سياسة ترامب تجاه أفغانستان

 

قام نائب وزير الخارجية الأمريكي الولايات توماس شانون بزيارة رسمية إلى أفغانستان الأسبوع الماضي والتقى بالرئيس الأفغاني أشرف غني، والرئيس التنفيذي د. عبدالله عبدالله، ونائب وزير الخارجية الأفغاني حكمت الله خليل وبعض المسؤولين الآخرين بالدولة. كانت هذه آخر زيارة للحزب الديمقراطي إلى أفغانستان وذلك لأن دونالد ترامب الجمهوري سيقوم بأداء القسم الرئاسي في الولايات المتحدة في العشرين من يناير، 2017.

وقد جاء الوفد الأمريكي ليؤكد تعاون الإدارة الأمريكية الجديدة مع دولة أفغانستان والحرص على حفظ علاقات جيدة مع الحكومة الأفغانية. قال شانون: «تعهداتنا لأفغانستان لن تنتهي في العشرين من يناير، بل ستزداد علاقاتنا متانة وعمقاً، الجميع يعلم بالأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات والفرص المهمة والإمكانيات تُظهر مشاركتنا في أفغانستان.»

ماهي سياسات حكومة الولايات المتحدة السابقة تجاه أفغانستان؟ وما هي السياسة المحتملة لترامب تجاه أفغانستان؟ ما هو الوضع الراهن في أفغانستان؟ وماذا سيفعل رئيس الولايات المتحدة المنتخب في الدول الإسلامية وخصوصاً في أفغانستان؟ هذه هي الأسئلة التي تمت الإجابة عليها هنا.

 

سياسات الحكومات السابقة للولايات المتحدة

انقسمت استراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان في الخمس عشرة سنة الماضية إلى مرحلتين: الأولى كانت سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان في فترة تولي بوش للرئاسة، والثانية استراتيجية أوباما الديمقراطية في أفغانستان. في المرحلة الأولى، تمتعت الدولتان بعلاقات افضل وأقرب. كانت سياسة الولايات المتحدة الأساسية في المرحلة الأولى هي إسقاط نظام طالبان واستبدالها بحكومة أفغانية جديدة. وهكذا، تم إسقاط نظام طالبان وتأسيس الحكومة الجديدة برئاسة حامد كرزي، وقد دعم المجتمع الدولي والولايات المتحدة بقوة هذه الحكومة وقدم مساهمات ضخمة لها. ولكن، مع الظهور المجدد لطالبان واشتداد الحرب عاماً بعد عام، تركزت استراتيجية الولايات المتحدة -إلى حد كبير- على الحرب المندلعة ومازالت تتركز عليها حتى الآن.

أثناء فترة تولي أوباما الرئاسة، ضعفت علاقات الولايات المتحدة مع كرزي وبهذا أصبحت سياسة الولايات المتحدة غير مستقرة في أفغانستان، فتارة كانوا يعلنون زيادة الجنود في أفغانستان وبعد ذلك يعلنون انسحاب القوات الأمريكية من البلد.

عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، تحسنت – مرة أخرى- العلاقات بين كابل وواشنطن. تم توقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية مع الولايات المتحدة، وسُمح للقوات الأمريكية بالقيام بالغارات الليلية، وكانت ردة فعل الحكومة الأفغانية – إلى حد كبير- هو التزام الصمت تجاه العمليات الأمريكية التي استهدفت المدنيين الأفغان وقوات الأمن. بالإضافة إلى ذلك، أجّل أوباما انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وذلك بطلب من الحكومة الأفغانية.

 

سياسة ترامب المحتملة تجاه أفغانستان

لم تتم مناقشة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية وخصوصاً مسألة أفغانستان بشكل جاد أثناء الإنتخابات الرئاسية للولايات المتحدة في 2016، حتى أن موضوع أفغانستان لم يكن جزءاً من المناظرات. السبب وراء ذلك أن الجمهوريين هم من بدأوا هذه الحرب وقد ظلت الحرب مستعرةً لفترتين من حكم الرئيس الجمهوري، لهذا لم يُظهر أي من الطرفين اهتماماً بموضوع أفغانستان.

بالإضافة لذلك، فإن ترامب لا يمتلك خبرة كافية في السياسة خصوصاً في السياسة الخارجية. لم يبدي ترامب تعليقات كثيرة حيال أفغانستان ويظهر جلياً من تصريحاته أن معلوماته وملاحظاته تتناقض مع بعضها البعض. في عام 2012، قال ترامب أنه سيسحب جميع الجنود الأمريكيين من أفغانستان. بعد هجوم داخلي عام 2013 في أفغانستان، والذي راحت ضحيته بعض من القوات الخارجية، قال ترامب: «لننسحب من أفغانستان، جنودنا يُقتلون على يد هؤلاء الجنود الأفغانيين الذين ندربهم. أضعنا مليارات الدولارات في أفغانستان، وهذا أمر غير مقبول». فيما بعد، غير ترامب موقفه تجاه مسألة أفغانستان وأيد بقاء 9800 جندياً أمريكياً في أفغانستان، وقال أن بقاء الولايات المتحدة في أفغانستان مهم كذلك لباكستان. في عام 2015، قال ترامب أن الحرب المستمرة في أفغانستان لم تكن خطوة خاطئة. علاوة على ذلك، فقد قال ترامب مرة أن بعض المدن الأمريكية تفوق في التدهور الأمني أفغانستان. باختصار، يمكن القول بأن قلة خبرة ترامب وملاحظاته المتناقضة قد جعلت منه شخصاً متقلباً وغير قابل للتنبؤ.

لذا، فإن معظم سياسات ترامب تجاه أفغانستان ستتضح عندما يمسك بزمام السلطة، ولكن يبدو أن سياسة الولايات المتحدة المرتبطة بمسألة سحب قواتها من أفغانستان وقواعدها العسكرية سيكون مشابهاً لسياسة أوباما في السنوات الأخيرة. على كل بالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية والتي تشكلت بتدخلٍ من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، فإن أهم التحديات سيكون المحافظة على علاقات طيبة مع دونالد ترامب وطلب معونته لحل المنازعات في حالة بروز الاختلافات الداخلية بين قادة حكومة الوحدة الوطنية.

 

أفغانستان، في ظل اهتمام ترامب

على الرغم من أن الوضع في الشرق الأوسط وعلاقة الولايات المتحدة مع روسيا – على المستوى الدولي – سيؤثر بشكل أساسي على سياسة الولايات المتحدة الخارجية، إلا أن الوضع الحالي لأفغانستان سيكون مهماً كذلك بالنسبة لترامب، خصوصاً أن الوضع الأمني في أسوأ حالاته، والحوادث الأمنية والتفجيرات والإصابات وسقوط المناطق من سيطرة الحكومة في تزايد؛ وعملية الصلح في مأزق، والوضع الإقتصادي في تدهور – مع أن إحصائيات هذا العام بالمقارنة مع عام 1394هـ ش (2015-2016) تشير أن اقتصاد الدولة قد تحسن-، وعلى أساس أحد الاستطلاعات، فإن الأموال المدفوعة كرشاوي في عام 2016 هي أعلى مما كانت عليه في عام 2014. لهذا، فإن رئيس الولايات المتحدة الجديد سيدرس الوضع بتأني وستكون قراراته المستقبلية متأثرة بهذه الأوضاع.

 

ماذا يتوجب على رئيس الولايات المتحدة الجديد فعله؟

يقوم ترامب بأداء القسم كرئيس للولايات المتحدة في الوقت الذي يغرق فيه كل العالم الإسلامي في العنف والحروب الأهلية، وتُعتبر الولايات المتحدة – وبشكل كبير – مسؤول هذه الحالة. الوضع حرج وضعيف في شمال أفريقيا ودول الخليج وجنوب آسيا والشرق الأوسط بشكل عام. بسبب هذا الوضع، كان عام 2016 اكثرأعوام العالم الإسلامي دموية في القرن الواحد والعشرين. لذا، على الولايات المتحدة دعم الحكومات الديمقراطية في العالم الإسلامي وليس الحكومات الاستبدادية والحكومات المتشكلة نتيجة الانقلابات العسكرية.

علاوة على ذلك، يوجد في العالم الإسلامي أشخاص يؤمنون بأن الولايات المتحدة وراء ظهور عدد من الجماعات المتمردة في العالم الإسلامي، لأنه على حد قولهم، فإن الولايات المتحدة تسعى للوصول لمصالحها عن طريق هذه الجماعات. علاوة على ذلك فقد مهدت سياسة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي السبيلَ للتطرف. على الصعيد الآخر، بعد 15 عاماً، ما زالت الحرب مستمرة في أفغانستان ويعتقد البعض في هذا البلد أن الولايات المتحدة تريد استمرار الحرب في أفغانستان والمنطقة لأن الحرب المستمرة ستضمن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. لهذا، فإن الولايات المتحدة مُلامة كذلك على ظهور داعش في المنطقة، ويقال أنه وبهذا الشكل، فإن الولايات المتحدة تريد أن تضع روسيا والصين في حالة اضطراب. مع ذكر ما سبق، على حكومة الولايات المتحدة ليس فقط تبني سياسات ترد على هذه الإتهامات وحسب، ولكن عليها إعداد استراتيجياتها بشكل يُنهي الحركات التطرفية المتجاوبة في العالم الإسلامي.

في ذات الوقت، على رئيس الولايات المتحدة الجديد دعم عملية الصلح الأفغانية، وبما أن الولايات المتحدة هي من بدأت الحرب الأفغانية، عليها أن تلعب دور ضامنٍ وتنهي هذه الحرب، لأن الصلح في أفغانستان ليس في صالح أفغانستان فحسب بل في صالح العالم أجمع.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *