مجموعات الميليشيا.. أزمة أم حل؟

على أعقاب انتشار الاضطرابات الأمنية في شمال أفغانستان، أظهر المسؤولون الأفغان رغبة في إحداث مجموعات من الميليشيات المحلية.

وصرّح عمر صافي محافظ ولاية كندز، بأن قوة مكونة من ألف شخص تم إحداثه بالفعل في هذه الولاية وذلك للقتال ضد معارضي الحكومة المسلحين.

سؤال يُطرح الآن. هل يمكن استغلال الميليشيا في إحلال السلام في البلد؟ وأهم من ذلك، هل يمكن للحكومة أن تملك زمام القرار في هذه المجموعات؟ ومن يضمن أنها لا تصبح عائقا في طريق الأمن؟

إن تجربة الحكومة الشيوعية خير دليل على ذلك، فحينها تم استخدام الميليشيا عندما يأست الحكومة عن قدرات قواتها. فهل دخلت أفغانستان في تلك المرحلة مرة أخرى.

الجنرال بتريوس وصناعة الميليشيا

عندما تم تعيين الجنرال دفيد بتريوس مكان الجنرال مك كريستال عام 2010، ليكون قائد القوات الدولية في أفغانستان، بدأ العمل في مشروع صناعة الميليشيا في مكافحة طالبان، وذلك بالنظر إلى تجربة العراق. إن خطته هذه في العراق وبمساعدة القبائل السنية سببت تضعيفا لتنظيم القاعدة، إلا أنه لم ينتبه أن الأوضاع في أفغانستان غير الأوضاع العراقية. إن أفغانستان قد جرّبت هذه الخطة، ورأت منها نتائج غير مرضية، ومنها اندلاع حرب أهلية في البلد.

برنامج ضد DDR

بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان وسقوط حكم طالبان، تم إعمال برنامج “دي دي آر” في البلد، وتضمن هذا البرنامج نزع السلاح ووضع المجموعات المسلحة في مرحلة ما بعد الحرب وفي مجالات مدنية.

وبدأ البرنامج في أفغانستان عام 2001م، برعاية من الأمم المتحدة وكانت اليابان أكبر دولة داعمة له بمنح مئات الملايين من الدولار.

وعلى أساس هذا البرنامج تم نزع السلاح من الأفراد غير المسؤولين وقوات الميليشيا، لأن مسؤولية الدفاع والأمن كانت على وشلك أن تُسلم للجيش والشرطة، ولم يكن بدا من حل أي تشكيلة خارج نطاق الجيش والشرطة. وفي نفس الوقت كان على أصحاب القوى المحليين والذين كانوا يعرقلون سيطرة الحكومة المركزية أن يطيعوا الحكومة.

ولكن، منذ البداية كان واضحا بأن هذه الخطة احتوت على مشاكل كثيرة. لأن الأسلحة التي تم نزعها كانت مستهلكة وغير مؤهلة للاستعمال.

بعد ذلك تم إعمال برنامج آخر بعنوان “داياج”، وكان يهدف أيضا إلى نزع الأسلحة من الأيادي غير المسؤولة، إلا أن قدر البرنامج الثاني كان مشابها بالأول.

صناعة الميليشيا على أساس القوم

في حال رغبة الحكومة بصناعة الميليشيا لا يمكنها فعل ذلك بدوافع وطنية عامة شاملة. كل قائد في الميليشيا يختار أفراده من قومه، فإنه لا يعتمد على غيرهم. ولا ينبغي في نفس الوقت نسيان المشاكل القومية في الولايات. لذلك عندما ينضم عدد من أفراد قبيلة ما إلى الميليشيا، فإن قبيلة أخرى تشعر بالخطر وحتى تضطر للذهاب إلى معارضي الحكومة المسلحين.

تجربة الميليشيا في الولايات

إن الحكومة تعنيها فقط أن يتم الدفاع عن جزء من الأرض أمام القوات المعارضة، إلا أن هذا الدفاع بدلا من أين ينفع الحكومة يسبب خسارة وضفعا لها.

ولاية كندز خير دليل على ذلك، إذ يتحدث حاكمها عن صناعة ألف من الميليشيا. وتوجد في الولاية منذ بضع سنوات قوات مسلحة باسم الميليشيا وقد سببوا ضيقا وحرجا للشعب. وإن هذه القوات بذريعة أن الحكومة لا تدفع لهم رواتب يستخدمون القوة في أخذ الأموال من الناس. وحتى المؤسسات الدولية أيضا نشرت تقارير تفيد بأن هذه القوات آذت الناس، وعذّبتهم حتى وقتلت منهم.

عام 2012م، حدث في ولاية كندز ما أعجز الحاكم عن تقديم أي تفسير. ففي نهاية شهر مارس، قام عدد من المسلحين بعد أن قتلت عناصر حركة طالبان واحدا منهم في قرية “لوي كليم”، قاموا بقتل أكثر من عشرة أفراد فيهم نساء وأطفال.

وفي رد للاعتراضات الشعبية، قال حاكم الولاية بأن هذه القوات لا علاقة لها مع الحكومة واعتبرهم مسلحين غير مسؤولين يقاتلون طالبان. وكان ذلك أول مرة تفشى فيها أمر تواجد قوات مسلحة غير الشرطة والجيش وحتى الميليشيا وهم يقاتلون طالبان!

سؤال يطرح نفسه بقوة. إذا لم تكن هذه القوات للحكومة فمن أين يأتي سلاحها؟ ومن أين يأتي دخلها وما تصرف؟

النتيجة

إن صناعة الميليشيا من أجل إحلال الأمن يمكن أن يؤثر إذا ما كانت هذه القوات تحت سيطرة مباشرة من الشرطة الوطنية، وأن لا تخرج من إطار السيطرة، إلا أنه عمل شاق بالفعل.

وقوات الميليشيا في أفغانستان عموما تتبع شخصا ذا قوة، وغالبا ما يكون هؤلاء الأفراد أصحاب خلفيات غير جيدة. إن هذه القوات لا تقبل ما يحدده الانخراط ضمن صفوف الشرطة الوطنية، وكلما وفره القائد من حرية كان الولاء به أكبر، وهذه الحرية تجعل منهم مصدر إزعاج للشعب.

واتهمت لجنة حقوق الإنسان في أفغانستان الميليشيا بعدم رعاية حقوق الإنسان، واعتبرتها أيضا عامل 80% من العنف ضد النساء والأطفال. وصرّح مسؤول في اللجنة إلى وسائل الإعلام إن تحقيقاتنا تدل بأن الميليشيا نقضوا حقوق الإنسان بأذى الشعب، واغتصاب النساء والأطفال.

إن تسمية هذه القوات بالمجموعات المسلحة أو الميليشيا أو الشرطة المحلية لا تغيّر شيئا من محتواها. إن ما يهم هو ما تقوم به هذه القوات، وأن الحكومة لا تملك القرار فيها كثيرا، والأسواء في الأمر تواجد قوات مسلحة في أرجاء البلد خارجة عن سيطرة الحكومة، وتغض الحكومة الطرف عنها لعدائها مع طالبان فقط.

فهل أصبحت الحكومة في حالة يأس من استطاعة قواتها الأمنية في إحلال الأمن والسلام في البلد، حتى تتوسل إلى مجموعات الميليشيا.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *