مباحثات موسكو.. هل سيبدأ الحوار بين الأفغان؟

 

قبل عدة أيام (في ۱٦ و۱۷ من شهر دلو من عام ۱۳۹۷هـ ش) أقيمت جلسة مباحثات حول السلام في أفغانستان لمدة يومين بين طالبان وعدد من السياسيين الأفغان، وقادة الجهاد ومسؤولين حكوميين سابقين، وأصدر بيان مشترك من قبل المشاركين في نهاية الجلسة.

حول مباحثات موسكو يعتقد كثير من السياسيين أن مثل هذه المباحثات يمهد الطريق أمام حل الخلافات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، كما أنها تلعب دورا مهما في المصالحة بين الأفغان؛ لكن الحكومة الأفغانية انتقدت هذه الجلسة وقالت أن مثل هذه الجلسات ليست لديها أي سلطة تنفيذية.

مع استمرار الحوار المباشر بين الأمريكيين وطالبان، ومعارضة حكومة الوحدة الوطنية لجلسة موسكو بين طالبان والسياسيين الأفغان ازدادت الشكوك في نية الحكومة بشأن السلام؛ ولكن من جانب آخر فإن مطالبة الحكومة بإقامة مجلس الشورى العالي (لويا جيرغا) في الشهر القادم زادت الأمل في إنجاح مفاوضات السلام الجارية.

مفاوضات السلام بين طالبان والسياسيين الأفغان في موسكو، وإلى أين تتجه عملية السلام بين الأفغان؟ نتحدث عن الأمرين في هذا التحليل.

 

مباحثات موسكو

مباحثات موسكو التي استمرت لمدة يومين، شارك فيها الرئيس السابق حامد كرزي، ومستشار الأمن القومي الأسبق والمرشح للانتخابات الرئاسية القادمة حنيف أتمر، ومحمد يونس قانوني، وملا عبدالسلام ضعيف، ومحمد إسمعيل خان، ووكيل أحمد متوكل، ومحمد محقق، وعطاء محمد نور وعدد من السياسيين وعلماء الدين ووجهاء الأقوام، وممثلين من حركة طالبان برئاسة عباس استانكزي. استمرت الجلسة لمدة يومين، وفي نهاية الجلسة صدر بيان في عشر مواد اتفق فيها جميع المشاركين على الأمور الآتية:

الأول: يعتقد جميع المشاركين أن الحوار بين الأطراف الأفغانية يمكن أن ينتج عنه السلام الدائم مع حفظ كرامة الشعب الأفغاني.

الثاني: مثل هذه الجلسات والمباحثات ضرورة ملحة لإحلال السلام في أفغانستان، ويجب أن تستمر.

الثالث: المفاوضات الجارية في قطر من أجل السلام يجب تأييدها والاستمرار فيها.

الرابع: في حال إحلال السلام في أفغانستان يجب إجراء الإصلاحات اللازمة في مؤسسات الأمن والدفاع وغيرها من المؤسسات الوطنية مع الحفاظ عليها.

الخامس: تعاون دول المنطقة والدول الكبرى يعتبر ضرورة ملحة لإحلال السلام والاستقرار الدائم في أفغانستان.

السادس: تم التأكيد على رعاية الأصول الأساسية للإسلام في جميع شؤون الدولة، كما تم التأكيد على اعتبار أفغانستان بيتا لجميع الأفغان، وعلى إقامة حكومة إسلامية مركزية شاملة في أفغانسان، وإقامة العدل والوحدة الوطنية، وحيادية أفغانستان في الصراعات الدولية وصراعات المنطقة.

السابع: خروج القوات الأجنبية من البلاد بشكل كامل، والتأكيد على عدم تدخل الدول الأجنبية في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وطمأنة المجتمع الدولي على أنه لن يواجه أي تهديد من قبل أفغانستان، حرية التعبير وحق التعليم والحقوق السياسية والاقتصادية والفعاليات الاجتماعية؛ كل ذلك يجب ضمانه، كما يتم جلب المساعدات الدولية لتنمية البلاد وإعادة إعمارها.

الثامن: بذل الجهود لبناء الثقة بواسطة الإفراج عن الأسرى كبار السن والمرضى والذين أنهو مدة سجنهم أو بقي قليل منها. وإزالة أسماء قادة طالبان من القائمة السوداء للأمم المتحدة وفتح مكتب رسمي لهم في العاصمة القطرية الدوحة.

التاسع: إقامة جلسة مباحثات أخری للأطراف الأفغانیة في العاصمة القطریة الدوحة في المستقبل القریب.

 

المواقف تجاه جلسة موسکو

کانت هناك مواقف مختلفة تجاه جلسة موسکو؛ الحکومة الأفغانیة انتقدتها وقالت أن مثل هذه الجلسات یمکن أن تعتبر بحثا علمیا ولن تکون لها نتائج عملية تنفيذية. کما یقال أن الحکومة الأفغانیة قدمت شکوی رسمیة إلی منظمة الأمم المتحدة لمشارکة ممثلین من حرکة طالبان في هذه الجلسة علی أن هناك في قطر مسؤولون من حرکة طالبان أسماءهم مدرجة في القائمة السوداء للأمم المتحدة ولایستطیعون السفر بحریة. من جهة أخری من المشارکین في هذه الجلسات أبدی الرئیس السابق حامد کرزي تفاؤله بشأنها وقال للمراسلین أن: «السلام هو إرادة الشعب الأفغاني وتم التأکید في هذه الجلسة علی إحلال السلام في أفغانستان». کما أن حنیف أتمر المرشح في الانتخابات القادمة ومستشار الأمن القومي السابق قال: «طالبان لم یکونوا مستعدین علی التفاوض المباشر مع الحکومة الأفغانیة، ولکن تم التأکید في البیان المشترك الصادر من قبل المشارکین في هذه الجلسة علی الحوار بین الأفغان».

قال وزیر الخارجیة الروسي أن حکومته لیست هي التي قامت بتنظیم هذه الجلسة، ولکن هناك أطرافا تعتقد أن إقامة الجلسات في موسکو مظهر من مظاهر الحرب الباردة القائمة بالفعل بین أمریکا وروسیا، وترید موسکو تنمیة نفوذها في أفغانستان من خلال هذه الجلسات أکثر فأکثر. وأثناء مباحثات موسکو أقیمت تظاهرات ضدها في بعض المحافظات ورفع الشعب شعارات ضد روسیا.

 

الحوار بین الأفغان من أجل السلام

هناك جهود تبذل منذ حوالي عقد من الزمان لإنهاء الحرب في أفغانستان عن طریق الحوار بین الأفغان، وتم تسریع هذه الجهود مع تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة. وفي هذه الفترة اشتدت الضغوط علی طالبان بطرق مختلفة علی مستوی دول المنطقة والعالم لتضطر الحرکة علی الجلوس علی طاولة المفاوضات المباشرة مع الحکومة الأفغانیة؛ ولکن هذه الجهود لم یکن لها أي أثر یذکر.

کانت طالبان تشدد علی الحوار مع الأمریکیین بشکل مباشر حتی أحس الأمریکان ضرورة التفاوض المباشر مع طالبان. وبعد أربعة أشهر عینوا زلمي خلیل‌زاد مندوبا لهم للتفاوض مع الحرکة. في أربعة أشهر الماضیة تفاوض خلیل‌زاد أربع مرات بشکل رسمي مع ممثلین من الحرکة؛ لکن المشکلة الکبیرة في هذه العملیة المسماة بعملیة السلام هي أن الحکومة الأفغانیة لا حق لها في المشارکة فیها.

مع أن الجلسة المشترکة بین طالبان والسیاسیین الأفغان کخطوة أولیة علی طریق الحوار بین الأفغان وإنهاء الحرب الجاریة کانت فرصة سانحة؛ ولکن یبدو أن هناك فرقا بین مفهوم الحوار بین الأفغان وتعریف کل من طالبان والحکومة الأفغانیة لهذا المفهوم، وهذا الفرق هو الذي أحدث نوعا من الانسداد في مفاوضات السلام.

تری طالبان أن المصالحة بین الأفغان هي الحوار بین مختلف الأطراف السیاسیة والقادة في أفغانستان؛ وهذا یعني أنهم لایقبلون النظام الحالي کحکومة والذي علی رأسه الرئیس أشرف غني. وبهذا الشأن قال زلمي خلیل‌زاد في مقابلة تلفزیونیة قبل فترة أن طالبان لاترید التفاوض مع مسؤولي حکومة الوحدة الوطنیة، لأنهم لا يقبلون مشروعية الحكومة، ومن جانب آخر يقولون أن هذا في صالح مرشح خاص وهو الرئیس غني. من جهة أخری فإن الحکومة الأفغانیة لدیها مفهوم آخر للحوار بین الأفغان وتقول أن علی طالبان قبول الحکومة الحالیة والتفاوض معها.

 

النتیجة

المباحثات بین طالبان والساسة الأفغان في موسکو حول السلام في أفغانستان والتي استمرت لیومین لا سابقة لها في ۱۸ عاما الماضیة. لأن الأطراف المختلفة جلست علی طاولة واحدة للحوار بهدف إنهاء الحرب المستمرة في أفغانستان، وأصدرت بیانا مشترکا تبذل بموجبه الجهود لإنهاء الحرب الحالیة عن طریق التفاوض.

المفاوضات المباشرة بین طالبان والولایات المتحدة من أجل السلام في أفغانستان والاتفاق بین الجانبین علی إطار عام للتفاوض، والجلوس بین طالبان والساسة الأفغان لأول مرة، وإبداء المشارکین رضاهم عن هذه المفاوضات وتأکیدهم علی استمرارها، والمطالبة بتدویر المجلس العالي للتشاور (لويا جيرغا) بشأن السلام؛ کل ذلك من الأمور التي یمکن أن تعقد الآمال بها للتوصل إلی السلام في أفغانستان.

المواد التی تم الاتفاق علیها في بيان جلسة موسکو، إذا تم تنفیذها في المستقبل؛ فإنه یمکن للأفغان النجاح في إنهاء الحرب الحالیة. کما أننا نستطیع أن نعتبر التفاوض بین الحکومة الأفغانیة وطالبان ما یمکن إیجاد حل له في مجلس الشوری العالي للسلام مثل مباحثات موسکو وإنهاء المأزق الموجود.

انتهی

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *