نظرة سریعة إلی وضع الإعلام في أفغانستان

 

ضياءالإسلام شيراني / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية

في الأسبوع الماضي (۱۰ من شهر ثور ۱۳۹۷) قتل تسعة مراسلین وجرح خمسة آخرون في هجومین منفصلین في کابل. وقتل مراسل لـ (بي بي سي) في ولاية خوست شرقي أفغانستان في نفس الیوم، کما قتل أحد مراسلي قناة کابل نیوز التلفیزیونیة من قبل مسلحین مجهولین في ولاية قندهار جنوبي البلاد قبل أسبوع.

یُشن هذا الهجوم علی الإعلام في أفغانستان في وقت هناك جهود بذلت علی طریق حریة الصحافة علی مستوی المنطقة بجانب تنمیتها في البلاد منذ ۱۷ عاما الماضیة. وفقا للتقریر السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود والذي نشر قبل أیام فإن أفغانستان حصل علی المرکز ۱۱۸ في حریة الإعلام من بین ۱۸۰ دولة. ولکن من جهة أخری فإن أفغانستان یعد أخطر بلد للصحفیین، ونظرا لهذا التقریر قتل ۱٥ صحفیا عام ۲۰۱۷ الماضي في أفغانستان.[1]

تعتبر حكومة أفغانستان حریة التعبیر وازدیاد وسائل الإعلام من إنجازاتها الکبیرة، ولکنها لم تهتم بأمن الصحافة والصحفیین والحفاظ علی أرواحهم کما ینبغي.

تقرؤون في هذا التحلیل خلفية الإعلام في أفغانستان، وانجازات الصحافة الأفغانیة في ۱۷ عاما الماضیة، والتحدیات المتوقعة أمامها.

 

الخلفية

یصل عمر الصحافة الأفغانیة إلی حوالي ۱٤٥ سنة، فإن تاسیسها کان عام ۱۸۷۳ في الفترة الثانیة من حکم الأمیر شیرعلي خان. تأسست جریدة شمس النهار لأول مرة في ذلك الوقت، والتي کانت تطبع في مطابع شمس النهار بواسطة مکینة الطباعة.

بعد جریدة شمس النهار، کانت (سراج الأخبار أفغانستان) عام ۱۹۰٦م، و(سراج الأخبار الأفغانیة) الوجه الجدید لهذه الجریدة عام ۱۹۱۲م، هي أهم الخطوات علی طریق الصحافة في البلاد، والذي نور الطریق أمام الإعلام؛ لکن بعد هذه الفترة وأیام حکم الشاه أمان الله خان والتي تعتبر فترة تنمیة الصحافة؛ تقدم کثیرا بالنسبة للماضي، وکانت تنشر في هذه الفترة ۲۳ من الجرائد والأخبار في ساحات مختلفة.[2]

أیام حکم الرئیس محمد داود خان وبعد ذلك فترة حکم حزبي الشیوعیین (خلق وبرشم) کانت الصحافة تحت إشراف ورقابة الحکومة الكامل. وفي الأیام الأخیرة من حکم الدکتور نجیب الله بدأ بعض الأحزاب بفعالیاتها الإعلامیة بشکل مستقل.[3]

کانت الصحافة في فترة حکم طالبان تحت رقابة الحکومة بشکل کامل، وکانت القناة التلفیزیونیة الحکومیة توقفت عن البث، ولکن بعد عام ۲۰۰۱م وبعد أن سقطت حکومة طالبان نتیجة لهجمات الناتو والأمریکیین وتشكلت الحکومة الجدیدة بمساعدة الأمریکیین والناتو عاد الإعلام مرة أخری للعمل وتعمل حالیا مئات الجرائد والصحف في البلاد.

 

الإعلام الأفغاني بعد ۲۰۰۱م

 یعتبر الإعلام سلطة رابعة في البلاد، وله دور خاص ومؤثر في جمیع المجالات، الإعلام سلاح ذو حدین یستطیع أن یستخدم في موضوعات مهمة ومصیریة.

فترة ۱۷ عاما الماضیة تعتبر فترة خاصة بالنسبة لحریة التعبیر واستقلالية الإعلام في البلاد، بجانب الإعلام الحکومي هناك مئات من القنوات الأخری مرئیة ومسموعة، کتابیة أو علی الشبکة الدولیة؛ مع أن هناك انتقادات علی عمل ومنشورات هذه الوسائل الإعلامیة في کثیر من الأحیان لأسباب مختلفة.

وفقا لمعلومات وزارة الثقافة والإعلام الأفغانیة فقد تم تسجیل ۲۰۳ قناة تلفیزیونیة، و۳٦٦ محطة إذاعة، و۷۲ صحیفة، و۳٥٤ صحیفة أسبوعیة، و۳٤٤ مجلة و۷۳ وکالة أنباء في هذه الوزارة. وهذه الوسائل الإعلامیة لعبت دورا مهما في نشر الأخبار، والوعي العام، والإشراف علی أعمال الدولة، وتحلیل الأوضاع في البلاد، وعرض البرامج الترويحية المختلفة، وهذا یعتبر إنجازا مهما في طریق التوعية الشعبیة في أفغانستان.

في جانب آخر، مع أن الإعلام الحالي تقدم کثیرا من ناحیة الکم؛ إلا أنها تنقصها الکیفیة والمهنیة والاستقلالیة. عندما ندقق علی الإعلام الأفغاني وفعالیته ونزنه بمیزان الحریة؛ یظهر لنا أن کثیرا من هذه القنوات لم تؤد مسؤولیتها بشکل صحیح، ولم تأخذ الأخلاق بعین الاعتبار، ولم تراعي الخصوصیة الدینیة والثقافیة للبلاد.

 

التحدیات التي یواجهها الإعلام

التهدیدات الأمنیة: التهدید الأمني بالنسبة للإعلام والإعلامیین هو أهم التحدیات التي یواجهونها. المراسلون الذین یذهبون إلی مناطق الصراع في أوقات الحرب الصعبة لنشر الحقائق؛ هذا یؤدي بهم إلی فقد حیاتهم في کثیر من الأحیان.

حسب التقریر السنوي لمؤسسة الدفاع عن حریة الإعلام في أفغانستان (ني) عام ۱۳۹٦؛ فقد ازداد العنف ضد الإعلامیین هذا العام بالنسبة ٥۱ في المائة من العام ۱۳۹٥ الماضي. سجلت المؤسسة ۱٦٦ حالة عنف ضد المراسلین، ویشمل ۱۹ حالة قتل، و٤۱ حالة جراحة، و۲۳ حالة الضرب، و٦۷ حالة السجن والتهدید بالقتل.[4]

الوصول إلی المعلومات: وفقا للمادة الخمسین من الدستور الأساسي لأفغانستان والمادة الخامسة من قانون المطبوعات؛ الوصول إلی المعلومات حق لکل مواطن، لکن ومع الأسف عندما یتم نقض هذه المادة من قبل الحکومة نفسها والمعارضین وأصحاب القوة؛ فإن هذا عقبة کبیرة أمام وصول الحقائق إلی الإعلامیین.

عدم الحياد: التحدي المهم الآخر أمام الإعلام هو  انتمائهم إلى جهات مختلفة. کثیر من وسائل الإعلام حالیا لها علاقة بحزب سیاسي أو شخص في الداخل، أو لها علاقات ببلد أو شخص في الخارج، أو تعمل لأغراض تجاریة أو مالیة لشخص ما. وهکذا یدل ازدیاد القنوات الإعلامیة في ۱۷ عاما الماضية علی إحداث هذه القنوات الکثیرة من قبل الدول المختلفة وبمساعدة الأشخاص وللحصول علی أهداف مختلفة. ولهذا السبب کثیر منها لا تستطیع أداء مسؤولیتها کوسیلة إعلامیة ولاتعتبر مستقلة.

نشر الابتذال: التحدي المهم الآخر أمام الإعلام الأفغاني والذي حوله عن وظیفته الأصلیة وبمساعدة من الأطراف الخارجیة أو لأغراض مادیة؛ یعمد إلی نشر الموضوعات اللاأخلاقية والتي في مخالفة صریحة مع الشریعة الإسلامیة والدستور والأعراف والتقالید الأفغانیة. هذه الوسائل کانت لها تأثیر کبیر في نشر الثقافة الأجنبیة المستوردة في المجتمع الأفغاني.

 

لماذا یستهدف الإعلام والإعلامیون؟

أدینت الهجمات الأخیرة علی الإعلامیین في کابل وقندهار وخوست داخل البلاد في القصر الرئاسي، والرئاسة التنفیذیة، والبرلمان، والمؤسسات الإعلامیة والأحزاب السیاسة والأشخاص، وفي الخارج من قبل منظمة العفو الدولیة، الناتو والأمم المتحدة بعبارات شدیدة واعتبرت جرائم حرب. بشكل عام، الإعلام والإعلامیون أيضا ضحایا الوضع الأمني السيء في البلاد؛ لکن السؤال ما هي العوامل في استهداف الإعلام والإعلامیین؟

الأول: في العقد ونصف العقد الأخیر اعتبر الإعلام وحریة التعبیر إنجازا کبیرا للحکومة الأفغانیة، إلا أن الحکومة الأفغانیة لم تتحمل مسؤولیتها القانونیة في الدفاع عن حریة التعبیر وحمایة أمن الإعلامیین بشکل صحیح ولم تنجح في ذلك.

الثاني: یستهدف الإعلام في کثیر من الأحیان من قبل المعارضة المسلحة والخارجین عن القانون، وأصحاب السلطة والقدرة ومجموعات المافيا، وأطراف استخباراتیة لما له دور مهم في الوعي العام ونشر المعلومات، ولأنه یقدم معلومات للشعب عن أعمالهم وفعالیاتهم.

الثالث: یجب علی الإعلام المستقل أن یأخذ الموضوعیة والاستقلالیة في نشر الأخبار وفعالیات أخری بعین الاعتبار، لکن ومع الأسف لایأخذ کثیر من الإعلامیین هذا الأمر بعین الاعتبار، ربما یقعون طرفا أو ینشرون معلومات من المراجع الثانویة أو ینقضون أصلا من أصول الصحافة، وهذا الأمر یلعب دورا کبیرا في ازدیاد العنف والتهدیدات ضدهم.

النهاية

[1] RSF, Reporters Without Borders, see online: https://rsf.org/en/ranking

[2] محمد کاظم اهنګ او حبیب الله رفیع: “په افغانستان کې د ژونالیزم بهر” مومند خپرندویه ټولنه.

[3] دانش کړوخیل: “مسلکي خبریالي” پژواک خبرې آژانس، ۱۳۹۳هـ ش، ص ۲۵۵.

[4] See online: https://pa.azadiradio.com/a/29138220.html

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *