أوروبّا وأزمة اللاجئين الأفغان

تواجه أوروبّا موجة من اللجوء التي تأتي من الشرق، ولم تشهد مثلها بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن. هناك من يفر من الحرب، وآخر من الاضطرابات الأمنية ومستقبل مجهول، وآخر بأمل فرص أكثر لعيش سعيد، وكلهم يتوجهون نحو أوروبّا. هم أناس من إفريقيا، والشرق الأوسط وجنوب آسيا، يغامرون الموت ويأملون العيش في أوروبّا.

فقد أحدثت الحرب أزمات إنسانية في هذه البلدان، وفي عالم تُعتبر العولمة من خصائصه يمكن لأزمة اللجوء أن يظهر حقيقة أن العالم أصبح قرية.

أرقام اللاجئين المذهلة

إن رؤية أفواج من اللاجئين يعبرون المتوسط رغم أخطار الموت ويصلون إلى أوروبّا أمر يبعث على الحيرة. ففي الماضي كان عدد الذين يعبرون الحدود بطريقة غير القانونية للوصول إلى أوروبا، قليلا لكن عام 2011م، شهد عبور آلاف من التونيسيين المتوسط ووصولهم إلى جزيرة “لامبيدوسا”، في يونان. حدث ذلك بعد أحداث الربيع العربي في البلد، لكن موجة اللجوء الجديدة من سوريا، وإفريقيا، وأفغانستان فاقت كل الأرقام السابقة.

تظن منظمة اللجوء الدولية أن 9 أشهر الأولى من عام 2015م، شهدت وصول 464 ألف لاجيء إلى أوروبّا عبر المياه، وهذا العدد لا يشمل الذين لم يرغبوا في التسجيل، وبما أن الموجة جارية وترتفع يوميا فإن هذا العدد ليس دقيقا تماما[1]. تقول إدارة مراقبة الحدود الأوروبّية أن من شهر يناير إلى أغسطس، عبر أكثر من 500 ألف لاجيء حدود أوروبّا، لقي منهم بين 3 إلى 4 آلاف حتفهم إثر الحوادث وخاصة الغرق[2].

أكثر هؤلاء اللاجئين من سوريا فروا من الحرب الأهلية الدائرة فيها ويشكلون 39% من اللاجئين. ويشكل الأفغان الذين فروا من الحرب المستمرة في بلدهم 11%، يليهم اللاجئون من إريرتيا بـ7%. أما بقية اللاجئين فهم من العراق، ونيجيريا، وباكستان وصوماليا، والسودان[3].

أمام هذه الأفواج الكبيرة من اللاجئين، اتخذت الدول الأوروبيّة إجراءات مختلفة. وضعت مجرستان أسلاكا شائكة على حدودها، حاولت شرطة مقدونيا وبريطانيا منع اللاجئين من الدخول عبر القوة على الحدود، لكن ذلك لم يحل الأزمة ولم يمنع دخول اللاجئين إلى أوروبّا.

ألمانيا هدف غالبية اللاجئين

بناءً على قوانين أوروبّا للهجرة، ينبغي تسجيل اللاجيء عندما يدخل أي بلد أوروبي، لكن الذين يأتون إلى أوروبّا لا يرغبون في البقاء في أول دولة يصلون إليها. اليونان وإيطاليا من أكبر المتضررين من الأزمة المالية وإليها ينوي مئات ألف من اللاجئين عبر المتوسط، يأتي معظمهم من تركيا، ويهدفون ألمانيا. وذلك يعني أن اللاجئين يختارون بداية حيث يريدون البقاء فيه.

من جهة أخرى، تتعامل بعض الدول الأوروبّية بشكل عنصري مع اللاجئين. وتشكل ديانة اللاجئين مصدر قلق لهذه الدول. ففي الماضي كانت الأحزاب المذهبية تخالف لجوء أتباع الدول الإسلامية أما الآن يظهر المسؤولون نفس القلق، ومن هنا أعلنت سلواكيا وقبرص قبول اللاجئين المسيحيين من سوريا فقط وأنهم لا يقبلون بالمسلمين[4]. واعتبرت لهستان اللاجئين المسلمين خطرا على القيم المسيحية.

الضرورة إلى عمال بثمن أقل

بشكل عام تحتاج الدول الأوروبّية إلى قوة عمل شابة لقلة النسمة وارتفاع معدل العمر فيها. فعلى أساس الإحصاءات كان نموء السكان في ألمانيا صفرا خلال بضعة أعوام الماضية[5]. وتواجه الدولة الفقيرة مثل اليونان نفس المشكلة. وبذلك سينفع على المدى الطويل وجود اللاجئين من الدول الأخرى، هذه الدول ولأنهم لا يتوقعون الكثير من الحكومة.

وهناك عدد كبير ضمن اللاجئين السوريين ذوي دراسات عليا وتخصصات وهي ثروة إنسانية كبيرة لهذه الدول، لكن وفي الأوضاع الحالية وفيما تواجه أوروبّا أزمة مالية وتتصاعد البطالة في أجزاء منها، يبقى ايجاد العمل لهذا العدد الكبير صعبا بل ومستحيلا أيضا، وخاصة إذا أضفنا إلى ذلك مشكلة اللغة، والبيئة والثقافة.

مشكلة الثقافة

إن المواجهة الثقافية تشكل أبرز قلق سكان أوروبّا تجاه اللاجئين[6]. يقاتل الآن عدد من مسلمي أوروبّا في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”، في سوريا. وخرج الشباب المسلم في فرانسا، وبريطانيا في مظاهرات عنيفة عام 2011م، و2013م. ويبدو من ذلك أن اللاجئين المسلمين في أوروبّا لم يذوبوا في البيئة الأوروبّية ولا زالوا يحسون بالغربة فيها.

ألمانيا التي تهوي إليها قلوب كثير من اللاجئين، فشلت في إحداث مجمتع متعدد الثقافة، وقد صرّحت بذلك المستشارة الآلمانية مركل عام 2010. وفي كثير من الدول الأوروبّية مثل بريطانيا، وسويس، ودنمارك، وإيطاليا، وسويدن، تُعتبر قضية اللاجئين وخاصة من الدول الإسلامية من أهم ما تأخذه المعارضة على الحكومات.

وخلافا للولايات المتحدة وكانادا إذا ينخرط اللاجئون في المجتمع، فإن ذلك لا يحدث في الدول الأوروبّية ويحتفظ فيها اللاجئون على قيم بلدانهم.

اللاجئون الأفغان في أوروبّا

كما أسلفنا يحتل الأفغان الدرجة الثانية في هذه الموجة من اللجوء، وليست هناك أي أرقام دقيقة حول عددهم، وخُمن عدد الأفغان الذين وصلوا إلى أوروبا بـ120 إلى 130 ألف[7].

يصل معدل الصرف لأي لاجيء إلى أوروبا 10 آلاف دولار، نصفه للوصول إلى تركيا ونصفه لعبور المتوسط ولبقيه المصارف. ولذلك دفع اللاجئون الأفغان ما بين 200 مليار إلى 300 مليار دولار للوصول إلى أوروبّا.

ويدعي كل لاجيء أفغاني تقريبا أن واحدا من أعضاء أسرته قُتل من قبل طالبان، ويتم في كابول تزوير الأوراق كثيرا لإظهار أن الفرد مهدد من قبل طالبان. بعد أحداث قندوز كانت حرب قندوز ذريعة أخرى.

إلى جانب الحرب والمشاكل المالية أصبحت تجربة 14 سنة الماضية سبب آخر لمغادرة أفغانستان. بعد سقوط حكومة طالبان في 2001م، عاد كثير من الأفغان الذين قضوا فترات طويلة في أوروبّا إلى بلدهم، وحصلوا على وظائف عالية من دون دراسات عالية أو التخصص وبمعرفة اللغة الأجنبية فقط. هو أمر جعل الشباب يميلون إلى أوروبا ليحصلوأ على “الشخصية” ولأنهم إذا ما عادوا يوما فسيكون حالهم أحسن حتما.

أعلنت الحكومة الآلمانية منح اللاجئين السوريين الأولوية، وأن اللاجئين الأفغان سيتم طردهم إلى أفغانستان لأن الأوضاع الأفغانية ليست سيئة كثيرا[8].

ربما يمكن سبب القرار الآلماني في أن اللاجئين الأفغان ليسوا عمّالا محترفين مدّربين. خلّفت الحرب في أفغانستان جيلا أميّا أو قليل الدراسة لا يمكن له العمل بسهولة في السوق الآلمانية. يحتاج تدريبهم وتعليمهم إلى فترة وتكلفة كبيرة، والحال أن اللاجئين السوريين بينهم المحترفون الكثيرون.

بالنظر إلى الأزمة المالية والبطالة في أوروبّا، من الصعوبة بمكان ايجاد عمل لهؤلاء الأفغان، وبقائهم في أوروبّا سيكون عبء على الدول الأوروبّية أيضا. ومن جهة أخرى صعب جدا على الدول الأوروبّية إرسال أكثر من مئة ألف لاجيء أفغان إلى بلدهم وقد وصلوا إلى أوروبّا رغم أخطار الموت.

النهاية

[1] See online; Europe’s Migration Crisis; by Council on Foreign Relations: http://www.cfr.org/migration/europes-migration-crisis/p32874

[2] See online: http://www.khabaronline.ir/detail/471743/World/europe

[3]  نفس المصدر

[4] See online: http://foreignpolicy.com/2015/08/19/slovakia-to-eu-well-take-migrants-if-theyre-christians/

[5] See online: http://ec.europa.eu/economy_finance/publications/european_economy/2014/pdf/ee8_en.pdf

[6] See online; Cultural Effects of Migration – The European Immigration Debate: http://www.globalization101.org/cultural-effects-of-migration/

[7] See online: https://www.tolonews.com/en/afghanistan/22048-120000-afghans-seek-asylum-in-44-countries-unhcr

[8] See online: http://www.dw.com/ps/%D8%A2%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%DA%89%DB%90%D8%B1-%D8%A7%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1-%D8%AF-%D9%85%D9%86%D9%84%D9%88-%D9%86%D9%87-%D8%AF%D9%8A/a-18812375?maca=pas-CB_Tolonews_Pas_migrationquest-17541-html-cb

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *