اختيار هيئة إدارة البرلمان الأفغاني

مضى نحو شهران على افتتاح مجلس النواب من قِبل رئيس الجمهورية الأفغاني. مع الأسف انشغل المجلس في الشهرين الماضيين بالنزاع على قضية تعيين رئيس المجلس والهيئة الإدارية، إلى أن وُفق المجلس أخيرا في الأسبوع الماضي إلى اختيار رئيس البرلمان ونائبيْه، أما أمين المجلس ونائبه فلم يتم انتخابهما حتى كتابة هذه السطور.

يوم الاثنين الماضي عُين النائب مير رحمن رحماني رئيسا للبرلمان لمدة خمس سنوات بعد أربعة اقتراعات. قبل ذلك تم تعيينه رئيسا من قِبل الرئيس المؤقت للبرلمان عطاء محمد دِهقان وذلك لكسبه 123 صوتا من مجموع 246 صوت مقابل منافسه كمال ناصر أصولي. إلا أن مؤيدي كمال ناصر أصولي لم يقبلوا النتيجة وبلغ الأمرُ حد الاعتراك اللفظي والبدني بين مؤيدي المتنافسيْن. بعد أسابيع من التأخير عُقد الاقتراع للمرة الثانية والثالثة إلا أن أحداً لم يفز بالأصوات اللازمة لرئاسة البرلمان. وفق المادة الثامنة من أصول الواجبات الداخلية بالبرلمان عُقد الاقتراع الرابع بين المُرشحين الحائزين على أكثر الأصوات وهم مير رحمن رحماني وخان محمد وردك، وفاز الأول على الثاني بأخذه 136 صوتا مقابل 96 صوت.

كما تم تعيين أعضاء الهيئة الإدارية بعد ثلاثة اقتراعات، حيث عُين أمير خان يار نائباً أولا بأخذه 131 صوتا وعُين أحمد شاه رمضان نائبا ثانيا بأخذه 119 صوتا. في هذا المقال ستقرؤون سيرة ذاتية مختصرة لرئيس المجلس ونائبيه.

مير رحمن رحماني، من الدراسة الجامعية إلى المنصب العسكري

وُلد مير رحمن رحماني ابن الحاج قلندر خان عام 1962 م بمديرية بجرام بولاية بروان في أسرة متوسطة الحال، وتخرج عام 1979 م من ثانوية بجرام.أكمل مير رحمن رحماني دراسته الجامعية في الجامعة العسكرية الروسية عام 1982م. وعمل بعدها بمجلس الوزراء بأفغانستان حتى عام 1986 م، ثم التحق بالجيش الأفغاني في فترة حكم الرئيس الأفغاني السابق د. نجيب الله. وفي فترة حكم المجاهدين عمل كقائد لكتيبة أخيه الجنرال (بابه جان) الذي شغل منصبا عسكريا رفيعا في فترة الحكومة الشيوعية بأفغانستان.بعد استيلاء طالبان على كابل، ترك مير رحمن رحماني كتيبته مع أخيه الجنرال والتحقا بمعسكر الشهيد أحمد شاه مسعود، وبقي في عداد القوات المقاومة إلى حين قدوم فترة حكم كرزاي المؤقتة وحاز في هذه الفترة على منصب (جنرال). في السنوات الأخيرة من عمله العسكري عُين قائدا للكتيبة رقم 40 بمديرية بجرام وازدادت ثروته في هذه الفترة، ومن ثم ترك الجيش وانشغل في التجارة.

رحماني من العمل التجاري إلى رئاسة البرلمان

قبل أن يصل مير رحمن رحماني إلى الدورة البرلمانية السادسة عشر عُرف كأحد أشهر التجار الأفغان وله شعبية بين سُكان مدينة بروان. تكاثرت ثروة مير رحمن عبر عقود نقل الوقود للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أفغانستان. يُشتهر أن ابنه أجمل رحماني الذي درس بالجامعة الأمريكية في لندن وانتُخب نائبا في البرلمان في الدورة السابعة عشر كان له دورٌ مهم في نجاح تجارة أبيه. معرفة أجمل رحماني باللغة الإنجليزية ودراسته في الخارج سهلا له لفت أنظار الأجانب والحصول على عقود لوجستية كبرى للثكنات العسكرية الأمريكية في مطار بجرام.قبل وصوله لكرسي رئاسة البرلمان، عمل مير رحمن رحماني رئيسا لمجلس شورى سُكان مديرية بجرام بولاية بروان، ورئيسا لغرف التجارة والصناعة بولاية بروان، ورئيسا لمفوضية الاقتصاد الوطني بمجلس النواب، وعضوا بجمعية الإخاء السعودي الأفغاني. نشرت وكالة آجانس باختر عام 2013 م مشاجرة لفظية وقعت بين مير رحمن رحماني وأحد القادة الجهاديين بمدينة جاريكار ( فردوس ابن خواجه نبي) وقد تبدل الشجار إلى عراك بالسلاح سقط جراءه ثلاثة قتلى وجُرح شخصٌ واحد.

مع أن مخالفي رحماني يقولون عنه أنه فاقد لمقومات القيادة وأنه وصل لكرسي رئاسة البرلمان بأمواله فقط، يرى محبوه بأنه رجلٌ خيّر بنى بخالص أمواله العشرات من المساجد والمدارس وأنشأ العديد من الطرق في ولاية بروان. كما زعم رحماني نفسه بأنه أنشأ دوّار ولاية بروان المركزي وبعض الطرق الأخرى في ولاية بروان من أمواله الخاصة.صرح مير رحمن رحماني في إحدى لقاءاته الإعلامية أنه كان منتميا لحزب أفغانستان الديمقراطي الشيوعي الذي لم يعد له أي شعبية في العالم، وأضاف أنه مستقلٌ حاليا وينسب نفسه لكافة فئات الشعب الأفغاني. وبنحو مشابه لمواقف مخالفيه ومؤيديه في البرلمان، هناك فئات في المجتمع الأفغاني تنظر إليه نظرة شك بسبب خلفيته الشيوعية، في حين يرى الآخرون أن ترؤّسه للبرلمان فاتحة خير. الأيام المئة الأولى من رئاسة رحماني للبرلمان ستُثبت صحة زعم أحد الطرفين المذكورين.

نواب مجلس الشعب

أمير خان يار المُعين نائبا أولا لرئيس البرلمان في دورته السابعة عشرة، وُلد عام 1974 م ورُشح عضوا في البرلمان من ولاية ننجرهار. تخرج أمير يار خان في إحدى معاهد تعليم الهندسة بباكستان وعمل في المؤسسات الأجنبية في أفغانستان.قبل أن يصل إلى البرلمان عمل أمير يار خان رئيسا عاما لمؤسسة YAAR، ومديرا لمؤسسة STI الدولية ومديرا للبرنامج الميداني لمؤسسة SERVE. في الدورة السادسة عشرة للبرلمان الأفغاني انتُخب أمير يار خان نائبا ثانيا للمجلس وعضوا لهيئة المالية والميزانية بالبرلمان، وبشكل عام يملك مهارات جيدة. كان منتميا للحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار في فترة الجهاد الأفغاني، وفي الأعوام الأخيرة انشغل وبرع في التجارة أيضا. تم اختياره نائبا أول للبرلمان الحالي بمجموع 131 صوت.وُلد أحمد شاه رمضان النائب من ولاية بلخ عام 1969م في أسرة غنية بمدينته. حصل على البكالوريوس من طاشكند عاصمة أوزبكستان في مجال الهندسة، وبحصوله على 119 صوت تم انتخابه نائبا ثانيا لرئيس البرلمان في دورته السابعة عشر. في السابق عمل المهندس أحمد شاه عضوا في مجلس الشيوخ في الدورة البرلمانية الخامسة عشر، وعضوا في الهيئة المالية بمجلس النواب في دورته السادسة عشر.يملك أحمد شاه رمضان علاقات وثيقة بمحمد محقق رئيس حزب الوحدة الإسلامية بأفغانستان، ويعمل بالتجارة منذ عشرين عاما. تم محاولة اغتياله بلغم مغناطيسي حين سفره من ولاية بغلان إلى كابل عام 2013 م إلا أنه لم يُصب بأذى، في حين قُتل اثنان من حُراسه وجُرح الثالث. وقد تم اغتيال أخير الأكبر أشرف رمضان – أحد المرشحين البارزين في الانتخابات البرلمانية المنعقدة عام 2005 م – بمدينة مزار شريف، وقد قضى نحبه في تلك الهجمة.

النتائج

ربما يُعد الحكم على جودة عمل البرلمان في دورته الحالية حكماً سابقا لأوانه، إلا أن ما يستدعي الاهتمام هو حجم التحديات التي يواجهها البرلمان الحالي. من هذه التحديات:التحدي الأول هو موضوع السلام حيث أنه وصل إلى مرحلة حرجة يحدوها استعجال أمريكي وبرودٌ من الحكومة الأفغانية. ما هو الدور الذي سيلعبه البرلمان في هذا الصدد؟ إذا استطاع المجلس أن يُعيد النظر في العقد الأمني بين الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية، ويتم إعادة تعريف العلاقات بين الدولتين على أساس المصالح المتبادلة بين الطرفين فإن ذلك سيُعد إنجازا عظيما.التحدي الثاني يتعلق بالعلاقة بين البرلمان والحكومة، وقد اتسمت هذه العلاقة طيلة فترة حكومة الوحدة الوطنية بالضعف، وبدلا من قيام هذه العلاقة على مصالح الشعب لوحظ دوران العلاقات حول رحى المصالح الشخصية والمتبادلة بين الانتهازيين من الطرفين. هل سيقدر البرلمان الجديد أن يُحل محل هذه العلاقات المهترئة علاقاتٍ متمحورة حول القانون والثقة والشفافية؟ هناك نحو 60 بند قانوني في انتظار اتخاذ القرار من قِبل البرلمان، فكيف سيتعامل البرلمان مع هذه القوانين؟

التحدي الثالث يتمثل في إعادة ثقة الشعب في مجلس النواب حيث أن سمعة البرلمان تشوهت في السنوات الماضية وتلطخت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بصورة فجة. على مجلس الشعب أن يكسب ثقة أفراد الشعب مرة أخرى، ويتعلق هذا الأمر إلى حدٍ كبير بما سيفعله رئيس البرلمان والهيئة الإدارية الجديدة. نأمل أن تكون الهيئة قد تعلمت من أخطاء المجلس السابق وأن يُعيد للمجلس ما فقد من الثقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *