هل يستطيع رئيس الجمهورية هزيمة طالبان من الناحية الشرعية؟

 

يميز أشرف غني بعض الخصوصيات عن غيره من السياسيين الأفغان، من ذلك الجدية ومتابعة الأعمال منذ البداية. بسبب جديته لم يحصل التذبذب في العلاقات مع باكستان في السنوات الماضية، ولهذه الميزة بدأ عملية توزيع البطاقات الإلكترونية. وهكذا على أساس ميزته الثانية احتفظ على سلسلة ردوده الشرعية على طالبان.

هذه الجهود من قبل رئيس الجمهورية ضد المعارضة المسلحة سيما طالبان سبب في إظهارات للجنرال الأمريكي روبرت نيلر قبل شهر حول الجانب الشرعي للحرب الأفغانية، ولم يعتبر في مؤتمر صحفي في البنتاغون طالبان الأفغان “المجاهدين” الصادقين، وأضاف: «طالبان وداعش (الدولة الإسلامية) ليسوا مجاهدين، بل هم التكفيريون، ولكن الأفغان والجنود الأمريكيين هم المجاهدون حقا».[1]

مع الاجتماع الأخير لعلماء الدين في كابل، وصدور الفتوى حول الحرب الأفغانية، وإعلان وقف إطلاق النار من قبل الرئيس؛ فإن جهود الرئيس هذه والحكومة عموما شد الانتباه على المستوى الداخلي والدولي. واعتبر الرئيس غني بعد الاجتماع الهجوم على علماء الدين والذي لم يتحمل طالبان مسؤوليته «الهجوم على ورثة الأنبياء».[2]

هنا ننظر إلى جهود رئيس الجمهورية المذكورة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. ما هو تأثير هذه الجهود حتى الآن؟ وما هو تأثيره على السلام أو الحرب في المستقبل؟ وهل تستطيع هذه الجهود إضعاف طالبان أم لا؟ نجيب عن هذه الأسئلة فيما يلي.

 

خطة الرئيس؛ الردود الشرعية على طالبان

تنبه الرئيس غني كسياسي أفغاني إلى هذا الجانب في ميدان السياسة من قبل. كان «قرآن عظيم الشأن» علامته الانتخابية كمرشح للرئاسة في الانتخابات الرئاسية عام 2009 و بعد ذلك عام 2014، وهذه العلامة أثرت على أذهان العامة إلى حد ما. في عام 2014 كانت هناك دعايات له أن رقمه الانتخابي 5 وهو عدد أركان الإسلام.[3]

مع أن الرئيس غني تعهد أثناء الانتخابات على إنهاء المسافة بين المسجد والقصر الرئاسي، ولذلك انعقد اجتماع علماء الدين لدعمه، ولكن بعد وصوله إلى الرئاسة لم يف بتعهداته تلك إلى حد كبير.

بدأ الرئيس أول سفر له الغير الرسمي إلى السعودية لأداء العمرة، وهكذا ركز على السعودية كمركز للعالم الإسلامي لإنهاء الحرب واحلال السلام في البلاد.

شدد الرئيس خلال ثلاث سنوات الماضية على إدانة أعمال طالبان من الناحية الدينية. العالم الماضي عندما مات وجرح مئات المدنيين في هجوم دموي لطالبان وسط العاصمة الأفغانية كابل؛ ذهب إلى مسجد وزير أكبر خان القريب من القصر الرئاسي وشدد على مشروعية حكومته وإدانة طالبان. بجانب هذا أثناء حديثه في بعض الاجتماعات أخذ معه عددا من علماء الدين وأوقفهم بجانبه واستند على وقوفهم. كما قال مرة في أحد اجتماعات: «مساجدنا هي ثغورنا… صف الحكومة صف الحق».[4]

بعد إعلان عمليات الربيع لطالبان المسمى بـ «الخندق» في بداية عام 1397، في اجتماع بالاحتفاء بيوم انتصار الجهاد الأفغاني تحدث كثيرا في الرد على هذه العمليات والجانب الشرعي للقضية الأفغانية. وقال: «هل يعلنون الحرب على حضرت صاحب مجددي؟! على أمراء الجهاد؟! على علمائنا الكرام؟! هذه الحرب وهذا الإعلان لا سند له شرعي أو وطني… وجاءت الفتاوى من علماء مكة المكرمة والمدىنة المنورة، وديوبند، وأماكن أخرى، وستتكون مجموعة من هذه الفتاوى في إندونيسيا.»[5]

وتنبه الرئيس في خطته هذه إلى أمور دقيقة أخرى. لأن الأكثرية من الشعب الأفغاني أحناف، شارك الرئيس قبل فترة في عرض تحقيقي تحت مسمى أبي حنيفة رحمه الله وقال: «الجمعات المتشددة غير مطلعين على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله».[6]

من أجل ذلك أقامت حكومة الوحدة الوطنية علاقات طيبة مع أندونيسيا التي هي أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، وسافر الرئيس الأندونيسي إلى أفغانستان قبل أشهر. نتيجة لهذه الجهود اجتمع علماء الدين من ثلاث دول (أفغانستان، وباكستان، وأندونيسيا) في 11 مايو، وكانت نتيجة هذا الاجتماع خلافا لما تتوقعه الحكومة الأفغانية لأنه لم يفتِ برد أو تحريم  الحرب الأفغانية صراحة، ولكنه تكلم عن ضرورة إحلال السلام ومعارضة الحرب عموما.[7]

كان من المقرر عقد اجتماع مماثل في السعودية، إلا أن حركة طالبان استغلت اجتماع أندونيسيا لصالحها دعائيا ولذلك دعت الحكومة في إجراء عاجل لها حوالي 2000 من علماء الدين الأفغان إلى عقد اجتماع وأصدروا فتوى بتحريم الحرب في أفغانستان.[8]

 

الاجتماع الأخير وإعلان وقف إطلاق النار

اجتماع علماء الدين في كابل والذي انعقد الإثنين الماضي (4 يونيو 2018) في مبنى لويه جركا؛ من الجهود التي تهدف إلى إعمال الضغوط على طالبان ليستعدوا للمفاوضات المباشرة مع الحكومة الأفغانية بعد الجلسة الثانية لعملية كابل للسلام. السبب لمشكلة هذه الفتوى وأثره الضعيف أن هذا الاجتماع يعقد من قبل الحكومة من جهة، ومن جهة أخرى لم يتطرق في هذه الفتوى إلى حضور القوات الأجنبية في البلاد، والقصف الجوي، والعمليات العسكرية التي تعتبر أهم النقاط للحرب من الناحية الدينية، ويستطيع طالبان الرد على مثل هذه الفتاوى بسهولة. نشرت طالبان بيانا حول الفتوى الأخير واعتبرته نتيجة لتلك الضغوط التي تحدث عنها القائد العام للقوات الأمريكية والناتو الجنرال نيكولسن في أفغانستان في مارس الماضي وتحدث عن تشديد الضغوط الدينية على الحركة.[9]

مع أن هناك انتقادات بشأن تأثير ونوع اجتماع علماء الدين الأخير؛ إلا أن إعلان وقف إطلاق النار لأسبوع بعد الاجتماع الأخير بمناسبة عيد الفطر من قبل رئيس الجمهورية لم يعطِ قرارات هذا الاجتماع أهمية فحسب؛ بل أوجد أملا في الأوساط العامة للأفغان كخطوة جديدة ومتقدمة على طريق السلام، لأن هذه أول مرة يعلن فيها عن وقف إطلاق النار مع طالبان لمدة أسبوع من قبل الحكومة الأفغانية منذ عام 2001.

 

تأثير هذه الجهود على السلام والحرب

بعد العرض المقدم لطالبان من قبل الحكومة الأفغانية للسلام في الاجتماع الثاني من عملية كابل، ازدادت مثل هذه الجهود للضغط على طالبان؛ لأن طالبان ردت على عرض الرئيس للسلام سلبا بالسكوت وإعلان عمليات الربيع «الخندق». السبب الأساسي لموقف طالبان هذا أن الرئيس لم يتطرق في أطروحته للسلام إلى مصير حضور القوات الأجنبية في البلاد، ولا يؤتى بهذه النقطة في أي من البيانات الحكومية، النقطة التي تذكرها طالبان دائما في جميع بياناتها وتعتبرها السبب الرئيسي للحرب. من جهة أخرى هذه النقطة هي التي ترفع من الروح المعنوية لمقاتلي طالبان.

مع أن الجهود مثل التوصل إلى السلام بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية، والفتوى الأخير أيضا لها تأثير على الأذهان العامة؛ إلا أنها لم تؤثر على قرار طالبان بشأن الحرب وانخفاض مستوى العنف في البلاد. وفقا لتقارير من مؤسسات وطنية ودولية الأشهر الأولى من عام 2018 أصبحت أكثر دموية بالنسبة لها من العام الماضي.[10] لأن هذه الحرب أعقد من مستوى إصدار الفتاوى من جهة، ومن جهة أخرى حتى لو كان الحديث عن الفتوى؛ فإن مثل هذه الفتاوى صدرت كثيرا منذ بدء الحرب، وأمير طالبان حاليا له رتبة «شيخ الحديث» العلمي.

في الوقت الذي ازداد دور القوات الأجنبية في ميادين القتال بعد إعلان استراتيجية ترمب العسكرية لأفغانستان؛ وتم  أكثر من 500 قصف جوي في شهر أبريل الماضي؛ فإن التغاضي عن حضور القوات الأجنبية، والقصف، والعمليات الليلية، وعمليات أخرى في الوقت الحاضر، حتى مع إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد؛ لن يمهد الطريق أمام السلام ولن يقضي على قوة طالبان الحربية.    النهاية

[1] VOA Dari, May 3, 2018,  see online:

https://www.darivoa.com/a/us-marine-corp-commander-say-afghan-and-us-troops-are-mujahedeen/4375706.html

[2] BBC Pashto, June 4, 2018, see online: http://www.bbc.com/pashto/afghanistan-443a66389

[3] See online: https://k.khabarial.com/archives/116990

[4] ARG, Office of the president, Feb 2, 2018, see online: https://president.gov.af/ps/News/2001888

[5] Office of the president,  April 29, 2018, see online: https://president.gov.af/ps/President_Speech_jehad

[6] Azadi Radio, May 14, 2018 , see online: https://pa.azadiradio.com/a/29225635.html

[7] The High Peace Council of Afghanistan (HPC), Indonesian meeting declaration in Pashto, May 14, 2018, see online:

http://www.hpc.org.af/dari/index.php/fa/2011-04-08-11-56-57/2018-01-17-16-24-51/1337-2018-05-14-05-41-45

[8] See online:

http://hpc.org.af/dari/index.php/fa/2011-04-08-11-56-57/2018-01-17-16-24-51/1353-2018-06-05-06-24-11

[9] see online, Taliban reaction: http://scprd.com/?p=8191

http://shahamat1.com/?p=119847

[10] See online, First quarter 2018:

https://unama.unmissions.org/sites/default/files/unama_protection_of_civilians_first_quarter_2018_report_11_april_0.pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *