أفغانستان-أوزبكستان والعلاقات المتحسّنة

 

في سفر رسميٍّ دام يومين، قام وزير الخارجية الأوزبكستاني مع وفدٍ سامي حكومي بزيارة إلى كابل بتاريخ 23/يناير/2017. التقى الوفد الأوزبكستاني بالرئيس أشرف غني وبقية المسؤولين الأفغان، وتم توقيع خمس اتفاقيات في مجالات مختلفة بين الدولتين.

من بين دول آسيا الوسطى تُعتبر أوزبكستان أقوى الدول المجاورة لأفغانستان، ويجمع بينها وبين أفغانستان علاقات ومشتركات عديدة؛ إلا أن العلاقات بين البلدين في الماضي كانت هشّة مقارنة بدول آسيا الوسطى، ومرّت العلاقات بأطوار عديدة.

بعد مؤتمر بُن وتأسيس الحكومة الجديدة بأفغانستان، رغم أن العلاقات بين البلدين تحسّنت إلا أن مستوى هذه العلاقات لم تكن على المستوى الملحوظ إذا ما قارنّاها بعلاقات أفغانستان بالدول الأخرى الواقعة في آسيا الوسطى. مع ذلك سعى مسؤولو البلدين في تحسين العلاقات لتعزيز التعاون المتبادل بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية.

في هذا المقال إطلالة على خلفية العلاقات بين البلدين والضرورة للتعاون المتبادل والفرص المتاحة لذلك، وأهمية الاتفاقيات الثنائية الموقّعة حديثا، وغيرها من المواضيع.

 

خلفية علاقات كابل-طاشكند

تقع أوزبكستان شمال أفغانستان بحدود مشتركة يبلغ طولها 137 كيلومتر. عدد السكان في أوزبكستان يربو على 30 مليون نسمة مما يجعلها ضمن الدول الأعلى كثافة في عدد السكان بآسيا الوسطى. ترجع بدايات العلاقات مع أوزبكستان إلى الفترة الزمنية التي كانت البلدان فيها تُعتبر منطقةً واحدة وكانت مدينة سمرقند تحت سلطة حكومة أحمد شاه أبدالي.

في فترة أخرى كانت أفغانستان وأوزبكستان بلدتان يحكُمها اتحاد جماهير السوفييت. تمتع البلدان في تلك الآونة بعلاقات حسنة في المجلات المختلفة الثقافية والسياسية والتعليمية والتجارية وغيرها.

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م، حصلت أوزبكستان على استقلالها وكانت أفغانستان من أول الدول التي اعترفت رسميا باستقلال أوزبكستان، وبعد عامٍ من ذلك افتُتحت سفارة أفغانستان رسميا بأوزبكستان في فترة رئاسة برهان الدين رباني.

في فترة الحروب الأهلية، دعمت أوزبكستان بعض الأحزاب المشاركة في الاقتتال الداخلي. دعمت أوزبكستان الجنرال دوستم المنتمي لعرقية الأوزبك بأفغانستان والذي كان أحد أطراف الاقتتال الداخلي وكانت مناطق عديدة في شمال أفغانستان خاضعة لسيطرته. في تلك الفترة بالإضافة إلى تكثير تهريب المخدرات، كانت أوزبكستان تبيع أسحلتها وعتادها العسكري أيضاً بأفغانستان.

بعد سقوط كابل في يد طالبان، سدّت أوزبكستان حدودها مع أفغانستان ولم تعترف بحكومة طالبان، ومن جانبٍ آخر في عام 1997 أسست مجموعة “ستة زائد اثنين”[1] لإنهاء الحرب الأهلية بأفغانستان، وقد بقيت المجموعة حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر/2001، إلا أنها لم تُحقق النتائج المُتوقعة.

 

علاقات كابل-طاشكند بعد عام 2001

مع سقوط حكومة طالبان وتأسيس الحكومة الجديدة بأفغانستان استأنفت الدولتان علاقاتهما وتم افتتاح سفارة أوزبكستان بأفغانستان. في هذه المدة وقّعت أفغانستان تعاقداتٍ مع أوزبكستان لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية على أصعدةٍ متنوعة. بناء على هذه الاتفاقيات وافقت أوزبكستان على دعم أفغانستان في مجالات عبور البضائع التجارية والكهرباء وإنشاء الطرق والزراعة وغيرها.

من جملة المشاريع الكبيرة مشروع وصل شبكة الكهرباء من أوزبكستان بأفغانستان وإنشاء أول سكة حديد بأفغانستان من مدينة ترمذ بأوزبكستان وحتى بوابة حيرتان الحدودية ومدينة مزار شريف. في الأعوام 1391، 1392 و 1393 هـ ش استوردت أفغانستان أكبر قدر من الكهرباء من أوزبكستان مقارنةً بالدول الأخرى المجاورة لأفغانستان.[2]

رغم كل ذلك كانت العلاقات بين الدولتين ضعيفة مقارنة بعلاقات أفغانستان مع بقية دول آسيا الوسطى، ولم تُبذل جهود حثيثة لتحسين هذه العلاقات.

مع قدوم حكومة الوحدة الوطنية دخلت أوزبكستان في الدائرة الأولى للسياسة الخارجية للرئيس غني، وأكد الرئيس على توسيع العلاقات مع هذه الدولة لأجل تطوير الاقتصاد وعبور البضائع التجارية وغير ذلك.

ينظر الرئيس غني إلى أوربكستان على أنها طريق قريب ومهم لوصل أفغانستان بالصين و روسيا. لذا استطاعت حكومة الوحدة الوطنية في خطوة غير مسبوقة وصل أفغانستان بالصين عبر إنشاء سكة حديد تمر من كازاخستان وأوزبكستان، وتحرك أول قطار شحن من الصين في سبتمبر/2016 من مدينة هايمن بولاية جيانكسوي بالصين ومرّ بكازاخستان وأوزبكستان حتى وصل إلى بوابة حيرتان الحدودية بأفغانستان، وفي الرجوع تم شحن القطار بتصديرات أفغانستان إلى الصين.

بالإضافة إلى ذلك، وقعت حكومة الوحدة الوطنية تعاقدات مع أوزبكستان في مجالات عديدة أخرى مثل الزيادة في الطاقة المستوردة من أوزبكستان إلى أفغانستان بنسبة 10%، وشراء القمح وتوسعة حركة وعبور البضائع التجارية وغير ذلك، مما يُزيل شيئا من التضييق الحاصل على أفغانستان من قِبل الدول الأخرى في مجال نقل البضائع التجارية والتوريدات إلى أفغانستان.

 

الضروروات والفرص في العلاقات مع أوزبكستان

  • عبور البضائع والتجارة: بعد عام 2001 صارت أوزبكستان إحدى الطرق المهمة لنقل ضروريات القوات الدولية بأفغانستان، حيث أن 70% من وقود هذه القوات كان يصل إلى أفغانستان عبر هذا الطريق، لذا كانت لهذه الدولة أهمية خاصة.

الضرورات والفرص الاقتصادية مهمة في هذه الآونة للدولتين. تحتاج أفغانستان المحاطة باليابسة إلى طرق عبور تصلها بالدول الأخرى لنقل البضائع التجارية. يصل قدر التجارة الحالية بين أفغانستان وأوزبكستان إلى 350 مليون دولار سنوياً،[3] . وإذا بُذلت جهودٌ أكثر لتحسين العلاقات والتعاون المتبادل بين الدولتين سنلحظُ ازدياداً وازدهارا في الحركة التجارية المُتبادلة. من جانبٍ آخر تقع أوزبكستان في بقعةٍ مُحاطةٍ باليابسة أيضا مما يجعل أفغانستان بوابة مناسبة لها تربطها بالمياه.

  • مكافحة الجماعات المتطرفة ومهربي المخدرات: الجماعات المتطرفة (حركة أوزبكستان الإسلامية بقيادة طاهر يلداش وجمعة نمنكاني) التي دخلت أفغانستان في فترة حكم طالبان لم تستطع توسعة أنشطتها في أوزبكستان رغم بذلها جهودا حثيثة لذلك، مما جعلهم يلجؤون إلى أرض أفغانستان وباكستان. مكافحة المخدرات ضرورةٌ أخرى للبلدين، ولن تنجح هذه المكافحة إلا بالتعاون المتبادل.
  • نقاط الاشتراك المختلفة: بالإضافة إلى مجاورة البلدين لبعضهما، تجمع بين أفغانستان و أوزبكستان مُشتركات دينية وثقافية وعِرقية وتاريخية. للبلدين مصالح مشتركة، وبالنظر في كل ذلك يتضح أن أفغانستان وأوزبكستان بحاجة إلى علاقات وثيقة.
  • التغيير في سياسة أوزبكستان الخارجية: بعد وفاة إسلام كريموف واعتلاء شوكت ميرضيايف على كرسي الحكم بأوزبكستان، حصلت تغييرات في السياسة الخارجية لهذا البلد. الرئيس الجديد الأوزبكستاني يعتزم تحسين العلاقات مع دول المنطقة وخصوصا أفغانستان، ويُعتبر هذا التحول فرصةً جيدة لتوطيد العلاقات بين البلدين.

 

الاتفاقيات الأخيرة بين البلدين

في الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأوزبكستاني عبدالعزيز كاملوف إلى كابل وقع مسؤولو البلدين خمس اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة وهي مكافحة المخدرات، ومذكرة تفاهم بين وزارتي الخارجية بالبلدين، وتطوير التعاون في مجال البنية التحتية للنقل وكافة المشاريع، وتأسيس مفوضية مشتركة أمنية ووضع خطط عمل آلية التعاون بين البلدين.[4] تم افتتاح “غرفة التجارة بين أفغانستان – أوزبكستان” في كابل لتطوير التجارة بين البلدين. كما تم توقيع اتفاقيات أخرى في مجالات شراء الإسعافات والدواء والأجهزة الكهربائية والإنشائية.

يُعتبر توقيع هذه الاتفاقيات فصلا جديدا في علاقات كابل-طاشكند وتحتل أهمية خاصة من الناحية الاقتصادية، لأن أفغانستان تُشكّل بالنسبة لأوزبكستان جسرا للوصول إلى جنوب آسيا، وبشكل معاكس تُعتبر أوزبكستان بالنسبة لأفغانستان طريقا قريبا موصلا بالصين و روسيا.

من جانبٍ آخر يُظهر توقيع هذه الاتفاقيات زوال مخاوف أوزبكستان وقلقها حول وضع أفغانستان بعد 2014، ويتضح كذلك من توقيع هذه الاتفاقيات والدعوة الرسمية من رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيايف للرئيس أشرف غني ليزور بلدهم أن أوزبكستان راغبة في توطيد العلاقات مع أفغانستان في مختلف المجالات.

النهاية

[1] Wikipedia ”Six plus Two Group on Afghanistan”:

https://en.wikipedia.org/wiki/Six_plus_Two_Group_on_Afghanistan

[2] “أفغانستان في العقد والنصف الماضي”، تقرير بحثي تحليلي صدر من مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية حول وضع أفغانستان في السنين الخمس عشرة الماضية، فصل الطاقة، ص:272، سنة الطبع:2017م.

[3] غرفة التجارة والصناعة بأفغانستان، “توقيع مذكرة التفاهم لتأسيس غرفة تجارية مشتركة بين أفغانستان وأوزبكستان:

http://www.acci.org.af/da/component/content/article/38-news/1048-n.html

[4] القصر الرئاسي، “الرئيس غني: هناك ارتباط وثيق بين مصير أفغانستان وأوزبكستان”، يناير/2017:

http://president.gov.af/fa/news/298463

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *