نظرة قانونية على عرقلة عملية التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان

مع بالغ الأسف استعرت الحرب في أفغانستان منذ نحو ثلاثة عقود ولم تدمر ممتلكات البلد المادية والمعنوية فحسب، وإنما ارتكب طرفا النزاع أعمالا فيها انتهاك لحقوق الإنسان وكرامته والشريعة الإسلامية ودستور المحكمة الجنائية الدولية. وقد قام مكتب الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية مؤخرا (Fatou bensouda) بمطالبة المحكمة بشرح أسباب منع التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة من قبل القوات الأمريكية في أفغانستان، حيث أن المدعي العام طلب مسبقا من المحكمة الجنائية أن يتم النظر في الجرائم المرتكبة من قبل القوات الأمريكية في أفغانستان ويتم اتخاذ قرارات حيال تنفيذ العدالة على مرتكبي جرائم الحرب.

ما هي جرائم الحرب؟ وما هي مسؤولية المحكمة الجنائية الدولية حيال الجرائم المرتكبة من قبل القوات الأمريكية في أفغانستان؟ وما هو موقف أمريكا من ذلك؟ تقرؤون إجابة لهذه الأسئلة في تحليل هذا الأسبوع.

ما هي الجرائم التي تصنف على أنها “جرائم حرب”؟

وفق ميثاق هيئة الأمم المتحدة فإن جرائم الحرب هي كالتالي:

  1. كل نشاط يضاد السلام.
  2. ممارسة الظلم والاضطهاد ضد أي شعب أو عرقية.
  3. ارتكاب المجازر ضد الشعوب واضطرارهم للنزوح، واعتقال الأفراد بكميات كبيرة في المعتقلات وغيرها.

وفق المادة رقم ثمانية من دستور المحكمة الجنائية الدولية، فإن جرائم الحرب كالتالي:

  1. تخريب الممتلكات التي لا تتبع للجيش.
  2. إساءة التعامل مع السجناء والأفراد الذين سلموا أنفسهم باختيارهم، والتجنيد الإجباري.
  3. الهجوم على المدن والقرى والأماكن التي لا تتبع الجيش.
  4. الاعتداء الجنسي.
  5. العنف والتعدي على أعضاء الجسد البشري، والقتل البشع والتعذيب ونحو ذلك.

الجرائم المرتكبة من قِبل القوات الأمريكية في أفغانستان

بدأ التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان عام 2001، ومنذ ذلك الوقت قامت القوات الأمريكية باختبار أسلحتها في أفغانستان ومازالوا مستمرين في ذلك. لقد قاموا باستخدام الأسلحة الثقيلة والقنابل مستهدفين بها حفلات الزواج، والجنائز، والمساجد، والمستشفيات، والقرى والمدن، في حين أن استخدام هذه الأسلحة تم منعه من قِبل  المجتمع الدولي. على سبيل المثال تم استخدام قنبلة (أم القنابل) من قبل الأمريكان في مديرية أجين بولاية ننجرهار، وقد لقيت هذه الأعمال الترحيب من حكومة الوحدة الوطنية.

كما تم استخدام أسلحة Daisy cutter، و سلاح Cruse، وصواريخ نوع AGM ونوع GM-13  في شرقي ولاية ننجرهار، ومديرية             مارجه بولاية هلمند، ومنطقة ميوند ومناطق أخرى في قندهار، وما زال استخدام هذه الأسلحة مستمرا.

إلى أي حدٍ من الجرائم تملك المحكمة الجنائية صلاحية التحقيق في جرائم الحرب؟

تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في إيطاليا عام 1998، وقد شارك مندوبو 160 دولة في جلسة تأسيس المحكمة. وبالمحكمة حاليا أكثر من 160 عضواً فعالا.

أفغانستان إحدى أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، وقد وقعت أفغانستان دستور المحكمة الجنائية في العاشر من أبريل/2003، ولم يكن في البلد حينها برلمان، لذا تم قبول أفغانستان في المحكمة دون موافقة البرلمان الأفغاني.

تصف المحكمة الجنائية الدولية أربعة أصناف من الجرائم تدخل في حيز صلاحية المحكمة، وفق المادة رقم 5 من دستورها، والجرائم هي:

  1. إبادة النسل.
  2. جرائم ضد الإنسانية.
  3. جرائم الحرب.
  4. جرائم العنف والانتهاكات.

باستثناء جريمة الاعتداء فقد تم تعريف وتحديد بقية أنواع الجرائم، ومن هذه الجرائمِ جرائمُ الحرب، ومن صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية معاقبة مرتكبي هذه الجرائم.

هل من الممكن تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية على أمركيا؟

وفق دستور المحكمة الجنائية الدولية فقد تم تقسيم الدول إلى ثلاثة أقسام:

أولا: الدول التي وقعت على دستور المحكمة وصوبته في مجالسها التشريعية (البرلمان). تُعد هذه الدول أعضاء في المحكمة بشكل كامل ويصل عددها إلى 120 دولة، وتُنفذ مواد الدستور على هذه الدول بالكامل.

ثانيا:  الدول التي لم توقع على الدستور ولم تصوبه في برلماناتها. هذه الدول ليس لديها أي مسؤولية تجاه الدستور ولا تُنفذ أحكامه عليها. وإنما تنفذ أحكام الدستور على هذه الدول في صورة واحدة وهي مطالبتها بتنفيذ الدستور حيال قضية محددة تتعلق ببلدها، ففي هذه الحالة يتم تنفيذ أحكام الدستور على تلك القضية المحددة ويتم إلزام تلك الدولة بقبول نتائج الحكم.

ثالثا: الدول التي وقعت على الدستور، ولم تصوبه في برلماناتها. هذه الدول ليس لديها مسؤولية تجاه الدستور نظاما، إلا أنها في حالة متوسطة بين النوعين السابقين، حيث أن عضويتها ما زالت غير محسومة، ولذا فإن هذه الدول مُلزمة بألا ترتكب أعمالا تخالف روح الدستور ومبانيه الرئيسية. وفي حال اتضاح موقف هذه الدول فإنها لن تخرج عن حالتين:

في حال انصرافها عن طلب العضوية في المحكمة، أو رفض تصويب الدستور في مجالسها التشريعية، فإن هذه الدول تخرج من دائرة المسؤولية تجاه الدستور في المستقبل، ويتم ضمها للدول غير الأعضاء.

وفي حال قبولها للدستور فسيتم ضمها للدول الأعضاء، وجميع القوانين تُعد سارية عليا.

لم تصوب الولايات المتحدة الأمريكية دستور المحكمة الجنائية الدولية في مجلسها التشريعي وإنما اكتفت بالتوقيع عليه. وفي العام الماضي انصرفت عن توقيعها أيضا وتم اعتبارها خارجة عن عضوية المحكمة الجنائية الدولية، ولهذا فإن قوانين المحكمة وأحكامها الجزائية لا تُنفذ على الولايات المتحدة الأمريكية.

من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أول دولة مخالفةٍ لتأسيس محكمة الجنايات الدولية بسبب اعتبارها مخالفة لسيادتها وسلطتها القومية. مع أن قوانين المحكمة الجنائية الدولية لا تُنفذ على الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن هناك حالتان تخولان المحكمة بمعاقبة الولايات المتحدة على الجرائم وهما:

أولا إذا اشتكت دولة من الدول الأعضاء إلى المحكمة، وثانيا إذا تم إحالة القضية من قبل المدعي العام إلى المحكمة. مع أن أفغانستان تملك عضوية كاملة بالمحكمة إلا أنها لم تقدم شكوى للمحكمة حيال جرائم القوات الأمريكية. ومؤخرا طالبت النيابة العامة ( Fatou bensouda) بأن يتم التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة من قِبل القوات الأمريكية في أفغانستان، إلا أنه لم يتم متابعة القضية مع الأسف، ولذلك أسباب عديدة نذكر منها ما ذكره (أليكس وايتنج) البروفيسور بمدرسة هارورد للحقوق:

  1. التأثير السياسي الأمريكي على محكمة الجنايات الدولية.
  2. الضغط على الحكومة الأفغانية لكي لا تتعاون مع محكمة الجنايات الدولية في تحقيقاتها وتخالف قيامها بالتحقيق.
  3. التحدي الذي خلقه دونالد ترامب حيث توعد بأنه في حال استمرار التحقيقات ستوقف الولايات المتحدة الأمريكية دعمها المالي للمحكمة.
  4. التهديدات من قبل الحكومة الأمريكية بأنه في حال استمرار التحقيقات فسيتم مقاطعة المحكمة ولن يتم تصدير تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأمريكية لأفراد المحكمة.[1]

كلمة نهائية

يظهر من مخالفة القصر الأبيض للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة أن الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة في جرائم حرب واسعة بأفغانستان، لذا فإن الولايات المتحدة تقلق من تشوه سمعتها ومحاكمة عساكرها في حال استمرار التحقيق ، لذا فإنهم يحاولون إعمال الضغط على المحكمة حتى تنصرف عن التحقيق، وهي حتى الآن ناجحةٌ فيما خططت له.

على العالم أن يسمع لصوت الشارع الأفغاني، كما أن من الضروري التحقيق في الجرائم، وكذلك ينبغي دعم وتشجيع محكمة الجنايات الدولية حيال اعتزامها التحقيق. ويتأكد ذلك لأن الحرب الأفغانية قد أشرفت على الانتهاء وقد تنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان بالكامل بعد التوافق مع طالبان. يجب إحقاق صوت العدل ومحاسبة من أراق دماء الأبرياء من الشعب الأفغاني أمام العالم أجمع، قبل خروج القوات الأمريكية من أفغانستان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *