اضطراب في العلاقات الأفغانية الباكستانية

بعد تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، وخاصة بعد أن ظهر للعن أمر توقيع الاتفاقية الاستخبارية بين أفغانستان وباكستان، كان يبدو أن مرحلة جديدة أخرى بدأت في العلاقات الثنائية بين البلدين.

تعهد الجانب الباكستاني لدعم عملية السلام الأفغانية، ومن ثم جولتان من المحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، واحدة في “أورمتشي” وأخرى في “مري”، عززت آمال هذه المرحلة.

وكان المسؤولون الباكستانيون يتحدثون عن علاقات وطيدة بني الطرفين، وكانوا يحسبون للرئيس أشرف غني الكثيرَ، من أجل خطواته الجريئة للاقتراب من باكستان. واعتبر في المقابل أشرف غني باكستان حليفا جديدا في مكافحة الإرهاب، إلا أن هذه العلاقات تدهورت أخيرا.

ونتيجة للهجمات الأخيرة التي حدثت في كابول وأسفرت عن مقتل عدد من العسكر والمدنيين، اتهمت الحكومة الأفغانية مرة أخرى باكستان بالوقوف وراء الإرهاب، وطلب إغلاق مقار طالبان في الأراضي الباكستانية.

العودة إلى سياسات كرزاي

تم الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر زعيم طالبان، في حين كان من المقرر أن تجري الجولة الثانية من مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بوساطة باكستانية، ومن هنا اعتبر البعض هذه الخطوة محاولة باكستانية من أجل تأجيل عملية السلام وذات علاقة مع هجمات كابول.

وفي مؤتمر صحفي اعتبر الرئيس أشرف غني هذه الهجمات رسالة حرب من قبل باكستان، واتهم بشدة إسلام آباد بدعم الإرهاب، وقال: “يجب إزالة مراكز الإرهاب خلف خط ديوراند”. ويبدو أنه لم يكتف بالهجوم على باكستان إعلاميا فحسب، فقد نشرت وسائل إعلام باكستانية بأنه تحدث يوم الإثنين هاتفيا مع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، شاكيا تواجد مراكز الإرهاب في باكستان، وقال جون كربي متحدث وزارة الخارجية إن على باكستان وأفغانستان التعاون لمكافحة الإرهاب على طرفي الحدود. وعلى حد قول كربي، تؤيد أمريكا عملية السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وتأمل أن لا تضر هجمات طالبان الأخيرة استمرار مفاوضات السلام.

وتُعتبر تصريحات  متحدث وزارة الخارجية الأمريكية، ردا للرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي إذ يقولان بأن مراكز تجهيز وتمويل الإرهاب واقعة خلف خط ديوراند، في الأراضي الباكستانية.

من جهة أخرى فقد بدأت من جديد هجمات باكستان الصاروخية والمدفعية على المناطق الحدودية في ولاية كنر الأفغانية. وتذكر هذه الهجمات بفترة العلاقات المتدهورة بين البلدين أيام حكم كرزاي.

سياسة “الثقة على باكستان”

والذي أثار أكثر من أي شيء آخر غضب الحكومة الأفغانية على باكستان، هو اجتماع طالبان خارج مدينة كويته في إقليم بلوشستان، إذ تمت فيه البيعة مع الملا منصور زعيما لطالبان، هذا وهجمات كابول من بعده، وفّر الفرصة أكثر لمخالفي السلام مع طالبان.

وقد عزز ذلك رؤية من كان يدعي عدم جدوى الثقة على باكستان. وخلال كلمات له انتقد بشدة عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي باكستان، واتهم إسلام آباد بدعم وتجهيز طالبان ضد الحكومة الأفغانية.

تعتبر بعض وسائل الإعلام الداخلية والغربية تصريحات الرئيس أشرف غني الأخيرة علامة هزيمة لسياسة اقترابه من باكستان.

مفاوضات السلام والعلاقات مع باكستان

مما يمكنه التأثير على العلاقات الثنائية بين الطرفين، هو إمكانية تأجيل مفاوضات السلام. فقد أجل حدوث الانقسام في صفوف الحركة، والذي يُعبَر عنه بالصراع على السلطة أيضا، هذه المفاوضات إلى أمد غير معلوم.

في بضعة شهور الماضية، تعززت في أفغانستان رؤية بأن باكستان قد غيّرت سياستها مع حركة طالبان، وهذا بعد أن جرت محادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بوساطة باكستانية.

وفي الماضي كانت باكستان تستيطع أن تُحضر إلى طاولة الحوار أناس خاضعين لها، كمندوبين لحركة طالبان، والمشاركون كانوا يدعون أنهم مندوبو طالبان. لكنه ومع إعلان وفاة الملا عمر فقدت باكستان هذه الورقة. وظهرت الآن ضرورة ملحة لمشاركة مندوبين مؤيدين من قبل المقاتلين. وعلى باكستان أن تحرض مثل هؤلاء للمشاركة في المحادثات، وهو أمر يبدو من الصعوبة بمكان في الأوضاع التي تمر بها حركة طالبان خاصة بعد الإعلان عن وفاة زعيمها الملا عمر.

فمن هنا ستسلك باكستان طريق إحداث انقسام في صفوف طالبان، وأن تجر جزءا من الحركة إلى عملية السلام تقليصا لأهمية مكتب طالبان السياسي في قطر. وقد حاولت باكستان عمل ذلك مع أفراد لم يكونوا مندوبي الجبهات العسكرية، وأما الآن ترغب الحكومة الأفغانية في الحديث مع قادة داخ الحركة يملكون صلاحية أخذ القرار بالهدنة، وهو أمر يصعب على الجانب الباكستاني كثيرا.

ولا يعني انقسام طالبان إلى قسمين أنهم يصارعون على الحوار مع الحكومة الأفغانية، بل ويسبب ذلك قلقا لدى كل مجموعة من أن تخسر دعم المجموعات المقاتلة في حال انخراطها في عملية السلام، وبذلك سترفع شعارات حربية أكثر من غيرها.

النتيجة

رغم التصريحات الشديدة لزعماء “حكومة الوحدة الوطنية”، ضد باكستان، لا يبدو أن أشرف غني سيرجع عن خيار الاقتراب من باكستان، وأن يبدأ مرحلة مشى عليها سلفه كرزاي، بدأ من عام 2003 وإلى نهاية فترته.

لقاء السفير الأفغاني مع المولانا سميع الحق في إسلام آباد وحديث وزير الخارجية الأفغاني معه هاتفيا، واتصالات أشرف غني السرية والعلنية مع المسؤولين الباكستانيين في الأيام الماضية، وزيارة وفد حكومي أفغاني رفيع إلى باكستان، كلها يظهر أن تصريحات أشرف غني جائت تهديئة لهواجس الشعب في الداخل ولم يعر المسؤولون الباكستان اهتماما كبيرا بهذه التصريحات ولم يردوا أيضا، معرفة منهم بالضغوط الموجودة عليه.

وبعد هجمات كابول الأخيرة أظهرت الحكومة الباكستانية مواساة مع الشعب الأفغاني ونددت بالهجمات، وأكدت أن باكستان هي الأخرى ضحية كبيرة للإرهاب.

ونشرت وسائل الإعلام الباكستانية تصريحات الرئيس الأفغاني أشرف غني، والرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله مع تصريحات وزير الخارجية الباكستاني التي ندد فيها الهجمات الأخيرة.

من جهة أخرى توجه إلى إسلام آباد وفد أفغاني رفيع يترأسه صلاح الدين رباني وزير الخارجية الأفغاني، وفيه القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني، ورئيس إدارة الأمن الوطني، لإجراء المفاوضات مع المسؤولين الباكستانيين. مع أن متحدث الوزارة الخارجية الأفغانية اعتبر هذه الزيارة مصيرية في العلاقات الثنائية بين الطرفين، وقال إن الجانب الأفغاني سيجري محادثات جادة مع الجانب الباكستاني، لكن وبالنظر إلى مشاكل “حكومة الوحدة الوطنية”، لا يمكن عقد آمال عريضة على هذه الزيارة.

يمكن القول عموما، رغم التدهور الأخير في علاقات البلدين، هناك تفاهم سري بين المسؤولين الأفغان والباكستانيين لا تحمل إسلام آباد، بناءً عليه، تصريحات المسؤولين الأفغان الشديدة على محمل الجد.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *