دور منظمة الحلف الأطلسي في قضية الحرب والسلام الأفغاني

 

استضافت في الأسبوع الماضي (11 ـ 12 يوليو 2018م) العاصمة البلجيكية بروكسل الاجتماع الذي شارك فيه أعضاء الحلف الأطلسي. شارك في هذا الاجتماع مع رؤساء دول حلف الناتو، الرئيس الأفغاني أشرف غني والرئيس التنفيذي الدكتور عبد الله من أفغانستان، ورؤساء الدول الأصدقاء لحلف الناتو، ومندوبي منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي.

وفي اليوم الثاني من الاجتماع كانت أفغانستان ومهمة الناتو فيها أهم نقاط الأجندة، والتي أعلنت دعمها المالي للقوات الأفغانية إلى عام 2024م في أفغانستان، كما أثنت على جهود الرئيس الأفغاني للسلام مع طالبان.

وفي هذا الاجتماع فضلا عن الدعم المالي للقوات الأفغانية، أعربت بعض أعضاء الحلف الأطلسي عن زيادة عدد قواتها في أفغانستان. كما أن ستولتنبرج السكرتير العام للناتو أكد على وجود الحلف الأطلسي على مدى طويل في أفغانستان.

يناقش هذا المقال حضور حلف الناتو ومشاركته في أفغانستان، ودور هذه المنظمة في الحرب والسلام، والأجتماع الأخير في بروكسل، وأثر قراراته في مستقبل الحرب الأفغانية.

 

الناتو و الحرب الأفغانية

الناتو (NATO) منظمة سياسية وعسكرية والتي أنشأت بعد الحرب العالمية الثانية في أبريل ۱۹۴۹م باسم “حلف شمال الأطلسي” (North Atlantic Treaty organization) بين دول غرب أوروبا والولايات المتحدة (أمريكا) لتجنب التهديدات المحتملة من دول شرقي أوروبا والاتحاد السوفيتي.

عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان بعد حادثة 11 سبتمبر وفي 7 أكتوبر عام 2001م ودمر نظام طالبان، أعطت مسؤولية استقرار الأمن في أفغانستان لقوات آيساف (ISAF)، وبعد إذن منظمة الأمم المتحدة جعلت غزوها مشروعة، ثم أعطيت قيادة قوات أيساف إلى حلف شمال الأطلسي.

القوات الدولية بدعم من الولايات المتحدة وقيادة الناتو قدمت مع المهمة العسكرية أنشطة إعادة الإعمار في أفغانستان تحت مظلة (PRT)، ولكن هذه النشاطات لم تكن من مشروعات البنية التحتية.

والظاهر على الغزو الأمريكي لأفغانستان غير قضية أسامة بن لادن، وتدمير نظام طالبان، كان الهدف منها إيجاد الجيش الأفغاني ونظام ديموقراطي لتعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان، وكانت المنظمات الدولية وأعضاء حلف الناتو تدعم الولايات المتحدة، ولكنها لم تحقق حقا، لأن الولايات المتحدة كانت لها أهداف أخرى في هذه المنطقة، وعليه لم يستقر الأمن في البلاد، وأخذت الحرب ضحيتها عشرات الآلاف من الشعب الأفغاني.

مع أن قوات الناتو والولايات المتحدة تقلصت من مائة ألف إلى 16000 فقط، إلا أن الحرب دائرة في الساحة بشدة، وفضلا عن طالبان، فإن الدولة الإسلامية (داعش) هي الأخرى وسعت أنشطتها في أفغانستان وتعتبر من أكبر تحديات الحكومة الأفغانية.

 

حلف شمال الأطلسي؛ خلافا للسلام يصر على الحرب

الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة بدعم من الناتو، وكان الهدف منها إيجاد النظام الجديد للبلد واستقرار الأمن فيه، وإن كانت مستمرة بمائة ألف جندي إلى عام 2014م، إلا أنها لم تنته ولم تجد، لأن الحرب ما زالت قائمة، ولم تهزم طالبان، ولم تشهد الساحة الأفغانية أمنا وسلاما. وبعد عام 2014م تركت القوات الأجنبية الحرب الدامية بين القوات الأفغانية الحكومية وطالبان، وإن كانت عشرات الآلاف من قواتها تركت أفغانستان إلا أنها حاليا يتواجد آلاف من قوات الحلف الأطلسي من 39 بلدا في أفغانستان.

وقد أعلنت الولايات المتحدة بعد تولية ترامب الحكم استراتيجية جديدة عسكرية. وقد عادت القوات الأجنبية على ضوء هذه الاستراتيجية إلى أفغانستان مرة أخرى. حميت الحرب، وزادت الهجمات الجوية والتي أعقبت مجازر في أوساط المدنيين، وحسب تقرير یوناما في الشهور الست الأولى من عام 2018م قتلت 5122 شخص من المدنيين.

يتابع الحلف الأطلسي بدعم من القوات الأمريكية أكثر من عقد ونصف من الزمان استراتيجية حربية في أفغانستان، ولم تكن قواتها ولا الأمريكان ناجحة في هذه الحرب. وإن كان الحلف الأطلسي يصرح بأن الحرب الأفغانية ليست لها حلا عسكريا؛ إلا أنه يمول الحرب الأفغانية ويرسل قواته الحربية باسم تأهيل القوات الأفغانية ومليارات دولارا أمريكيا.

وعلى العموم، يعامل حلف الأطلسي والمجتمع الدولي في الحرب الأفغانية وقضية السلام معاملة ذا الوجهين. وكما يظهر، كل مرة يدعون طالبان والحكومة الأفغانية إلى السلام ويصرحون بأن الحرب الأفغانية ليست لها حلا عسكريا ولا بد من الحل السياسي لها، ولكنهم لا يمهدون الطريق إلى الحل السياسي ولا يقدمون خطوات عملية له، وعلى نقيض ذلك يركزون على الساحة الحربية ويزيدون من قواتهم.

وفي الوقت الحالي، فإن إنهاء الحرب في أفغانستان وتعزيز السلام يرجع قبل كل شيء إلى قرار المجتمع الدولي والولايات المتحدة. والناتو بدلا من التفكير في سحب قواته، يحاول ازدياد قواته، وتمويل الحرب، وإخفاق الجهود المبذولة حول السلام في أفغانستان. مع أن التجارب أثبتت فشل زيادة القوات العسكرية في الحرب الأفغانية.

 

الاجتماع الأخير للناتو في بروكسل

وفي الاجتماع الأخير لمنظمة الناتو في بروكسل خصص اليوم الثاني للبحث حول القضية الأفغانية، واتخذت قرارات بشأن الحرب والسلام في أفغانستان:

الحرب؛ كان الإصرار على الحرب، الموضوع المعنية لأعضاء الحلف الأطلسي في هذا الاجتماع. وأعربوا في هذا الاجتماع للقوات المسلحة المعارضة للحكومة الأفغانية: “أنتم لا تنجحون في هذه الحرب، والناتو تعهد بوجود قواته في أفغانستان”.

حاليا، يهدف دعم وتعاون قوات الناتو للقوات الأفغانية إلى رفع معنويات القوات الأفغانية والضغط على طالبان؛ ولكن حسب تجارب السنوات الماضية لا يمكن أن يجدي هذه الأمور وتسبب هزيمة طالبان في ساحة الحرب. إذا كثرت الضغوط على طالبان في الحرب، فإنهم يكثرون من الانفجارات وعمليات “انتحارية” في المدن، وبهذا تستمر الحرب وتزيد الضحايا وتبيد الآمال التي تعلقت بالسلام.

السلام؛ في الاجتماع الأخير للناتو أثني على اقتراح السلام الذي أعلنت الحكومة الأفغانية مع طالبان. كما أن السكرتير العام للناتو ستولتنبرج أعلن لمخالفي الحكومة الأفغانية بأنكم لا تنجحون في الحرب، ولابد أن تتجه نحو الحل السياسي على أساس المفاوضات بين الأفغان، وهذا ما رفضته طالبان مرارا.

حاولت الحكومة الأفغانية ولا سيما حكومة الوحدة الوطنية في مفاوضات السلام مع الطالبان على مستوى البلد، والمحلي والدولي محاولات جيدة. فضلا عن الضغوط السياسية والعسكرية على طالبان، استفادت حكومة الوحدة الوطنية من الضغوط الدينية والمذهبية. واستطاعت الحكومة الأفغانية أن تعلن الحرب الراهنة في أفغانستان حربا غير مشروع وفي اجتماع من علماء العالم الإسلامي وإمام الحرم المكي، ومع هذا كله، فإن طالبان لم تحضر إلى مفاوضات السلام بعد.

واجهت عملية السلام في أفغانستان إخفاقا على مدى عدة سنوات، ومن الدواعي التي أدت إلى هذا، طلب طالبان التفاوض مع الولايات المتحدة مباشرة؛ ولكن الأمريكان لا تقبل. في الأسبوع الماضي وإن نشر بعض  الإعلام الدولية بأن أمريكا تحاول بدء مفاوضات مع طالبان مباشرة، إلا أن الحكومة الأفغانية أعربت عن موقفها الرافض وأعلنت بأنه لا يمكن أن يكون بلدا ما بديلا عن الحكومة الأفغانية في مفاوضات السلام.

تبعث التقارير المذكورة أملا حول السلام الأفغاني؛ وإن كانت أمريكا تعهد من الحوار المباشر مع طالبان، والحكومة الأفغانية تخالف ذلك، فهذا يشير إلى أن مفاوضات السلام تواجه إخفاقا مرة أخرى.

ومع هذا كله، وبعد ما لاحظنا في عيد الفطر من وقف إطلاق النار بين الحكومة الأفغانية وطالبان، نستطيع القول بأن الشعب الأفغاني قد أعيتهم الحرب ويريدون السلام؛ ولكن القوات الأجنبية تعتبر من أكبر دواعي الحرب. ولابد في هذه الحالة أن يحاول المجتمع الدولي والناتو بإبعاد العامل الأساس للحرب الأفغانية، ويدفع الولايات المتحدة إلى الحوار المباشر مع طالبان، ويؤدي مسؤوليته تجاه الحرب الأفغانية، كما يلزم على طالبان بأن تقبلوا الحكومة الأفغانية كجهة معتمدة وذي صلاحية في الحرب التي تستمر بين الأطراف الثلاثة (أمريكا، والحكومة الأفغانية وطالبان)، لعلها تصل إلى الحل المنشود وتنتهي الحرب.  

 انتهى

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *