القصف على المدنيين.. الأهداف والعواقب

 

قامت القوات الجوية الأمريكية بإلقاء نحو ستة آلاف قذيفة على أرض أفغانستان هذا العام، مما يُعد الرقم الأكبر في السنوات العشر الأخيرة بحسب إفادة القوات الجوية الأمريكية نفسها.

مع تزايد القصف الجوي في الأشهر الأخيرة، لوحظ تصاعد في عدد الضحايا المدنيين بشكل غير مسبوق ا والذين سقطوا جراء القصف الجوي الأمريكي والأفغاني والهجمات الليلية. في الأسبوعين الماضيين فقط سقط عشرات الضحايا المدنيين بسبب القصف الجوي والهجمات الليلية التي شنتها القوات الأفغانية والأجنبية في ولايات هلمند و لوجر و بكتيا في أفغانستان.

أثارت حوادث مقتل الضحايا المدنيين ردات فعل شديدة من قبل مجلس النواب وعامة الشعب الأفغاني؛ ولكن دون أن يكون لصداهم أثر. صرح أعضاء من البرلمان الأفغاني بأن عدم مبالاة الحكومة الأفغانية تجاه حوادث قتل المدنيين الأفغان وصلت إلى أبعد الحدود وأن الهجمات الدامية الجوية والأرضية على المدنيين الأفغان من قِبل القوات الأفغانية والأجنبية مازالت مستمرة.

مع ذلك ولأول مرة خلال عقد ونصف، بلغت المحادثات التي تهدف للسلام في أفغانستان مرحلة مؤملة في الأشهر القليلة الماضية؛ ويبدو أنه يتم التضحية بالمدنيين بدرجة كبيرة بُغية فرض المزيد من الضغوط على طالبان.

نناقش في هذا المقال تصعيد القصف الجوي وعدم المبالاة تجاه أرواح المدنيين وعواقب الوضع الجاري في البلد.

 

ضحايا المدنيين

منذ 17 عاما، لم تكن أرواح المدنيين محل اهتمام الأطراف المتصارعة في الحرب الأفغانية، ومن ثم سقط – بالإضافة إلى ضحايا هذه الأطراف – آلاف الضحايا من بين المدنيين.

منذ قام مكتب هيئة دعم الأمم المتحدة لأفغانستان UNAMA برصد أعداد الضحايا في 2007، تم قتل وجرح 84246 مدنيٍ من الأطراف المتنازعة حتى نهاية عام 2017، وفقا لإحصائياتهم.

في عام 2014 وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تم توقيع الاتفاقية الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية لأجل الحفاظ على الأمن والصلح في أفغانستان؛ ولكن على عكس ما وُقعت من أجله الاتفاقية ازدادت حدة الحرب وتصاعد عدد الضحايا المدنيين. وفقا لمكتب UNAMA بلغ عدد الضحايا 10 ألف شخص في كل سنة منذ بداية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وبشكل عام كان وضع البلد يسوء بشكل مستمر كما حوّلت الحربُ الدامية أفغانستانَ إلى تنور مشتعل مؤذن بحلول فاجعة إنسانية.

المؤسسات المراقبة لوقوع الضحايا المدنيين تُلقي باللائمة على جماعات المعارضة المسلحة؛ إلا أنه بجانب المعارضة المسلحة تُعد القوات الأفغانية والأجنبية عناصر مهمة متسببة في سقوط الضحايا المدنيين، الأمر الذي يتم إغفاله في تقارير المؤسسات المُشار إليها آنفا. في السنوات الأخيرة الماضية لوحظ استهداف منازل المدنيين ومساجدهم ومدارسهم وجنائزهم ومناسباتهم وتجمعاتهم المختلفة من قبل هجمات قصف عمياء شنتها القوات الأجنبية بين الفينة والأخرى.

 

تصعيد القصف على المدنيين

بشكل عام، ازداد القصف في أفغانستان منذ الإعلان عن الاستراتيجية العسكرية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفغانستان وجنوب آسيا؛ وقد تم استهداف المدنيين بكثافة من قبل القوات الأجنبية المذكورة في الأسابيع الماضية.

في الأسبوع الماضي (2/ديسمبر/2018) سقط ثمانية قتلى بينهم نساء وأطفال وجُرح أربعة آخرون نتيجة عمليات عسكرية مشتركة بين القوات الأفغانية والأجنبية في ولاية بكتيا بأفغانستان. قبل ذلك تم استهداف المدنيين في قصف قامت به القوات الأفغانية والأجنبية في ولاية هلمند مما تسبب في سقوط 23 قتلى مدنيين بينهم نساء وأطفال كما صادق مكتب UNAMA على ذلك؛ وقد نشرت وكالات إخبارية دولية أن عدد الضحايا يصل إلى 30 شخص. في حادثة مماثلة سقط 15 مدني ضحايا لعمليات عسكرية مشتركة في ولايتي لوجر و غزنة.

يلعب القصف الجوي دورا بارزا ويُعد عنصرا هاما عندما يأتي الحديث على وقوع الضحايا في صفوف المدنيين، حيث تم إسقاط 5982 قذيفة من قبل القوات الأمريكية لسحق المعارضة المسلحة منذ مطلع عام 2018 وحتى نهاية أكتوبر/2018؛ إلا أنه لم ينتج من ذلك إلا تصعيد سخونة الحرب والمزيد من الإضرار بالمدنيين، ولم تبرز أي ثمار من هذه الضغوط العسكرية لأن هذه الطريقة أثبتت فشلها في السنين السبع عشرة الماضية، مما يتيح للناظر أن يعد الهجمات العسكرية مجرد تكرار لتجربة سابقة غير ناجحة.

بجانب القصف الجوي وهجمات القوات المعارضة المسلحة، تسببت تفجيرات وهجمات غامضة في وقوع الضحايا المدنيين. آخر نموذج من هذه الهجمات التفجير الدامي الذي وقع في احتفالٍ بالمولد النبوي الشريف في كابل والذي حصد أرواح عشرات المدنيين.

رغم ذلك يمكن القول بأن قلة المبالاة لأخلاقيات الحرب، والقصف الأعمى وإرهاب الشعب من قبل الجهات المتصارعة والضالعة في الحرب الأفغانية هي عوامل مهدت السبيل لارتفاع الضحايا في صفوف المدنيين.

 

آخر تطورات السلام والضحايا المدنيين

انبثقت جذوة أمل لدى الشعب الأفغاني بقرب انتهاء الحرب الأفغانية وسير البلد نحو الاستقرار بعد المحادثات المباشرة الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان.

إلا أنه يظهر أن الجانبان (الولايات المتحدة وطالبان) يعتزمان الضغط على بعضهما في ساحات الحرب خلال محادثات السلام لأجل كسب المزيد من الامتيازات وإظهار القوة للآخر؛ إلا أن هذا الاتجاه تسبب في الإضرار بالمدنيين.

في الفترة الأخيرة، صعّدت الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية قصفها وهجماتها الجوية على طالبان، وكردة فعل زادت طالبان هجماتها وتفجيراتها في الميدان وكان من آخر عملياتهم الهجوم على شركة G4S البريطانية والتي أودت بحياة عشرة أشخاص بينهم 4 أجنبيون، وجرح 27 آخرون. وقد ازداد عدد الضحايا المدنيين بشكل غير مسبوق مع تزايد هذه الضغوط وبشكل خاص صار يتم استهداف منازل المدنيين الأفغان بصورة مباشرة من قِبل الهجمات الجوية المشتركة التي تقوم بها القوات الأفغانية والقوات الأجنبية.

مع الأسف التزمت الحكومة الأفغانية الصمت دائما حيال الضحايا المدنيين الذين يسقطون جراء هجمات القوات الأفغانية والأجنبية ولم تتخذ أي خطوات للحد من ذلك رغم الامتعاض الشعبي الشديد من وقوع هؤلاء الضحايا. هذا المسار بإمكانه أن يزيد الفجوة بين الحكومة الأفغانية والشعب وقد يدفع ببعض الأفغان الغاضبين لحمل السلاح و الالتحاق بالقوات المعارضة للحكومة الأفغانية، وهو أمر عُد في السنوات الماضية من أهم أسباب تقوية القوات المسلحة المعارضة للحكومة الأفغانية.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *