إلى أن أعلن الرئيس غني في نوفمبر/2015 (البرنامج الوطني لإيجاد فرص العمل) من أجل تقليل ظاهرة البطالة.

يتمحور البرنامج الوطني لإيجاد فرص العمل على خمس محاور هي الزراعة وتحسين نُظم الرّي، وتنظيف المدن، ومشاريع إنشاء المدن والمنشآت السكنية، وإنشاء الطرق للقرى، وإنشاء سدود توليد الطاقة ورفع معدل توليد الكهرباء في البلد. أعلنت وزارة تطوير القرى مشروع التوظيف لتنفيذ البرنامج الوطني لإيجاد فرص العمل على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى أحدثت فرص عمل قصيرة المدى لعدد 235 ألف شخص بـ12 ولاية في البلد. المرحلة الثانية بدأت صيف هذا العام في خمس ولايات وافتُتح بها أكثر من 1500 مشروع تطويري. المرحلة الثالثة ستبدأ في مارس/2017 بميزانية قدرها 2.7 مليار أفغاني.[5]

بدراسة هذا البرنامج سنجد أنه لن يعالج مشكلة البطالة على المدى البعيد. تقليل معدل البطالة يحتاج إلى إيجاد فرص عمل طويلة المدى مما له علاقة مباشرة بتطوير حركة الصناعة. على الرغم من أن الصناعة تُعتبر ركيزة أساسية لاقتصاد الدول ولها دورٌ فاعل في تطور القطاع الاقتصادي وتقليل معدل البطالة، إلا أن الحكومة الأفغانية لم تبذل الاهتمام الكافي بها.

حسب البرنامج الجديد لشؤون الرئاسة الجمهورية الأفغانية (تشويق) والذي سيبدأ عام 2017م، ستُجمع طلبات أكثر من مئة ألف من الشباب الخريجين وسيتم توظيف عشرة آلاف مؤهل منهم في الإدارات الحكومية.

بما أن أغلب اهتمام الحكومة مُنْصبٌّ على الحرب مع المعارضة المسلحة، وبما أن الحرب حالَت دون التقدم الاقتصادي في البلد، يمكننا القول بأن مكافحة البطالة في أفغانستان مثل بقية البرامج تحتاج إلى إحلال السلام في البلد. ما لم تُقبل الحكومة على السلام بنظرة واقعية، فإن الجهود في الميادين الاقتصادية لن تُؤتي ثمارها. يُضاف إلى ذلك أن الفساد تسبب في ازدياد البطالة، وإذا لم تكافح الحكومةُ الفسادَ بحزمٍ بعيداً عن المصالح الشخصية، فمحاولة مكافحة البطالة ستبوء بالفشل.

النهاية

[1] صوت أمريكا: «غني: أفغانستان لا تريد صدقات من أي أحد»:

 http://www.darivoa.com/a/president-ghani-says-we-dont-beg-anyone/3626302.html

[2] «أفغانستان خلال العقد والنصف الماضي»، تقرير صادر من مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية خلال حالة العقد والنصف الماضي، ص:229، سنة الطبع:1395هـ ش.

[3] لمزيد من التفاصيل:

 http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2014/05/140502_k05_afghan_worker_day_law

[4] إذاعة آزادي، «عشرات الآلاف من الشباب الأفغاني عاطلون في حين خلو آلاف الوظائف الحكومية»، نُشر في تاريخ: 11، شهر حمل، 1395هـ ش:

http://da.azadiradio.com/a/27644311.html

[5] وزارة تطوير القرى، وصل برنامج إيجاد فرص العمل إلى طوره الثالث:

http://mrrd.gov.af/fa/news/119570

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *