زيارة خليل‌زاد الثالثة و محادثات السلام مع طالبان

 

يتولى زلمي خليل‌زاد قيادة مفاوضات السلام مع حركة طالبان كمندوب خاص لوزارة الخارجية الأمريكية، وأجرى مفاوضات مع مندوبي حركة طالبان لثلاثة أيام حول السلام في أفغانستان الأسبوع الماضي في الإمارات العربية المتحدة في زيارته الثالثة، وحضر المفاوضات مندوبون من دول باكستان والسعودية والإمارات العربية المتحدة.

مع أن الإعلام الغربي نقل عن مصادر من حركة طالبان تفضل عدم ذكر اسمها: “في جلسة الإمارات العربية المتحدة اقترحت أمريكا وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر، وفي المقابل اشترطت طالبان إنشاء حكومة مؤقتة يكون على رأسها من تقترحه الحركة، وتكون العملية بضمان من الدول السعودية والإمارات وباكستان”، إلا أن الحركة رفضت الحوار بشأن وقف إطلاق النار وإيجاد الحكومة المؤقتة.

وقيل أيضا أن الهيئة الحكومية الأفغانية المكونة من اثني عشر شخصا حضرت إلى الإمارات للتفاوض مع حركة طالبان وكانت مستعدة للتفاوض معهم، إلا أن الحركة رفضت التفاوض مع الحكومة.

المفاوضات بين طالبان وأمريكا وموقف الحكومة الأفغانية منها، زيارة زلمي خليل‌زاد الثالثة وآثار الجلسة الأخيرة بين أمريكا وطالبان في الإمارات العربية المتحدة؛ من المسائل التي نتطرق إليها في هذا التحليل.

 

مهمة خليل‌زاد وموقف الحكومة الأفغانية

بعد أن لم توفق جهود الحكومة الأفغانية لإحضار حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات، وعرفت أمريكا أن طالبان لن تقبل التفاوض مع الحكومة الأفغانية، وكذلك لاتستطيع أمريكا هزيمة طالبان في ميادين الحرب؛ قررت أمريكا التفاوض مع طالبان بشكل مباشر، واختار زلمي خليل‌زاد الدبلوماسي الأمريكي الخبير لإجراء هذه العملية، وخلق آمالا للوصول إلى السلام والاستقرار في أفغانستان.

زلمي خليل‌زاد ومنذ بداية مهمته الجديدة بدأ زياراته إلى خمس دول في المنطقة (أفغانستان، وباكستان، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة). وأثناء زيارته الأولى تحدث مع مسؤولي هذه الدول حول طرق الوصول إلى السلام والأمن في أفغاستان وطلب التعاون هذه الدول في عملية السلام الأفغاني.

أثناء زيارة خليل‌زاد الأولى تفاوض المندوبون من حركة طالبان وأمريكا في دولة قطر، وأدى لقاء قطر إلى لقاءات وحوارات أخرى أكثر. كما أن نتيجة لزيارة خليل‌زاد الأولى أطلق سراح الملا برادر وشخصين آخرين من حركة طالبان من السجون الباكستانية، كما أن خمسة آخرين من مسؤولي طالبان أطلق سراحهم من سجن غوانتامو من قبل وسمح لهم بالالتحاق إلى المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر والمشاركة في مفاوضات السلام.

على طريق الجهود الأمريكية للسلام مع طالبان؛ بعد الزيارة الأولى لخليل‌زاد بدأ زيارته الثانية إلى هذه الدول الخمس مرة أخرى. أثناء هذه الزيارة أجريت مفاوضات بين طالبان ومندوبين أمريكيين في قطر. ونشرت أخبار تتحدث عن مفاوضات بين طالبان ومندوبي أمريكا حول وقف إطلاق النار، وإقامة حكومة مؤقتة، وخروج القوات الأجنبية من أفغانستان، وإطلاق سراح معتقلي الحركة.

موقف ودور الحكومة الأفغانية في مهمة خليل‌زاد؛ هو أمر يضع مفاوضات السلام مع طالبان في هالة من الإبهام. الحكومة الأفغانية تؤكد دائما عدم السماح لأي طرف خارجي غير الحكومة الأفغانية باتخاذ قرار لتفاوض مع طالبان، ولكن من جهة أخرى ترفض الحركة أي تفاوض مع الحكومة الأفغانية.

حول الجهود الأمريكية الأخيرة للسلام مع طالبان، مع أن الحكومة الأفغانية تقول أن هذه الجهود تتم بالتنسيق معها، والهدف منها تسهيل مفاوضات السلام؛ ولكن يبدو أن الحكومة الأفغانية ترى نفسها منزوية، وتحس بأنها لا دور لها في هذه العملية. لذلك شكلت الهيئة المكونة من اثني عشر شخصا للتفاوض المباشر مع طالبان، ثم أعلنت عن فريق استشاري للسلام يشارك فيه جميع الأحزاب الجهادية والتيارات السياسية في أفغانستان.

 

زيارة خليل‌زاد الثالثة

زيارة خليل‌زاد الثالثة والتي بدأت في الثاني من ديسمبر من العام الميلادي الحالي كانت أوسع من زيارتيه السابقتين من أجل جهود المصالحة في أفغانستان. الزيارتان السابقتان لخليل‌زاد كانت إلى باكستان، والإمارات، والسعودية بالإضافة إلى أفغانستان، ولكن زيارته الثالثة تشمل ثماني دول (أفغانستان، وباكستان، والسعودية، والإمارات، وروسيا، وأوزبيكستان، وتركمنستان، وبلجيكا).

أثناء زيارة خليل‌زاد الثالثة إلى دول المنطقة وبالتزامن مع ذهابه إلى إسلام‌آباد أعلنت البي بي سي نقلا عن مصدر في حركة طالبان أن أعضاء من المكتب السياسي لطالبان في قطر أيضا سافروا إلى باكستان وتحدثوا هناك مع قيادة الحركة بشأن مفاوضات السلام مع أمريكا.

قابل خليل‌زاد أثناء زيارته إلى باكستان رئيس الوزراء عمران خان، و وزير الخارجية شاه محمود قرشي، وتحدث معهما حول تحقيق المصالحة مع حركة طالبان. سافر خليل‌زاد بعد ذلك إلى كابل، ثم اتجه إلى موسكو بعد لقاءات له مع المسؤولي لحكومة الوحدة الوطنية، وفي لقاءات له مع المسؤولين الروس بحث قضية توسيع التعاون الروسي الأمريكي لإحياء المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وفي لقاءاته مع الإعلام وصف زيارته هذه بأنها جيدة. أثناء زيارته هذه ذهب إلى أوزبيكستان، ثم تفاوض مع طالبان في الإمارات العربية المتحدة وبحضور مندوبين من دول باكستان والسعودية والإمارات نفسها.

عموما؛ فإن زيارة خليل‌زاد لدول المنطقة والتي تمت من أجل المصالحة مع طالبان؛ تتعزز الآمال في الحصول على اتفاق لإنهاء حرب طالبان في أفغانستان، والمهم أن المفاوضات ستستمر، واستمرار هذه المفاوضات ستكون لها نتائج إيجابية في النهاية.

 

الجلسة الأخيرة في الإمارات العربية المتحدة

الجلسة الأخيرة بين أمريكا وطالبان في الإمارات العربية المتحدة والتي استمرت لثلاثة أيام وبحضور من مندوبي دول باكستان والسعودية والإمارات؛ تعتبر خطوة مهمة على طريق التوصل إلى السلام، وإن كانت التفاصيل الدقيقة لهذه الجلسة غير معروفة حتى الآن؛ إلا أن وكالة رويترز قالت أن بعد اقتراح أمريكا لطالبان وقف إطلاق النار لستة أشهر في هذه الجلسة اشترط مندوبو طالبان أمرين: الأول تشكيل إدارة مؤقتة يكون على رأسها من يقترحه طالبان، والثاني أن تتحمل دول باكستان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مسؤولية إعطاء جميع الضمانات لهذه العملية، لكن الحركة نشرت بيانا أنكرت فيها البحث حول هذه الموضوعات في جلسة أبوظبي، وقالت أن في هذه المفاوضات تم الحديث بشأن إنهاء الحضور الأمريكي في أفغانستان، وإطلاق سراح معتقلي الحركة، وخسائر المدنيين الأفغان في الهجمات الجوية للقوات المسلحة الأفغانية والأجنبية، ولم يتم البحث حول وقف إطلاق النار والانتخابات أو الحكومة المؤقتة. الحضور الأمريكي في أفغانستان أمر تراه طالبان أهم سبب للحرب في البلاد.

المفاوضات وجهود المصالحة الأفغانية اشتدت أكثر والآمال بإيجاد حل سياسي للحرب تعززت من أي وقت مضى. لهذه الملحوظة؛ المفاوضات الأخيرة تعزز الآمال نظرا للنقاط التالية:

الأولى: الاقتناع الأمريكي بأن الحرب والضغوط العسكرية ليست حلا للقضية الأفغانية، وبدء المفاوضات حول السلام الأفغاني بين طالبان والولايات المتحدة وأيضا استمرار هذه المفاوضات نفسها هي إحدى النقاط الإيجابية لنجاح هذه العملية والحصول على نتيجة إيجابية، لأن أطراف النزاع سيما أمريكا حاولت طوال ۱۷ عاما الحصول على الفوز عن طريق الحرب والضغوط العسكرية؛ إلا أنها لم تحصل على نتيجة سوى إشعال نار الحرب أكثر وأكثر.

الثاني: التعاون الصادق لدول المنطقة سيما باكستان هو أحد أهم الأمور للتوصل إلى المصالحة في أفغانستان. مع أن هناك جهودا تبذل منذ سنوات لجذب تعاون دول المنطقة؛ ولكن بعد بدء مهمة خليل‌زاد والقرار الأمريكي بالقيام بمفاوضات السلام مع طالبان اشتدت الجهود لجذب تعاون دول المنطقة حول كيفية إيجاد طرق الحلول للسلام في أفغانستان. حاولت أمريكا الضغط على باكستان لتتعاون صادقة لإحضار طالبان على طاولة المفاوضات، والإجراءات الباكستانية الأخيرة (إطلاق سراح معتقلي طالبان وحسن ظن عمران خان فيما يتعلق باستقرار السلام في أفغانستان) يعزز الآمال على هذا الطريق.

روسيا هي الأخرى من دول المنطقة المهمة التي تريد الولايات المتحدة أن تجذب تعاونها في عملية السلام الأفغانية. زيارة خليل‌زاد الأخيرة لروسيا والجلسة الأخيرة في روسيا حول السلام في أفغانستان والتي شارك فيها مندوبون من ۱۲ دولة تعقد عليها الآمال. كما أن السعودية هي الأخرى من الدول التي يمكن أن تكون لها تأثيرا على باكستان. (أقرضت السعودية باكستان أخيرا بضعة مليارات من الدولارات، وباكستان تعمل دور وسيط في القضية اليمنية بين السعودية واليمن، كما أن السعودية من الدول التي كانت قد اعترفت بنظام طالبان). والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وأوزبيكستان، وتركمنستان، وبلجيكا من الدول التي تبذل الجهود لجذب تعاونها مع عملية المصالحة، والتعاون الصادق لهذه الدول على طريق التوصل إلى المصالحة في أفغانستان يمكن أن يكون له دور مهم بلا شك.

بجانب ذلك؛ الأمر الذي تشدد الحركة عليه دائما هو إبعاد الحكومة الأفغانية عن مفاوضات السلام، الأمر الذي واجه مصير هذه المفاوضات إلى نوع من الإبهام. مع أن مندوب طالبان قال للإعلام في لقاء له على جانب مؤتمر موسكو قال: قضية خروج القوات الأجنبية من أفغانستان هو أحد أهم شروطهم، وعندما تنحل هذه القضية؛ فإنهم سيتفقون مع الأطراف الأفغانية، ولكن رفض طالبان الجلوس مع الهيئة الأفغانية في المفاوضات الأخيرة بين أمريكا وطالبان قضية تحتاج إلى البحث.

الحرب المستمرة في أفغانستان فيها ثلاثة أطراف مهمة: أمريكا، وطالبان، والحكومة الأفغانية. ولذلك؛ هناك حاجة إلى مشاركة الأطرف الثلاثة جميعها في مفاوضات السلام حتى يتم التوصل إلى حل واحد متفق عليه لإنهاء الحرب.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *