نظرة إلى الخلافات الداخلية في عهد الرئيس غني

 

وصل أشرف غني إلى رئاسة الجمهورية في أفغانستان بعد انتخابات تعتبر هي الأصعب في تاريخ أفغانستان والتي حدثت بشأنها ضجة كبيرة وخلافات. هذه الانتخابات والتي أجريت عام ۲۰۱٤م وصلت الخلافات بشأنها إلى حد تشكلت في النهاية حكومة الوحدة الوطنية بين فريق عبدالله عبدالله الانتخابي، وفريق أشرف غني الانتخابي طبقا لاتفاقية سياسية وبوساطة جون كيري وزير الخارجية الأمريكية السابق. انشغلت حكومة الوحدة الوطنية بالخلافات الداخلية منذ بدء عملها. اشتدت هذه الخلافات عاما بعد عام وأثرت على مجالات مختلفة في البلاد. لذلك فإن الحكومة واجهت خطر عدم الاستقرار السياسي نتيجة للخلافات الداخلية.

كيفية بدء الخلافات الداخلية، والخلافات بين قادة حكومة الوحدة الوطنية، والاختلاف بين الحكومة والبرلمان، وأسباب هذه الخلافات في عهد الرئيس غني، هي قضايا نتطرق إليها في هذا التحليل.

 

الخلافات بين قادة حكومة الوحدة الوطنية

الخلافات الداخلية أمر طبيعي في جميع بلدان العالم؛ ولكن في أفغانستان سيما في عهد الرئيس غني الذي ترأس حكومة ائتلافية؛ كان هذا الأمر بارزا إلى حد واجه البلد بسببها خطر عدم الاستقرار السياسي أحيانا.

هذا النوع من الحكومة (الوحدة الوطنية) التي قسمت السلطة بين فريقي الدكتور عبدالله وأشرف غني بشكل ٥۰ – ٥۰؛ هو بنفسها كان سببا لبدء الخلافات الداخلية بين السياسيين الأفغان؛ لأن حكومة الوحدة الوطنية تشكلت نتيجة لاتفاقية سياسية خلافا للدستور الأفغاني، وكانت هناك انتقادات شديدة عليها منذ بدء عملها. كانت هناك خلافات بين فريقي عبدالله وغني في البداية، ثم حدثت خلافات أيضا بين كل فريق منهما مع نفسه. كانت هناك خلافات شديدة في البداية بين قادة حكومة الوحدة الوطنية على تشكيل الحكومة وتقسيم السلطة، ثم حول تعيين الوزراء، وتوزيع المناصب الحكومية الرفيعة سيما السفارات. ووصلت هذه الخلافات في فترة من الفترات إلى حد انتقد الرئيس التنفيذي بشدة رئيس الجمهورية وطريقة عمله خلال سنتين وعدم تنفيذه لمواد الاتفاقية السياسية التي تشكلت بموجبها حكومة الوحدة الوطنية.

نظرا لهذه الخلافات؛ في العام الأول من حكومة الوحدة الوطنية انتقد بعض المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى انتقدوا عمل الحكومة، كما أن بعضهم تركوا مناصبهم. منهم جيلاني بوبل رئيس الإدارة المستقلة للحكم المحلي، ورحمة الله نبيل رئيس المخابرات الأفغانية، ونورالحق علومي وزير الداخلية، ويوسف نورستاني رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات، وداود شاه صبا وزير المعادن، وميرزا خان رحيمي حاكم محافظة هلمند، وعمر سابي حاكم محافظة كندز، ومسؤولون آخرون.

من جهة أخرى؛ الخلافات والمشدات بين رئيس الجمهورية ونائبه الأول هي جانب آخر من الخلافات الداخلية. انتقد الجنرال دوستم الرئيس غني بشدة واتهمه بالعنصرية في بداية عام ۱۳۹٥هـ ش لأنه لم يحصل على حقه من الحكومة بشكل كاف، وقال أنه لم يحصل على صلاحيات النائب الأول في الحكومة حتى الآن.

أثناء هذه الخلافات؛ حدثت ما يسمى بقضية أحمد ايشتشي وسبب توسيع نطاق الخلافات الموجودة بين الرئيس ونائبه الأول. الجنرال دوستم المتهم في قضية أحمد ايشتشي بإيذائه الجنسي؛ دخل في ائتلاف مع حزبي الجمعية والوحدة في مدينة أنقرة التركية تحت مسمى “الائتلاف الكبير لإنقاذ أفغانستان” . هذا الائتلاف واجه الضعف بعد أن منع الجنرال دوستم من العودة إلى أفغانستان، ولم تحصل طائرته السماح بالهبوط في مطار بلخ. ولكن بعد فترة، عاد دوستم إلى البلاد عندما اعتقل أحد قادته في شمال البلاد قام الشعب أياما بمظاهرات كبيرة في بعض المحافظات شمالي البلاد.

بالإضافة إلى خلافات دوستم مع رئيس الجمهورية؛ كان هناك بعض المسؤولين المحليين أيضا على خلاف مع الحكومة المركزية. منهم؛ عطاء محمد نور حاكم ولاية بلخ الأسبق الذي كان يرى نفسه جزءا من حكومة الوحدة الوطنية ولم يكن يترك منصب حاكم الولاية، واعتزل عنه أخيرا نتيجة لبعض الاتفاقيات بعد مفاوضات طويلة مع القصر الرئاسي.

عموما؛ خلال السنوات الأربع من فترة حكومة الوحدة الوطنية؛ فإن الخلافات كانت شديدة بين مسؤولي الحكومة، والتي كانت تنحل عادة ما بعد فترة بوساطة أشخاص من الداخل أو مسؤولين من دول الخارج.

 

الخلافات بين البرلمان والحكومة

جانب آخر من الخلافات الداخلية في عهد الرئيس غني كان هو الخلاف بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. استمرار عمل الوزراء بشكل مؤقت في تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية من القضايا المهمة التي سببت الخلافات بين الحكومة والبرلمان. لأن البرلمان طلب من الحكومة مرارا وتكرارا تقديم وزراء جدد إليه لأخذ الثقة من مجلس النواب. لكن تقديم وزراء جدد أخذ وقتا طويلا في البداية، وقدمت الحكومة عددا من الوزراء أعطى البرلمان ثقته لأحد عشر منهم، إلا أن بعضا من الوزراء يعملون بشكل مؤقت بعد مضي أكثر من أربع سنوات من عمر الحكومة.

قضية أخرى التي أدت إلى خلافات شديدة بين الحكومة والبرلمان وأيضا بين أعضاء البرلمان أنفسهم؛ هي قضية إقامة لويا جيرغا وتعديل الدستور. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن توزيع بطاقات الهوية الإلكترونية أيضا من القضايا الخلافية الأخرى. رفض البرلمان مرسوم رئيس الجمهورية بهذا الشأن، ولكن أيده مجلس الشيوخ، وحصل على رأي الثقة من قبل اللجنة المشتركة من مجلسي البرلمان.

بلغ هذه الخلافات بعض الأحيان إلى حد وقف بعض أعضاء البرلمان الكبار في جهة مخالفة للحكومة تماما، وانتقدوا طريقة عمل حكومة الوحدة الوطنية في ائتلافات معارضة للحكومة.

 

الأسباب الأساسية للخلافات الداخلية

  • تشكيل حكومة ائتلافية: تشكلت حكومة الوحدة الوطنية بعد مشدات انتخابية على أساس توافق سياسي بين فريقين انتخابيين الذين كانت بنيتا كل فريق تعتمد المصالح الشخصية ولم تكن لها صورة طبيعية. ولذلك؛ عندما كانت مصالح أحد الطرفين تواجه إلى الخطر؛ كان يخالف الطرف الآخر، وظهرت هذه الخلافات في النهاية داخل كل فريق أيضا. على سبيل المثال، الخلافات بين عطا محمد نور وعبدالله عبدالله.
  • تضارب المصالح الشخصية: تضارب المصالح الشخصية للمسؤولين الحكوميين هو أحد العوامل للخلافات الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية في عهد الرئيس غني. حدثت الخلافات بين المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى عندما تعارضت مصالحهم الشخصية. كثير من الذين لهم مناصب حكومية لم يكن لديهم ما يستطيعون قوله خلافا للحكومة؛ ولكن عندما كانوا يعزلون عن مناصبهم؛ يتخذون موقفا معارضا لها، وكانوا ينتقدون عمل الحكومة، أو يشكلون ائتلافا سياسيا يترأسونه، أو يدخلون في أحد الائتلافات السياسية ضد الحكومة.
  • عدم تنفيذ التعهدات؛ أحد العوامل الأساسية للخلافات الداخلية في عهد الرئيس غني؛ هو عدم تنفيذ التعهدات التي شُدّد على العمل بها مرارا. في البداية، سيما في فترة الدعايات الانتخابية؛ تعهد كل فريق مع أعضائه بتنفیذ وعود، و واجه خلافات داخلية لعدم تنفيذه تلك الوعود. كما أن عدم تنفيذ اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية التي كانت بين الفريقين الانتخابيين كان هو السبب الآخر من أسباب الخلاف وعدم وجود الثقة بين الجانبين.

مع كل ذلك، يجب القول أن وجود الخلافات بين السياسيين أو المسؤولين الحكوميين في فترة رئاسة أشرف غني والتي اتهم بعضهم بعضا بالقومية والتمييز العنصري في بعض الأحيان؛ أثرت على الروح العام للشعب.

ازدادت الخلافات بين الشعب الأفغاني في بعض القضايا مثل (بطاقات الهوية الإلكترونية، وإقامة لويا جيرغا، وقضية تعديل الدستور) على أساس القومية والجهة (الجغرافيا) طيلة أربع سنوات الماضية، القضايا التي كان هناك خلاف بشأنها بين مسؤولي حكومة الوحدة الوطنية. وازدادت العصبية والتمييز، وبعدت الهوة وتعمقت بين الشعب يوما بعد يوم.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *