لمَ يفكر ترامب في خروج القوات الأمريكية من أفغانستان؟

 

مضت قرابة ثلاثة أشهر على المحادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان. في سلسلة هذه المحادثات عقد مندوبو الطرفين قبل أيام قليلة لقاءً دام لثلاثة أيام في الإمارات العربية المتحدة. رغم أنه لم يتم الإفصاح عما تم ذكره في تلك اللقاءات إلا أن طالبان صرحوا في بيان لهم أنهم ناقشوا الجانب الأمريكي حول إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان.

في الأسبوع الماضي وعلى إثر المحادثات (القطرية – الأمريكية) المنعقدة في أبوظبي نشرت صحيفتا رويترز و New York Times تقارير تفيد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينوي سحب ٧ آلاف جندي أمريكي من أفغانستان، ويبدو أن العدد المذكور سيتم سحبهم في الأشهر الأولى من عام ٢٠١٩.

كان لهذه التقارير أصداء وردات فعل محلية ودولية، لذا نناقش في الجزء الأول من تحليل الأسبوع الدوافع التي جعلت ترامب يفكر في سحب نصف قوات بلده من أفغانستان، كما سنسلط الضوء على الحرب الأمريكية في أفغانستان والتي دامت ١٧ سنة، والآثار التي سيخلّفها انسحاب ٧ آلاف جندي أمريكي من أفغانستان.

الحرب الأمريكية في أفغانستان

هجمت الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان وأرسلت عشرات الآلاف من قواتها إلى البلد بعد هجوم أربعة طائرات مختطفة من خطوط United و American على مدينتي نيويورك و واشنطن في الحادي عشر من سبتمبر/٢٠٠١ والذي خلّف ٣ آلاف قتيل.

مضت قرابة ١٧ سنة على الاجتياح الأمريكي لأفغانستان؛ إلا أن الحرب مازالت تأخذ أرواح الشعب الأفغاني بشكل يومي. القوات الأمريكية والقوات الدولية الأخرى عجزت عن إخماد الحرب في أفغانستان، بل ازدادت ضراوة الحرب واتسعت رقعتها في أفغانستان بتواجد هذه القوات.

في هذه الحرب التي دامت لـ ١٧ سنة سقط عدد ٣٥٥٩ قتيل من القوات الأجنبية، بينهم ٢٤١٧ جندي أمريكي وفقا لإحصائية موقع icasualties بالإضافة إلى ذلك سقط آلاف الجرحى من القوات الأجنبية في الحرب الأفغانية، وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان في هذه الحرب، وحسب هيئة الأمم المتحدة فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين الأفغان في السنين الأربع الأخيرة ٤٠ ألفا.

من جانب آخر، بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان تم تأسيس نظام جديد للبلد بإدارة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. على أية حال، مضت ١٧ سنة ومازالت أفغانستان تفتقد إلى حكومة مركزية قوية حيث أنها لا تملك السيطرة على جميع المناطق الداخلة في نطاقها، ولذا احتلت أفغانستان المركز الرابع في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.

على الرغم من ذلك، تقاطرت مليارات الدولارات على أفغانستان بعد مقدم القوات الدولية للبلد، إلا أن هذه المبالغ تبددت حيث يعيش ٤٠ في المئة من الشعب الأفغاني تحت خط الفقر، كما أن هناك مليوني مواطن أفغاني عاطلون عن العمل مع الكفاءة.

 

دونالد ترامب والحرب الأفغانية

تُعد الحرب الأمريكية الراهنة أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. معظم سكان الولايات المتحدة وخصوصا المواطنون الأمريكيون يخالفون فكرة استمرار الحرب الأمريكية ولا يريدون أن تنخرط بلادهم في حروب مع دول العالم. من هنا كان هدف إنهاء الحرب في أفغانستان شعارا انتخابيا مؤثرا للقادة السياسيين الأمريكيين.

خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية المنعقدة عام ٢٠٠٩، استطاع باراك أوباما الوصول إلى سدة الحكم بتأثير شعاراته التي أكدت على إنهاء الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق. أعلن أوباما في عام ٢٠٠٩ سياسته العسكرية في أفغانستان والتي تضمنت – بالإضافة إلى زيادة عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان – جدول انسحاب القوات الأمريكية أيضا.

الرئيس ترامب والذي كان ناقدا لسياسات بلاده تجاه أفغانستان أكد قبل وصوله للرئاسة على أهمية إنهاء الحرب الأمريكية في أفغانستان. إلا أنه بعد اعتلائه كرسي الحكم أعلن عن سياسته العسكرية في أفغانستان وجنوب آسيا – بعد تأخير استمر لثمانية أشهر – وقد تضمنت هذه السياسة مثل السياسات الأمريكية الأخرى اعتزام استمرار الحرب في أفغانستان، وقد تم إقناع ترامب بذلك من قبل كبار الجنرالات، إلا أنهم بعد مرور فترة من الزمن أدركوا خطورة المأزق الذي ستمر به بلادهم في حال استمرار الحرب في أفغانستان ومن ثم أقروا بعجزهم عن الانتصار عسكريا في أفغانستان.

بالنسبة للمرشحين للرئاسة الأمريكية يُعد إنهاء الحروب والتدخلات العسكرية لقواتهم في البلدان الأخرى عنصرا مهما لجلب تأييد عامة الشعب الأمريكي، وبناء على ذلك يعتزم ترامب الفوز في الانتخابات مرة أخرى، حيث أعلن أولا عن سحب القوات الأمريكية من سوريا ثم نُشرت تقارير تفيد اعتزامه سحب ٧٠٠٠ جندي أمريكي من الحرب الجارية في أفغانستان.

بغض النظر عن السياسات الأمريكية الداخلية، هناك تحليلات تفيد أن اعتزام سحب القوات الأمريكية إنما صدر على خلفية محادثات السلام الأخيرة بين الولايات المتحدة وطالبان. يُقال أيضا أن القرار الأمريكي المعتزم يأتي في سياق خلق أجواء من الثقة ومن ثم قد تُعلن طالبان عن وقف إطلاق النار بشكل مؤقت.

في النهاية، يُعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت عشرات الآلاف من جنودها إلى أفغانستان خلال السنين الـ ١٧ الماضية، ولم تنته الحرب في أفغانستان بل ازدادت الأوضاع في البلد سوءا يوما بعد يوم. أقرت الولايات المتحدة مؤخرا بأن أفغانستان وصلت إلى مأزق صعب وأنه لا يمكن حل مشكلة أفغانستان بالطرق العسكرية، ولذا تسعى حاليا إلى إنهاء الحرب عبر محادثات السلام.

 

النتائج

منذ دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان قبل ١٧ عاما، لم تر أفغانستان سوى الحرب والدمار. جميع المواطنون الأفغان يئنون تحت وطأة الحرب ويتمنون إنهاءها بأي قيمة. بات الشعب الأفغاني يطمئن إلى أي مبادرة نحو السلام مهما كانت صغيرة ويضع الآمال على هذه المبادرات، لذا يُعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان مطلبا مهما لكل مواطن أفغاني.

الخروج الاحتمالي للقوات الأجنبية والأمريكية من أفغانستان له آثار إيجابية لا تُحصر إلا أن ذلك يتضمن جوانب سلبية وسيرتبط ظهورها بمدى الحنكة السياسية لدى الأفغان.

دخلت حرکة طالبان في حرب مع القوات الأجنبية منذ ١٧ عاما، كما أن الحرکة حصرت محادثات السلام على موضوع خروج القوات الأجنبية من أفغانستان. انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان يُزيح أكبر عائق من عوائق السلام ويولّد الآمال بحلول السلام في البلد، كما أن الانسحاب المذكور سيزيل أسباب القتال بين الأطراف المسلحة وسيضع نهاية للمآسي الدامية التي يمر بها الشعب، أو يجعلها تتضاءل إلى حد كبير.

علاوة على ذلك، التواجد العسكري الأجنبي في أفغانستان يضع علامات استفهام على سيادة وحسم الحكومة الأفغانية. ادت التدخلات العسكرية الأجنبية إلى صراعات داخل الحكومة الأفغانية، كما خسرت معظم المبادرات الصادقة قيمتها بسبب التدخلات المشار إليها، وانتهى الوضع إلى زيادة التعصبات والعنصرية في صفوف الشعب الأفغاني تحت مسميات ودعاوي مختلفة.

من جانب آخر أدى تواجد قوات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أفغانستان إلى إيجاد مخاوف لدى الدول المجاورة لأفغانستان ومن ثم صارت هذه الدول تتدخل في البلد لتحمي نفسها ولتخلق المزيد من الفوضى في أمام  الولايات المتحدة وحلفائها، إلا أن الشعب الأفغاني هو من يتحمل الخسائر الكبرى.

بالإضافة إلى الآثار الإيجابية لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان، يعد وجود عناصر وتكتلات في أفغانستان تريد استمرار الحرب لمصالحها أمرا مقلقا للغاية. مثل هذه الفئات ستسعى جاهدة لوضع حواجز على طريق السلام إلا أنه على مسؤولي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان أن يتسموا بالحنكة الكافية ويرجّحوا سياسات تنصب في صالح الشعب وتؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وتمهد السبيل نحو تشكيل حكومة أفغانية قوية تشمل جميع مكونات الشعب حتى لا تتكرر المأساة التي وقعت بعد انسحاب القوات الشيوعية من أفغانستان.

النهاية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *