أفغانستان ومكافحة المخدرات

أزمة المخدرات أزمة دولية، وليست هناك أي دولة إلا ولها من هذه الأزمة جزء. وهي أزمة في الدرجة الرابعة عالميا بعد الأزمة النووية، وأزمة ازدياد النسمة، وأزمة البيئة، وعلى أساس بعض الإحصاءات يصل عدد المدمنين 250 مليون مدمن. وبما أن الإدمان يصيب الشباب أكثر من غيرهم، فإن أثر ذلك يكون كارثيا في المجال الاقتصادي للدول.

مع أن عدد المدمنين الأفغان يبقى غير دقيق، لكن إحصاءات تقول إن قرابة أكثر من مليون شخص يعانون من هذه المشكلة، وجزء كبير منهم من النساء.

تُعتبر أفغانستان أكبر دولة منتجة للمخدرات عالميا، وتصل علاقات أفغانستان مع الحشيش إلى قرون قديمة، وفي العقود الثلاثة الأخيرة كانت أكبر منتج الحشيش على المستوى العالمي.

انتاج المخدرات في أفغانستان، 2001م-2015م

هناك عوامل عدة لتوسع مزارع المخدرات في أفغانستان، ومن أهم هذه العوامل:

  • الحرب والاضطرابات الأمنية الطويلة في البلد،
  • عدم وجود حكومة مركزية قوية شعبية،
  • وجود مافيا المخدرات الداخلي والإقليمي والدولي،
  • طلب المخدرات وخاصة من الدول الغربية،
  • ملائمة التربة والجو لزرع المخدرات.

يرى الكثيرون بأن الحكومة الأفغانية ليست لديها إرادة قوية لمكافحة الإرهاب، وكان على القوات الأجنبية أن تتحمل هذه المسؤولية، إلا أن تواجد هذه القوات وبشكل مثير للتسائل عزز من انتاج الحشيش في البلد.

بعد مجيء القوات الأجنبية إلى أفغانستان، كانت لانتاج المخدرات وتيرة تصاعدية، وسجّل رقما قياسيا عام 2007م، بوصوله إلى 8200 طن من المخدرات.

الجدول الأول: وتيرة انتاج المخدرات التصاعدية

Ar-1

منذ عام 2010م، توسعت رقعة زرع الحشيش، لأنه ومنذ هذه السنة كثّفت القوات الأجنبية من رشّ المواد الضارة للمزارع عبر القوات الجوّية. وبناءً على إحصاءات وزارة مكافحة المخدرات الأفغانية، بلغ انتاج الحشيش 5800 طن، عام 2011م، وفي عام 2012م، بلغ زرع المخدرات 154000 هكتار، لكن الجراثيم الزرعية قللت حصيلتها ألى 3700 طن، وسبب ذلك ارتفاعا لسعر المخدرات على المستوى العالمي. ومحاولة منهم وسّع الفلّاحون رقعة الأراضي الرزاعية للمخدرات، فبلغ انتاج الحشيش عام 2013م، 5500 طن.

وفي عام 2014م، بلغت رقعة الأراضي الزراعية للمخدرات 250 ألف هكتار، وبدأ زرعها من جديد في بعض المديريات وأنتج ذلك 6400 طن من المخدرات.

الجدول الثاني: انتاج المخدرات من 2011م، إلى 2015م

Ar-2

لكن الإحصاءات التي نُشرت هذا العام هي إحصاءات تبعث الأمل. فرغم الاضطربات الأمنية الواسعة، قلت رقعة الزرع 19%، كما وقل مستوى الانتاج بسبب سوء الأوضاع الجوية والأمراض النباتية، 48%، ووصل 3300 طن، وبالنظر إلى التجربة الماضية يمكن التنبوء أن سعر المخدرات سيرتفع في الأسواق العالمية، وأننا سنشهد ارتفاعا في انتاج المخدرات عام 2016م[1].

إرهاب الحشيش

يدعي بعض المسؤولين الأمريكيين أنهم يبقون قواتهم في أفغانستان من أجل أن لا تصبح أفغانستان “دولة المخدرات”. أثناء بدء الغزو الأمريكي ادعت أمريكا وحلفائها أن هناك علاقة قوية بين “الإرهاب” والمخدرات. وبما أن “الإرهاب”، يتغذى على دخل المخدرات في أفغانستان، تتطلب إزالة “الإرهاب” مكافحة مصادر انتاج المخدرات.

فإن كانت القوات الأجنبية جائت إلى أفغانستان لإزالة “دولة الإرهاب”، لم لا تنجح في ذلك، والحال أن تواجد هذه القوات تمركز في الولايات التي يوجد بها أكبر مستويات انتاج المخدرات؟

مع أن ازدياد زرع وتهريب المخدرات في أكثر من عقد مضى، لم يكن لعامل واحد وقد لعبت في ذلك عوامل عدة منها داخلية وأخرى أجنبية، إلا أن عدم إرادة دولية وداخلية قوية في مكافحة المخدرات هي على رأس تلك العوامل كلها. ومن أسبابها أيضا تواجد المافيا القوية في دورها في مراكز القوة. وهناك اعترافات للمسؤولين الحكوميين وتقارير استقصائية إعلامية تؤكد صدق هذا الرأي.

تدعي الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي أن ارتفاع زرع المخدرات وتهريبها ذو علاقة قوية مع الحرب والاضطرابات الأمنية في البلد، وعلى أساس إحصاءاتهم تشهد الولايات المضطربة أكبر جزء من انتاج المخدرات. من دون أدنى شك يؤثر ذلك على توسّع زرع المخدرات وعلى تهريبها، لكن هذا الادعاء ذريعة بحتة لوضع الغطاء على فشل عملية مكافحة المخدرات. لأنه وبعد عام 2002م، إلى سنوات عدة أخرى كان زرع الحشيش موجودا في المناطق الآمنة، وكان سببه أن مافيا المخدرات خلافا للماضي أصبح أكثر تنظيما وتنسيقا[2]. فقبل 2001م، كانت أنشطة مافيا المخدرات محدودة ومن بعد ذلك صارت لها صلات مع مافيا على المستوى الدولي والإقليمي.

تربة خصبة للمخدرات

على أساس إحصاءات منظمة مكافحة المخدرات للأمم المتحدة، يصل معدل المحصول الزراعي للخشخاش في هكتار –فدان- واحد من الأراضي في أفغانستان 56 كيلوغراما، فيما يصل هذا المعدل في المثلث الذهبي كدول ميانمار، وتايلاندا ولائوس وجنوب آسيا 15 كيلوغراما فقط.

ذهبت مؤسسة “UNODC” في تقريرها إلى أن “البانجو” أو القنب الهندي –وهو البذرة التي تنتج الخشخاش والحشيش- يتم زرعها في بلدان أخرى أيضا، ولكن محصولها في أفغانستان مثير للدهشة. إن هذا النبات ينتج 145 كيلوغراما في هكتار واحد في أفغانستان ويكون هذا الإنتاج في المغرب 40 كيلو غراما فقط. ولذلك تُعتبر أفغانستان أكبر منتج للخشخاش.

من جهة أخرى، تسبب مشاكل الفلّاحين في زرع محاصيل مجازة بها مثل القمح، وغيره تجعل الفلّاحين يزرعون الحشيش. ارتفاع سعر السماد، والأدوية الزراعية، تجعل من الصعوبة بمكان زرع هذه المحاصيل ويكون دخل زرع الحشيش في هكتار واحد أضعاف ذلك في زرع القمح.

انتاج المخدرات في أفغانستان

بناءً على تقرير مؤسسة مكافحة الجرائم والمخدرات في الأمم المتحدة “UNODC” في فترة ما بين 2001م و2010 تم إنتاج ما يعادل 70 مليار دولار من المخدرات في أفغانستان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كم كانت منفعة أفغانستان والفلاح الأفغاني من هذه المبالغ الضخمة؟

جاء في التقرير نفسه، أن حصة المزارعين من مجموع 70 مليار دولار كانت مليارين اثنين فقط، وقد ذهبت 66 مليار دولار منها إلى جيوب المهربين ومافيا المخدرات الدولي خارج أفغانستان. وترى المؤسسة أن 200 مليون دولار –20 مليون دولار سنويا- ذهبت إلى المعارضة المسلحة في أفغانستان.

مكافحة المخدرات والفساد الإداري

بناءً على تقرير مراقب أمريكا الخاص في أفغانستان، طيلة 14 سنوات الماضية صرفت أمريكا 7 مليار و600 مليون دولار في مجال مكافحة الإرهاب في أفغانستان[3]. إذا كانت هذه الآراء صحيحة، يبدو أن أمريكا صرفت ثلاثة أضعاف ونصف مقابل دخل الفلّاحين من الحشيش، ولم تحصل على أي نتيجة.

في دول مثل أفغانستان، تديرها “حكومات فاشلة”، صرف المبالغ في مكافحة المخدرات يكون دعما للمسؤولين الحكوميين الفاسدين، ولم يربح الفلّاحون منها شيئا. وليست هناك معلومات دقيقة حول كيفية صرف هذه المبالغ الكثيرة، لكنه من المعلوم أن الفلّاح الأفغاني لم يربح منه قط.

إن دور الدول المانحة الغربية في مكافحة استخدام المخدرات فيها، حيوي في مكافحة طلب المخدرات. لا تنحصر المكافحة في البلد المنتج، لأن قلة الانتاج بأي دليل ترفع سعرها في السوق، وسيكون دافعا لزرع المخدرات في السنة القادمة. لذلك ينبغي أن تكون هناك مكافحة جادة مع المخدرات في البلدان الصارفة.

وأخيرا ينبغي القول إن تشكيل حكومة مسؤولة قوية مسيطرة على كل البلد هو الحل الوحيد للأزمة. ويمكن ذلك في حال إحلال الأمن بالبلد فقط. لذلك إن خطة مكافحة المخدرات، مثل أي خطة أخرى، تنتظر السلام، ومن دون السلام سوف تبقى أفغانستان متصدرة قائمة الدول المنتجة للمخدرات.

النهاية

[1] See online: https://www.unodc.org/documents/crop-monitoring/Afghanistan/Afg_Executive_summary_2015_final.pdf

[2] See online: http://dailyafghanistan.com/opinion_detail.php?post_id=127447

[3] See online: https://www.sigar.mil/pdf/Special%20Projects/SIGAR-15-10-SP.pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *