عام 2016 ومكافحة الفساد

 

مع بداية عام 2017م في أول خطوة تخطوها الحكومة نحو مكافحة الفساد، أصدر رئيس الجمهورية أشرف غني مرسوما بإحالة كل من مجتبى بتنك وجميل جنبش و جمال ناصر صديقي النواب السابقين بوزارة الداخلية الأفغانية إلى النيابة العامة تحت تهمة “الفساد في التعاقدات” وأعلن منعهم من الخروج من البلد. علاوةً على هذا، تم إيقاف منصب عبدالرزاق وحيدي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات من قِبل رئيس الجمهورية بتهمة الفساد المالي.

رغم أن قادة حكومة الوحدة الوطنية عدوا الفساد أحد أكبر التحديات ووعدوا الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي بالوقوف الجاد في وجه هذه المشكلة، إلا أنه مع هذه الوعود وبعض الخطوات العملية زادت نسبة الفساد في عام 2016 مقارنةً بالعام الماضي ولم تنجح الحكومة في مكافحتها لهذه الظاهرة.

 

حكومة الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد

كانت إحدى وعود وأولويات قادة حكومة الوحدة الوطنية المكافحة الجادة ضد الفساد؛ إلا أنه وبرغم بعض الخطوات المتخذة من جانب الحكومة كان معدل الفساد في تصاعد خلال العامين المنصرمين من فترة الحكومة، ولازال اسم أفغانستان قابعاً ضمن الدول التي تواجه معدلات مرتفعة من الفساد.

في الأيام الأولى من توليه لمنصبه أصدر الرئيس أشرف غني مرسوما بفتح ملف بنك كابل وتعهد بمعاقبة المتورطين في القضية؛ ولكن بمرور أشهر ضعفت وقفة الحكومة تجاه القضية ولم يتم إنجاز تعهدات رئيس الجمهورية.

اتخذت الحكومة خطواتٍ أخرى منها تأسيس المفوضية الوطنية للمشتريات والتحقيق في ملفات اختلاس مالي لستة من مناصب الحكومة بوزارة إنشاء المدن وإحالة قضاياهم للدوائر القضائية، وإعلان حظر الخروج على اثنين من رؤساء البلدية السابقين و 150 مقترضٍ في قضية بنك كابل، وإلغاء عدد من عقود وزارة الدفاع أفادت التقارير بوجود فساد ضخم فيها. إلا أن الشيء الذي عجز عنه قادة حكومة الوحدة الوطنية حتى الآن هو محاكمة المفسدين في داخل الحكومة. من أسباب ذلك الائتلاف الحاصل في الحكومة، لدرجة أنه عندما ازداد الخلاف الداخلي بين قادة الحكومة اتهم رئيس الجمهورية الرئيسَ التنفيذي بالدفاع عن المفسدين.

من جانب اقتصرت مكافحة الفساد في حكومة الوحدة الوطنية على رفع الشعارات، ومن جانبٍ آخر لم يتم التنسيق في الخطوات المُتخذة وإنما اتخذت خطوات متناقضة كما حدث في قضية خليل الله فيروزي.

 

الفساد في عام 2016

بجانب جميع التحديات الأخرى كان الفساد من أهم المشاكل التي تواجهها البلاد في عام 2016. في هذا العام رغم التعهدات المكررة من جانب الحكومة في صدد مكافحة الفساد، اعتُبرت أفغانستان ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم.

في آخر تقريرٍ صادر من منظمة الشفافية العالمية احتلت أفغانستان المرتبة الثالثة عالميا في الفساد.[1] في حين أن أفغانستان في العام الماضي حسب تقرير هذه المنظمة احتلت المرتبة الرابعة بعد السودان وكوريا الشمالية والصومال. أفادت المنظمة في دراسةٍ أخرى أن 50% من المواطنين الأفغان دفعوا رشاوى تصل إلى أربعة مليارات دولار في مختلف الدوائر الحكومية الأفغانية[2].

أعلنت مؤسسة الشفافية بأفغانستان بناء على دراستها الحديثة أن الأفغان سنويا يدفعون رشاوى تبلغ ثلاث مليارات دولار، وأن الفساد بعد البطالة والتدهور الأمني ثالث أكبر مشكلة يواجهها الشعب الأفغاني.[3] قبل عامين أعلنت هذه المؤسسة أن مشكلة الفساد هي ثاني أكبر مشكلة يوجهها المواطنون، إلا أن مقدار الرشاوى المعلن حينها كان ملياريْ دولار.

بالإضافة إلى هاتين المنظمتين،    ذكرت منظمة آسيا فاونديشن في دراستها السنوية أن سخط المواطنين من حكومة الوحدة الوطنية كان في ازدياد عام 2016، حيث أظهر 50.9% من المجيبين على الاستطلاع في جميع ولايات أفغانستان عدم رضاهم عن إنجازات حكومة الوحدة الوطنية. حسب استطلاع قام به مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، في منتصف عام 2016 صرح 76% من المشاركين في الاستطلاع بأن الحكومة لم تكن صادقة في مكافحة الفساد.[4]

انتقد مندوب الأمم المتحدة بأفغانستان الفساد الحاصل بالبلد وبيع المناصب الحكومية في هذا العام، وطالب بإصلاحات عملية في شؤون الحكومة. صرح المسؤولون في الأمم المتحدة أن مناصب الشرطة والعقود بأفغانستان تُباع كما تُباع البضائع والسلع.[5]

 

الخطوات العملية التي اتخذتها الحكومة

في عام 2016 اتخذت حكومة الوحدة الوطنية بعض الخطوات العملية أيضاً. صدرت هذه الخطوات في الغالب كاستعدادٍ لمؤتمر بروكسل والذي تُدرس فيه أنشطة الحكومة حيال مكافحة الفساد. في مؤتمر بروكسل المنعقد في الرابع والخامس من أكتوبر بعاصمة بلجيكا أعلن قادة حكومة الوحدة الوطنية إنجازاتها في هذا الصدد وهي: إقالة 600 قاضي في جميع الولايات و 20 مدعي و 25% من موظفي الجمارك، ومصادرة جوازات أكثر من 100 مسؤول حكومي، وحصر ممتلكات 95% من المسؤولين الحكوميين، وتسجيل 6000 عقار، واعتماد نحو 1250 عقد وتوفير 220 مليون دولار من قِبل اللجنة الوطنية للمشتريات.[6] مع أن المؤسسات المستقلة لم تُعلن عن هذه الإنجازات في تقاريرها.

من الخطوات المتخذة من قِبل الحكومة تأسيس (مجلس الشورى الأعلى لمكافحة الفساد) والذي يرأسه الرئيس غني بنفسه. بدأ نشاط مجلس الشورى في الخامس من أبريل بعضوية كل من النائب الثاني لرئيس الجمهورية ورئيس المحكمة العليا والمدعي العام ووزير العدل ورؤساء إدارة التفتيش ومكافحة الفساد. يقوم عمل هذا المجلس على إرشاد وقيادة ودعم أنشطة المراكز العاملة في مجال مكافحة الفساد. وفي الوقت ذاته يدون المجلس الخطط والاستراتيجيات اللازمة ويعتمدها ويُشرف على كيفية تنفيذها؛ ومع ذلك لم يحقق المجلس الإنجازات المتوقعة.

تأسيس “المركز العدلي والقضائي لمكافحة الفساد” كان خطوة أخرى في صدد مكافحة الفساد، وعُقدت أول جلسة للمركز مع رئيس الجمهورية والرئيس التنفيذي في الثامن والعشرين من يوليو. تم التأكيد في الاجتماع على المكافحة الحازمة ضد الفساد وعد التدخل السياسي في عمل المركز. وفي حين كان من المُنتظر أن يبدأ المركز بقضايا ملفات المسؤولين الأكابر في الحكومة، بدأ المركز في أول أيام عمله التحقيق في قضية المدعي العسكري المُعتقل بتهمة ارتشاء مبلغ 50000 أفغاني، وبعدها لم يخطو المركز أية خطوات عملية تزيح اسم أفغانستان من صدارة قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم.

حسب إفادات المركز العدلي والقضائي لمكافحة الفساد، منذ بداية نشاطه وحتى آخر عام 2016 تم القبض على عدة مسؤولين حكوميين متهمين بالفساد ويجري التحقيق في ملفاتهم و يصل عدد الملفات التي تمت دراستها 31 ملفا مرتبطا بقضايا الفساد. من الخطوات التي اتخذها هذا المركز: اعتقال ومحاكمة أحد كبار الشرطة بوزارة الداخلية بتهمة ارتشاء مبلغ 150 ألف دولار، وتعليق وظائف ثمانية من كبار الموظفين وأحد وكلاء هذه الوزارة، واعتقال ستة أفراد بتهمة غصب أراضي وثمانية موظفين بالبنك الوطني بتهمة الفساد والتحقيق في قضية أحد قادة مركز الشرطة بولاية آروزكان لأجل احتيال وغسيل أموال بمبلغ 250 ألف دولار وثلاثة ملايين أفغاني وقدرٍ من المبالغ بالعملة الباكستانية والحلي.

مع أن الحكومة اتخذت بعض الخطوات ضد الفساد الإداري بعام 2016م، إلا أن تقارير مراكز التحقيق تظهر إخفاق الحكومة في هذا الصدد وأن نسبة الفساد زادت في هذا العام مقارنة بالعام الماضي. مكافحة الفساد أخفقت بسبب المصالح الشخصية وإذا لم يتم الوقوف الجاد في طريق ظاهرة الفساد لن تُثمر المكافحة أي نتجية مطلوبة. من جانبٍ آخر الأجانب متورطون في الفساد بأفغانستان، ومع ذلك لم تتخذ حكومة الوحدة الوطنية أي خطوة في هذا الشأن.

النهاية

[1] لمزيد من التفاصيل: http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2016/01/160127_afghanistan_transparency_international_ranking

[2] لمزيد من التفاصيل: http://da.azadiradio.com/a/27557807.html

[3] وكالة جمهور الإخبارية، “يدفع الأفغان ثلاثة مليارات دولار رشوة سنويا”:

http://jomhornews.com/doc/news/fa/88536 

[4] “أفغانستان في العقد والنصف الماضي”، دراسة تحليلية منشورة من مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، ص:162، سنة الطبع: 2016م.

[5] مجلة (إطلاعات روز)، “انتقاد يوناما للفساد بالدوائر الحكومية”، يرجى الرجوع للرابط:

http://www.etilaatroz.com/40486

[6] مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، “مؤتمر بروكسل: إنجازات الحكومة وتعهدات المجتمع الدولي”:

https://csrskabul.com/pa/?p=3037

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *