عملية المصالحة في أفغانستان والحاجة إلى المفاوضات المباشرة بين الأطراف الأفغانية

 

بعد اللقاء الخامس في سلسلة المحادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، سافر زلمي خليلزاد إلى كابل قبل أيام ليناقش مسؤولي الحكومة الأفغانية والساسة الأفغان حيال عملية السلام. التقى خليلزاد بعدد من المسؤولين الحكوميين، والساسة وقادة الجهاد وممثلات المجتمع النسوي والشباب والناشطين المدنيين.

في جولته إلى أفغانستان، تحدث خليلزاد مع وكالة بي بي سي الإخبارية وقال: “المراحل الخمس الأولى من مفاوضات السلام الجارية حيال الصلح الأفغاني كانت مرتبطة بطالبان والولايات المتحدة فقط، وأي مرحلة أخرى سيتم التفاوض حيالها في حضور الحكومة الأفغانية. ينبغي طرح خطة تصل من خلالها الأطراف الدخيلة إلى اتفاق ويتم إعلان وقف إطلاق النار”.

يؤكد زلمي خليلزاد على المفاوضات بين الأطراف الأفغانية في وقت أُعلن فيه عن الموعد الثاني للمحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية التي ستنعقد في الرابع عشر والخامس عشر من شهر أبريل للعام الجاري، عقب مؤتمر موسكو. من جانب آخر، بدأ الرئيس غني محادثات مع بعض الساسة الأفغان البارزين – منهم الرئيس الأفغاني السابق- وقادة الجهاد الأفغاني.

ما موقف الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية وطالبان حيال السلام الأفغاني؟ كيف يمكن للأفغان أن يوحدوا موقفهم لبدء المحادثات بشكل كامل بين الأطراف الأفغانية؟ أسئلة نحاول الإجابة عليها في هذا المقال.

 

أي نوع من السلام يسعى إليه أشرف غني؟

من أبرز الشعارات التي هتف بها الرئيس غني في حملاته الانتخابية الرئاسية شعار إحلال السلام وإنهاء الحرب في أفغانستان. تم تداول إشاعات حينها تفيد أن غني طمأن طالبان والفئات التابعة لها بأنه سيُنهي الاتفاقية الأمنية الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا تمكن من ذلك. بعد توليه للرئاسة، وقع غني الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة في القصر الرئاسي في اليوم الأول من فترة رئاسته.

رغم أن غني بعد توقيع الاتفاقية الأمنية سعى لحث طالبان على التفاوض مع الحكومة، إلا أن مساعيه كانت متجهة نحو سلام مرتكز على جانب الحكومة الأفغانية، مما يعني أن الحكومة الأفغانية أرادت انضمام طالبان إليها مثل “الحزب الإسلامي”. رفضت طالبان دعوة غني باستمرار ووسمت الحكومة الأفغانية بالحكومة غير الشرعية.

في الوقت ذاته، فإن قلق الحكومة الأفغانية حيال المحادثات الأمريكية مع طالبان ولقاءات طالبان مع الساسة الأفغان والقادة الجهاديين والناشطين الحقوقيين يدل على أن مساعي الرئيس غني لم تكن منصبة تجاه سلام حقيقي دائم، حيث أن نظرةً على سياسته الانتخابية تجلّي أن بقاءه في السلطة – لا إحلال السلام – هو رأس أولوياته.

 

موقف طالبان حيال السلام

رفضت طالبان باستمرار الدخول في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية وأكدت على التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية. رغم أن الجانب الأمريكي لم يبدُ مهتما بالتفاوض، إلا أنه مع امتداد الحرب قرر التفاوض مع حركة طالبان.

في مفاوضات السلام الجارية بين طالبان والولايات المتحدة، أكدت طالبان على أن أول مطالبها هو الوصول إلى اتفاق حيال خروج القوات الأمريكية من أفغانستان. رغم أنه حصلت خمس لقاءات بين الطرفين، نشرت الصحافة تقارير تفيد أن المحادثات في اللقاءات الخمس تناولت بالإضافة إلى قضية خروج القوات الأمريكية مواضيع أخرى مثل المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، وإيقاف إطلاق النار وتشكيل حكومة مؤقتة، وقت نفت طالبان من جانبها صحة هذه التقارير.

إن موقف طالبان من السلام يتوقف على وصولهم إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حيال سحب قواتها من أفغانستان، ومن ثم يتم البحث حول تشكيل حكومة من الأطراف الأفغانية عبر التفاوض مع جميع الأحزاب السياسية وليس فقط مع الحكومة الأفغانية.

كان مؤتمر موسكو الذي ضم ممثلي طالبان وبعض السياسيين الأفغان وقادة الجهاد أول خطوة نحو المحادثات المباشرة بين الأفغان لإحلال السلام.

 

واشنطن والمصالحة الأفغانية

إن الولايات المتحدة طرف مؤثر وأساسي في الحرب الجارية، وقد قررت الخطو خارج الحرب بعد معارك استمرت لـ 18 سنة، لذا بدأت الولايات المتحدة المفاوضات مع طالبان قبل ستة أشهر.

المرحلة الأولى من المفاوضات المباشرة هدفت إلى إنهاء الحرب الحالية في أفغانستان. بعد اللقاء الخامس، يُقال أن الطرفين توافقا بشكل إجمالي وسيوقعان اتفاقية في اللقاء القادم حيال موضوعين؛ خروج القوات الأمريكية، وعدم استخدام أرض أفغانستان ضد دولة أخرى.

في رحلته الأخيرة إلى أفغانستان ذكر خليلزاد أن المواضيع التي بُحثت في اللقاء الأخير بين الجانب الأمريكي وطالبان انحصرت بالولايات المتحدة وطالبان، وأن حضور الحكومة الأفغانية في ما تبقى من المحادثات أمر ضروري. أضاف خليلزاد أن الدور الأمريكي سيتضاءل في المستقبل وأن على الأفغان أن يتضلعوا بمسؤوليات أكبر لإحلال السلام.

تصريحات خليلزاد تُظهر أن الجانب الأمريكي وطالبان وصلا إلى توافق إجمالي وأن الولايات المتحدة تسعى حاليا للضغط على طالبان حثا لها على التفاوض مع الحكومة الأفغانية.

 

النتائج

رغم أن مواقف طالبان والحكومة الأفغانية حيال المحادثات بين الأطراف الأفغانية غير متوائمة، إلا أن الطرفين بحاجة إلى النظر إلى المفاوضات كفرصة تاريخية ينبغي أن تُغتنم من أجل إنهاء الحرب التي استمرت لأربعة عقود، ويستتب الأمن في البلد.

لدى طالبان والحكومة الأفغانية معرفة ضليعة بالأوضاع التي مرت بها أفغانستان بعد انسحاب قوات الاتحاد السوفييتي. بناء على هذه الخبرة، فإنه من غير المناسب تضييع فرصة كهذه سعيا للوصول إلى السلطة والمنافع الشخصية.

تُرى ما هو الحل لهذه القضية؟ أولا، كما بُذلت جهود من قبل الولايات المتحدة ودول المنطقة لبدء وإنجاح المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، ينبغي بذل جهود مماثلة في سبيل إنجاح المفاوضات بين الأطراف الأفغانية.

علاوة على ذلك، من الضروري لكل من طالبان والحكومة الأفغانية أن يبدوا مرونة وتقبلا حيال مفاوضات السلام، ويسعوا إلى مصالحة حقيقية شعبية.

بعد المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، من المناسب أن تبدأ المحادثات الثلاثية التي تضم كلا من الحكومة الأفغانية، الساسة وقادة الجهاد، وطالبان بإشراف من المجتمع الدولي. المجتمع الدولي بحاجة إلى السعي لإنجاح المفاوضات التي تمهد السبل لحكومة أفغانية شاملة تضم جميع مكونات الشعب.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *