مصير اتفاقية السلام بين حكومة الوحدة الوطنية والحزب الإسلامي

 

منذ الأسبوع الماضي انتشرت تقارير تفيد أن روسيا و فرنسا بمجلس الأمن في الأمم المتحدة يخلقون عوائق أمام مطالبة الحكومة الأفغانية من المنظمة بحذف اسم رئيس الحزب الإسلامي حكمتيار من القائمة السوداء لدى المنظمة.

رغم أن الحزب بعد موقف روسيا و فرنسا أصدر بيانا صرح فيه بأن حذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء لم يكن مهما وكما صرح البيان لا يتعزم رئيس الحزب الحصول على تأشيرة دخول أي دولة وأن الاتفاقية الموقعة كانت اتفاقية سلام داخلية-أفغانية؛ إلا أن حذف اسم رئيس الحزب من القائمة كان من أهم بنود الاتفاقية، وعدم الالتزام بها سيؤثر سلبا على اعتبار الحكومة الأفغانية والاتفاقية نفسها.

مضت ثلاثة أشهر على توقيع الاتفاقية بين حكومة الوحدة الوطنية الحزب الإسلامي، ولم تنفذ الحكومة ما التزمت به في الاتفاقية. ما هي الخطوات المتخذة لتنفيذ ما جاء في الاتفاقية؟ إلى أي حدٍ تم تنفيذها؟ ما هي العوائق التي تعترض طريقها؟ ماذا سيكون مصير الاتفاقية؟ وكيف ستؤثر على المفاوضات المحتملة مع طالبان؟ أسئلة نجيب عليها في هذا المقال.

 

اتفاقية السلام بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية

في عام 1387 الهجري الشمسي (2008-2009م) أُطلق سراح أحد أبرز أعضاء المجلس التنفيذي للحزب الإسلامي الدكتور غيرت بهير من السجن وبعدها بمدة يسيرة بدأت المفاوضات بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي. في البداية أصدر الحزب الإسلامي البيانَ تلو البيان مشترطا شروطا عديدة لمفاوضات السلام وفي الغالب كان الحزب يصدر البيانات في المناسبات المهمة. على سبيل المثال، عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2010 عن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان أصدر الحزب الإسلامي بياناً، وبعدها عندما كثر الجدال حول قضية فتح مكتب لطالبان بقطر أصدر الحزب بياناً آخر وأبدى استعداده لمفاوضات السلام.

حسب دراسةٍ، في الفترة ما بين 1389 إلى 1392 هـ ش أرسل الحزب الإسلامي وفده إلى كابل سبع عشرة مرة للبدء في محادثات السلام. من عام 1392 حتى عام 1393 أرسل الحزب وفدا لمحادثات السلام أيضا إلا أن هذه المحاولات لم تُثمر أية نتائج واضحة. في ذلك الوقت كان السبب الرئيس وراء إخفاق محاولات الوصول إلى السلام مع الحزب الإسلامي كان الدور المحدود للحزب في أرض المعارك والمعارضة القوية من بعض الأحزاب تجاه الحزب الإسلامي وموقف الحزب الصعب في محادثات السلام ومواقفه المتفرقة المتضاربة ووجود حزب إسلامي موازي بالحكومة.

بعد تولي أشرف غني لزمام السلطة بأفغانستان وعندما لم تحضر طالبان للجلوس على طاولة التفاوض بعد الاجتماعين المنعقدين بين مجموعة التنسيق للمحادثات الرباعية، تباطأت عملية مفاوضات السلام مع الحزب الإسلامي، وأخيرا في الثاني والعشرين من سبتمبر/2016 وُقعت اتفاقية السلام بين حكومة الوحدة الوطنية والحزب الإسلامي.

 

تنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة مع الحزب الإسلامي

بعد توقيع اتفاقية السلام، استغرق تأسيس اللجنة المشتركة لتنفيذ الاتفاقية بعض الوقت وأخيرا في نوفمبر/2016 أصدر الرئيس أشرف غني مرسوما وتم تأسيس اللجنة. تم تعيين د. أكرم خبلواك كرئيس للجنة “من جانب الحكومة” وفيض الله ذكي ومحمد مسعود أندرابي كأعضاء ممثلين للحكومة في اللجنة، و من جانب الحزب الإسلامي تم تعيين القاضي عبدالحكيم حكيم كرئيس، ومحمد أمين كريم وغيرت بهير كأعضاء ممثلين للحزب في اللجنة. كما تم تعيين مندوبين في اللجنة من جانب المجلس الأعلى للسلام وهم عزيز الله دين محمد، وعطاء الرحمن سليم وحبيبة سرابي و الشيخ عبدالخبير أوجقون.

عقد المجلس التنفيذي لتنفيذ التزامات اتفاقية السلام جلسته الأولى في 7/نوفمبر/2016، وأُدرجت الالتزامات التالية ضمن أعمال اللجنة:

أولاً؛ حذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة؛

ثانياً؛ إطلاق سراح السجناء من الحزب الإسلامي؛

ثالثاً؛ توزيع نحو عشرين ألف قطعة أرض – بمساحة 500 متر مربع لكل قطعة – للمهاجرين المنتسبين للحزب الإسلامي.

في محاولة لتنفيذ الالتزام الأول، أرسلت الحكومة الأفغانية في ديسمبر/2016 طلبها بحذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة والأسباب الدافعة لذلك. أرسل رئيس مجلس الأمن طلب الحكومة الأفغانية إلى أعضاء مجلس الأمن لتتم الإجابة في غضون عشرة أيام. حسب الصحافة أجلت فرنسا وبعدها روسيا المدة وطالبت بمدة أطول لاتخاذ القرار. رغم أنه حسب تصريحات المتحدث باسم الحزب الإسلامي في هذا الصدد أرسلت الحكومة الأفغانية خطابات للرئيس والبرلمان الفرنسي ووعدوا بالمساعدة في مجلس الأمن؛ إلا أنه لم تتخذ خطوة لتغيير موقف روسيا.

فيما يتعلق بالالتزام الثاني، سلم الحزب الإسلامي قائمة بأسماء 500 من سجنائها لدى الحكومة الأفغانية؛ إلا أن الحكومة الأفغانية لم تطلق سراح أي من هؤلاء السجناء حتى الآن.

بالنسبة للالتزام الثالث فلم يتم اتخاذ خطوات عملية من جانب الحكومة؛ ولكنها وعدت بإسكان مهاجري الحزب في مدينة سيتم إنشاؤها. في الجانب المقابل، بدأ الحزب مسحه الميداني ببعض مناطق كابل لتشييد مخيمات للنازحين.

 

عوائق خارجية في طريق تنفيذ بنود اتفاقية السلام

هناك عوائق خارجية في طريق تنفيذ بنود اتفاقية السلام. تضع روسيا العوائق أمام حذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة، في حين أنه في الاجتماع ثلاثي الأطراف الذي جمع روسيا والصين وباكستان اتفقت الدول الثلاث على حذف أسماء بعض قادة طالبان من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة. إنها خطوة مفاجئة من جانب روسيا. بعد الاجتماع الثلاثي المنعقد بموسكو، زادت الشكوك تجاه روسيا في أفغانستان، لأن روسيا سابقا دعمت اتفاقية الحكومة الأفغانية مع الحزب الإسلامي ولم يتوقع أحد خطوةً كهذه من جانب هذه الدولة.

مع أن روسيا تتذرع بانخراطها في قضايا الشرق الأوسط و أوروبا وبعض القضايا الدولية الأخرى وتتخذها حجة للمطالبة بمزيد من الوقت لاتخاذ القرار حيال قائد الحزب الإسلامي، إلا ان الحرب الباردة الحالية بين أمريكا و روسيا تلعب دوراً إلى حدٍ ما في ذلك. تريد روسيا بموقفها الحالي زيادة الصعوبات التي تواجهها أمريكا في حين أنها رحبت بهذه الاتفاقية سابقاً، ومن جانبٍ آخر وبالنظر في الأشهر القادمة تريد روسيا كسب مزيد من الوقت لصالحها.

في الجانب المقابل، كما أن معارضة الجانب الفرنسي نتجت عن اغتيال أكثر من عشر جنود فرنسيين في منطقة تغاب من قِبل الحزب الإسلامي في عام 2013، ربما يكون الموقف الروسي باحتمال ضعيف حاصلا نتيجة الحروب بين الأفغان والقوات الشيوعية. لعلهم لا يرغبون في حذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء بهذه السهولة، حيث أنه اشتُهر بقاتل الروس.

 

مصير اتفاقية السلام مع الحزب الإسلامي

مع أن الخطوات المبدئية قد تم اتخاذها حيال بنود الاتفاقية الموقعة بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية؛ إلا أنه لم يتم تنفيذ أي من الالتزامات والآن روسيا تطالب بأكثر من ستة أشهر لتمهيد الطريق لتنفيذ التزامٍ مهمٍ آخر.

حتى لو صوتت روسيا ضد حذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة تستطيع الحكومة الأفغانية وبدعمٍ الدول الأربع الأخرى المالكة لحق الفيتو بمجلس الأمن، تقليل التضييق على قائد الحزب الإسلامي مما طالب به الحزب الإسلامي في بيانه الأخير. إلا أن اختلاق العوائق أمام إطلاق سراح سجناء الحزب وإسكان لاجئي الحزب وعدم تنفيذ أغلب بنود الاتفاقية لن يزعزع الثقة بين الحزب والحكومة فحسب وإنما سيضعف ثقة العامة في الحكومة الأفغانية كذلك. على سبيل المثال، بسبب ضغوط من أطراف محددة لا تعتزم الحكومة منح مدينة سكنية أو مخيم للحزب الإسلامي.

تنفيذ بنود اتفاقية السلام مع الحزب الإسلامي أسهل بكثير من تنفيذ اتفاقية مع طالبان. لذا سيؤدي إخفاق الحكومة في هذا الصدد إلى تأثيرات سلبية على الانطباع الذي سيأخذه تنظيم طالبان، خصوصا إذا أراد تنظيم طالبان معاودة استئناف محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية. سيتساءل طالبان، إذا كانت الحكومة الأفغانية عاجزة عن حذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة فكيف ستتمكن من حذف أسماء طالبان؟ كيف يمكن لطالبان أن تثق بالحكومة؟ عندما تخفق الحكومة في تنفيذ أيسر شروط الحزب الإسلامي، كيف ستنفذ الحكومة مطالبات طالبان؟ هذه هي النقاط التي قد يكون لها تأثير سلبي على إمكانية المحادثات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان وستقلل من فرص نجاح المحادثات.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *