لماذا ارتفع معدل سقوط الضحايا المدنيين مع تطورات عملية السلام؟

نشر مكتب دعم الأمم المتحدة لأفغانستان (UNAMA) تقريرا حديثا وسموا فيه شهر يوليو المنصرم بالشهر الدامي حيث سقط فيه نحو 1500 قتيل وجريح مدني. مع أن عملية السلام تطورت في الآونة الأخيرة بشكل معيدٍ للأمل، إلا أن الحرب في نفس الآونة اشتدت ونتج عن ذلك ارتفاع كبير في معدل الضحايا المدنيين. سيسلط هذا المقال الضوء على أسباب ذلك مع تحليل للعوامل المؤثرة داخليا وإقليميا وعلى المستوى الدولي.

نظرة على العنف المتزايد في الفترة الأخيرة

من جانبٍ نلحظ أن عمليات التفاوض بين مندوبي طالبان ومندوبي الولايات المتحدة الأمريكية تطورت بنحو واعد، إلا أن الحرب داخل أفغانستان قد استعرت أكثر من السابق. وفق التقرير المنشور حديثا من مكتب دعم الأمم المتحدة لأفغانستان فإن معدل سقوط القتلى والجرحى بين المدنيين في الربع الثاني من عام 2019 زاد عن معدل الربع الأول بنسبة 27 في المئة، كما بلغ عدد القتلى والجرحى المدنيين في النصف الأول من العام الميلادي الجاري نحو 3812 شخص، وقد تسببت الحكومة في إسقاط عدد أكبر من الضحايا مقارنة بطالبان.

الإسباب الإقليمية لسقوط الضحايا المدنيين

مع تقدم عملية السلام الأفغاني ظهرت للعيان مصالح دول المنطقة والعالم بشكل أوضح من السابق، وكل دولة ترى نفسها مُهمشة في قضية السلام الأفغاني مقارنة بنظرائها فإنها تهدد بامتناعها عن دعم عملية السلام، ومن جانبٍ آخر ترغب في ربط السلام الأفغاني بمشاكلها الإقليمية ليثمر تقدم عملية السلام في حل تحدياتها الإقليمية.

على سبيل المثال أبدت الولايات المتحدة الأمريكية رغبة في الوساطة بين باكستان والهند لحل قضية كشمير؛ حتى تتلقى مساعدة باكستان في عملية خروج قواتها المسلحة من أفغانستان مع تقدم عملية السلام. كما أن أحد الأجندات المهمة لسفر الوفد الرئاسي الباكستاني مؤخرا إلى الولايات المتحدة كان حول التعاون في قضية السلام  الأفغاني، على اشتراط دعم أمريكا لباكستان في قضية كشمير – على ما يبدو -.

مع أن دونالد ترامب منح وعدا في السابق بدعم باكستان حيال قضية كشمير وقد تسبب ذلك في ردة فعل واسعة من قِبل الهند، حيث أقدمت على التحكم في القيادة الفعلية لكشمير، وقد وسمت باكستان هذا العمل على أنه مرتبط بقضية السلام الأفغاني وهددت بامتناعها عن دعم السلام الأفغاني. وبهذا الشكل نجد أن المنافسات بين قوى المنطقة والعالم شكلت تحديا في وجه عملية السلام الأفغاني كما أنها فتحت الطريق لازدياد العنف في أفغانستان مما نتج عنه ارتفاع معدل الضحايا المدنيين بشكل كبير.

الأسباب الداخلية لارتفاع معدل الضحايا المدنيين

جانب المفاوضات الجارية بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية في الدوحة، بدأت المفاوضات الأفغانية الداخلية، وقد تعهد كل من تنظيم طالبان والحكومة الأفغانية باتخاذ خطوات مؤثرة لتقليل سقوط الضحايا المدنيين في الحرب الجارية. إلا أن ما لوحظ في الآونة الأخيرة هو اشتداد حدة الحرب التي معظم ضحاياها من المدنيين.

ليس ازدياد العنف مع تقدم عملية السلام الأفغاني أمرا مثيرا للحيرة، حيث ثبت على مستوى العالم أن كل عملية مصالحة يصحب بدايتها أعمال عنف بين طرفي المصالحة ليظهر كل منهما قوته وللحصول على أكبر قدر من المصالح.  الحكومة الأفغانية وحركة طالبان تسعيان بتشديد العنف إلى إظهار القوة والحصول على رصيد أكبر في المصالحة. تنظيم طالبان يرنو إلى نوعين من الإنجازات: أولا أن تخرج القوات المسلحة الأمريكية من أفغانستان مع انتصار طالبان في الحرب الجارية، وثانيا: التأكيد على عدم الاعتراف بالحكومة الأفغانية والامتناع عن التفاوض معها حيال السلام ليُنتج ذلك إزاحة النظام الحاكم المتهالك – برؤيتها – وتخلفها إمارة طالبان الإسلامية. ولذا قامت بتصعيد الحرب في الفترة الأخيرة. من جانبٍ آخر فإن الحكومة الأفغانية التي تعتبر الانتخابات الرئاسية قضية أهم من إنجاح عملية السلام ستخسر إنجازاتها التي اكتسبتها في مدة 18 سنة الماضية إذا تم تسليم السلطة إلى حكومة مؤقتة. وقد قامت الحكومة بتصعيد غاراتها الجوية ونتج عن ذلك ارتفاع معدل سقوط الضحايا المدنيين في ولايات ميدان وردك، ولوجر ومناطق أخرى.

لعل تصعيد الحكومة الأفغانية للحرب في الآونة الأخيرة يهدف إلى الظهور بمظهر الطرف القوي، مع إخضاع طالبان للتفاوض مع الحكومة واستمرار تحكم الحكومة في السلطة. وقد تسببت رغبات الطرفين في اشتداد الحرب في أفغانستان، ومعظم ضحايا هذه الحرب من المدنيين.

السبب الآخر لارتفاع معدل الضحايا المدنيين يمكن في المليشيات المحلية المسلحة والتي تُدعم من الدول الأجنبية، حيث إن المليشيات المذكورة ترى مصالحها في استمرار الحرب، ومع انتشار التقارير حول تقدم عملية السلام تزيد هذه المليشيات هجماتها على المناطق المأهولة بالسكان العُزّل لتخلق مزيدا من التحديات في طريق السلام. من ذلك ما حدث من هجوم قبل أسبوع على حافلة تنقل الركاب المسافرين في ولاية فراه مما أسفر عن سقوط ضحايا كلهم مدنيون، ولم تتحمل أي جماعة مسلحة مسؤولية الهجمة. السبب المُقلق الآخر الذي يُشكل عائقا كبيرا أمام عملية السلام وله يد طولى في إسقاط الضحايا المدنيين هو تنظيم داعش الذي يستهدف في الغالب أماكن تجمع المدنيين العُزل. كما أن تجمعات الحملات الانتخابية الرئاسية التي يحضرها عامة الناس والتي تم تهديدها من قِبل طالبان تُشكل سببا من أسباب ارتفاع معدل الضحايا في صفوف المدنيين.

النتائج

مع تقدم مفاوضات السلام واشتداد الحرب في الآونة الأخيرة، على الساسة والقادة الأفغان أن يأخذوا على عاتقهم حمل الوساطة بين الحكومة الأفغانية وطالبان – عوضا عن الدول الأجنبية – حتى يحل السلام ويتوقف نزيف الدم الأفغاني، حيث لوحظ دائما أن الدول الأجنبية لم ولن تجعل السلام الأفغاني مقدما على مصالحها الوطنية، حتى إن العديد من الدول لن تدعم السلام الأفغاني حتى تجد في استقرار الصلح بأفغانستان حلولا للتحديات الداخلية التي تواجهها، مما يعني تطويل عملية الوصول إلى المصالحة. وفي حين تعذر حل التحديات المذكورة فإن تلك الدول لن تنزع يدا من الدعم للسلام وحسب وإنما ستُلقي تهديدات استخفافية حيال السلام وستخلق تحديات تحول دون استقرار السلام. الدول المذكورة تلعب دورها عبر دعم المليشيات التي تستخدم العنف وتوقع الخسائر في أرواح المدنيين مما يُمهد لتلك الدول الحصول على ما تريده من مصالح. على كل من الحكومة وطالبان أن يجعلا عملية السلام عملية أفغانية وأن يُقصرا الأيدي الممتدة من الدول الأجنبية في هذا الصدد. السلام والتفاوض يعنيان القبول بشيء من التنازلات، لذا فإن كلا من الحكومة وطالبان يتحملان – بالإضافة إلى مسؤولية إيقاف وقوع الضحايا المدنيين – مسؤولية قبول الآخر في الوطن المُشترك، لأجل أن نشهد سلاما شاملا يضع خاتمة للحرب التي امتدت لعدة عقود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *