الأوضاع الأفغانية خلال عامها الأول تحت حكم الإمارة الأسلامية
تحرير: مركز الدراسات الاستراتیجية والإقلیمیة
ملاحظة: انقر هنا للحصول على ملف PDF لهذا التحليل.
___________________________________________________________________
ستقرؤون في هذه النشرة:
الأوضاع الأفغانية خلال عامها الأول تحت حكم الإمارة الأسلامية
• مقدمة
• الوضع السياسي
• الوضع الاقتصادي
• الوضع الأمني
• الوضع الاجتماعي
• المسارات المتوقعة
___________________________________________________________________
مقدمة
مضى عام على تولي الإمارة الإسلامية زمام الحكم وسقوط النظام الجمهوري بأفغانستان والذي كان مدعوما من قِبل الولايات المتحدة. في الخامس عشر من أغسطس بالعام الماضي دخلت قوات طالبان مدينة كابل وبعد انتظار لنحو أسبوعين سيطرت القوات المذكورة على محافظة بنجشير وأعلنت انتهاء الحرب في أفغانستان. حينها أعلنت الإمارة الإسلامية عن حكومتها التي تدير الشؤون الداخلية والخارجية بالبلد مع تغييرات طفيفة في أنظمتها كما أن جُلّ المناصب الرفيعة بالحكومة قد مُنحت لأعضاء حركة طالبان.
أحدث سقوط الحكومة السابقة وتأسيس الحكومة الجديدة تحولا كبيرا في حياة المواطنين الأفغان وأحدثا الكثير من النتائج الإيجابية والسلبية على حياتهم والتي شملت الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، وكان من أبرز هذه النتائج على مستوى العالم عودة أفغانستان إلى الحالة السياسية المُهمشة وتفاقم الفقر والأزمة الإنسانية بها وبعض المشاكل الاجتماعية مثل قضية المنع من تعليم وعمل المرأة وغير ذلك من القضايا. في الوقت ذاته صاحبَ هذه التحولات آثار إيجابية كبيرة منها على سبيل المثال توقف الحرب الدامية التي استمرت عقدين من الزمن وحقن دماء المواطنين الذين كانوا يتساقطون ضحايا كل يوم بالمئات.
كيف يمكن تقييم هذا التحول الكبير بعد مرور سنة كاملة؟ ما هي الفرص والتحديات والعقبات الهامة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية؟ وإلى أي اتجاه يسير البلد في هذه الميادين؟ سنحاول الوصول إلى إجابات عن هذه الأسئلة من خلال تقييم العام الأول في ظل الحكومة الحالية.
الوضع السياسي
على الصعيد السياسي واجهت أفغانستان خلال هذا العام صعوبات وتحديات عديدة على المستويين الداخلي والدولي كما كانت هناك إنجازات وجوانب إيجابية. إذا أمعنا النظر في التحول الحاصل في البلد سنلحظ انتهاء حرب العشرين عاما واضمحلال ظاهرة جُزر السلطة وتحولها إلى سلطة مركزية إلى حد كبير؛ ولكن في الوقت ذاته خلقت العقوبات المفروضة من المجتمع الدولي على الإمارة الإسلامية والعزلة السياسية التي تمر بها أفغانستان تحديات وعقبات جديدة أمام الشعب الأفغاني. فيما يلي سنشير إلى بعض تلك القضايا التي كان لها تأثيرها على الوضع السياسي الأفغاني خلال عامٍ مضى.
خلال هذا العام كان أكبر تحدٍّ أمام أفغانستان وتحديدا أمام حكومة الإمارة الإسلامية هو عدم الاعتراف الرسمي بهذه الحكومة الجديدة. مع أن التنبؤات في بداية تشكيل هذه الحكومة قدّرت أن بعض الدول الإسلامية قد تعترف بالإمارة الإسلامية بشكل رسمي ولكن مع مرور عام كامل لم تُبدِ أي دولة استعدادها للاعتراف الرسمي بها. يجدر بالذكر أيضا أن السلطات الروسية قد صرحت عدة مرات بأن الاعتراف الرسمي بحكومة طالبان أمر محتمل.
مع أنه لم تعترف أي دولة بالإمارة الإسلامية اعترافا رسميا إلا أن بعض الدول قد سلكت سبيل التعامل مع طالبان منذ البداية كما أن بعض الدول استضافت على أراضيها دبلوماسيي الإمارة الإسلامية. فضلا عن ذلك سافرت بعض الوفود رفيعة المستوى من قبل الإمارة الإسلامية إلى دول عديدة وبالإضافة إلى اللقاء بمندوبي المجتمع الدولي شاركت في المؤتمرات الدولية المنعقدة بشأن القضية الأفغانية، منها مؤتمر أوسلو بالنرويج المنعقد في 23 و24 من يناير لعام 2022، وكذلك المؤتمر الدولي حول أفغانستان والمنعقد في 26/يوليو لهذا العام بطشقند عاصمة أوزبكستان حيث شارك فيه وفد رفيع المستوى من الإمارة الإسلامية برئاسة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، كما أن عددا من الدول أبقت سفاراتها مفتوحة في كابل ودولٌ أخرى أعادت فتح سفاراتها بعد أن أُغلقت لمدة مؤقتة.
يُفهم من التعامل الآخذ تدريجيا في الاتساع مع طالبان بأنه نوع من الاعتراف بالإمارة الإسلامية بحكم الأمر الواقع أو ما يسمى بحكومة (de facto). من جانبٍ يرى بعض المحللون أن دولا مثل أمريكا تسببت في المنع من الاعتراف القانوني المُعلن (de jure) بحكومة الإمارة الإسلامية، ومن جانبٍ آخر أدت بعض أعمال طالبان وخصوصا ما يتعلق بتعليم وعمل المرأة وبعض القرارات الأخرى إلى تقلص ثقة المجتمع الدولي في الإمارة الإسلامية. بالإضافة إلى قضية الشرعية الدولية وعدم الاعتراف الرسمي من المجتمع الدولي بحكومة الإمارة الإسلامية وُجدت بالداخل تحديات وأوجه قصور عديدة تسببت في وضع عقبات أخرى أمام شرعية الحكومة لحصولها على الاعتراف الدولي.
أهم تحدٍّ على المستوى الداخلي هو الغموض والإبهام حيال نوع نظام الحكم والمصير السياسي للبلد. الحكومة المسؤولة التي أعلنت حكمها وسيطرتها في شهر سبمتبر من العام الماضي ما زالت قائمة. مع أن السلطات قد أدلت ببعض التصريحات في البداية حيال الدستور وما يرتبط به من خطوات قانونية إلا أن صمت المسؤولين الكبار عن هذه القضية قد استمر على حاله ومع مرور عام كامل على هذا النظام لم يُعلن أي موقف رسمي حيال المستقبل السياسي للبلد. وفي أغسطس من العام الماضي أعلنت إمارة طالبان بأن دستور عام 1343 شـ سيُعتمد للتنفيذ على المدى القصير وستُشكل لجنة لتسويد دستور جديد ولكن لم تُتخذ أي خطوات حيال ذلك ويُتصور بأن هذه القضية لا تُعد ملحّة أصلا لدى السلطات. كانت هناك نداءات تدعو لإقامة مجلس الشعب الشامل – أو ما يُدعى باللويا جيرغا – لأجل الحصول على الشرعية وتثبيت الحالة القانونية للحكومة، وقد نُفذ شيءٌ من ذلك بدعوة العلماء لمجلس الشورى في كابل، ويُتصور أن طالبان قد عقدت الاجتماع المذكور على أنه هو المجلس الوطني الأعلى للشورى واستخدمته لإضفاء الشرعية على الحكومة الحالية مع أن جميع المدعوين إلى المجلس كانوا من أعضاء الإمارة الإسلامية أو من أنصارها، كما أن المشاركين لم يبحثوا في القضايا الوطنية.
أهم مطالبة قدمتها الجهات المعارضة للإمارة الإسلامية والمجتمع الدولي خلال العام الماضي هي المبادرة إلى مصالحة وطنية شاملة وتشكيل حكومة مستوعبة تمثل كافة الشعب الأفغاني. في هذا السياق كانت إجابة طالبان المتكررة هي أن الشعب الأفغاني لا يرغب في عودة المسؤولين الفاسدين التابعين للنظام السابق وأمثالهم من دعاة القومية والعنصرية، كما أن النظام الحالي هو نظام مستوعب لكافة الفئات ويعمل به مواطنون من جميع العرقيات والأقاليم. بالإضافة إلى ذلك شكلت الإمارة الإسلامية لجنة لتقليص المعارضات والانتقادات ولطلب عودة الشخصيات السياسية إلى البلد حيث عاد إلى أفغانستان أكثر من مئة شخص من المسؤولين بالنظام السابق، إلا أن النقد القائم في هذا الصدد هو أن طالبان لا تسمح بأي نشاط سياسي كما أن العلماء والمسؤولين في الاجتماع الوطني المشار إليه – ومنهم قائد الإمارة الإسلامية الشيخ هبة الله أخوند زاده – صرحوا بأنهم لن يسمحوا بمنح أي سلطة للمسؤولين بالحكومة السابقة حيث إن ذلك سيُعد إعزازا لهم.
بشكل عام قد أثبت العام المنصرم أن الإمارة الإسلامية لا تسمح بأي شكل من أشكال العمل السياسي كما أنها لا تعتمد على أي شخصٍ من غير حركة طالبان للعمل في المناصب القيادية العليا، ولأجل هذا تم إلغاء قسم الأحزاب السياسية من وزارة العدل وعُزل القادة والمسؤولون من النظام السابق عن لعب أي دور سياسي بالبلد وخصوصا الرئيس السابق حامد كرزاي ورئيس مجلس المصالحة الوطنية الدكتور عبد الله وأمير الحزب الإسلامي قلبدين حكمتيار الذي بقي في كابل منذ البداية.
إذا أردنا أن نقيم الوضع السياسي للبلد خلال هذا العام يمكننا القول بأن أفغانستان مرت بحالة عزلة سياسية على الصعيد الدولي كما أن هناك عوامل بررت لدول العالم استمرار سياستها في تهميش أفغانستان وساعدت على بقاء هذه الحالة مثل استهداف قائد تنظيم القاعدة بكابل وتعامل طالبان مع بعض قضايا حقوق المرأة، ومع ذلك فإن تعامل بعض الدول مع طالبان ولّد بصيصا من الأمل وأخرج البلد من حالة التهميش الكامل. وعلى الصعيد الداخلي كان التحدي المُقلق لجميع الأفغان هو الغموض حيال مستقبل النظام السياسي بالبلد وحالة الإبهام حين يأتي الحديث عن دور عامة المواطنين في العملية السياسية والمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالمصير السياسي؛ ومع ذلك فإن عودة بعض السياسيين إلى أفغانستان اعتُبرت خطوة واعدة وبشرت بتقليص الخلافات مع النظام الحاكم.
الوضع الاقتصادي
الاقتصاد الأفغاني خلال العقدين الماضيين كان يعتمد بالكلية على المساعدات الدولية ومع حصول التحول السياسي في البلد قبل عام توقفت هذه المساعدات ومن جانب آخر جمدت الولايات المتحدة الأمريكية ثروات أفغانستان المصرفية ولأجل هذا كله مر البلد خلال هذا العام بتحديات ومخاوف اقتصادية صعبة. مع أن الأفغان واجهوا خلال هذا العام صعوبات وتحديات اقتصادية كثيرة إلأ أن هناك خطوات وتطورات اقتصادية بالبلد حالت دون وقع الانهيار الاقتصادي الكامل.
المخاوف الاقتصادية الأهم خلال العام الماضي كانت ناشئة من العقوبات الدولية المفروضة على الإمارة الإسلامية والثروات المصرفية المجمدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض المؤسسات الدولية. مع أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على أفغانستان قد خفت وطأتها شيئا فشيئا خلال العام الماضی حيث أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية تصاريح سهلت التعامل المالي مع أفغانستان إلا أن العقوبات المذكورة بشكل عام وتجميد الثروات المصرفية الأفغانية بشكل خاص كان لها أثر سلبي عميق على الاقتصاد الأفغاني، فمن جانب تسبب الوضع المذكور في قلة السيولة المالية في البلد ومن جانبٍ آخر بات استخراج الأموال النقدية المحدودة من المصارف أمرا صعبا لقلة السيولة مما عرض الأفراد والشركات لتحديات كبيرة.
الإمارة الإسلامية رغم الكثير من المساعي لم تقدر خلال هذا العام على فك التجميد عن الثروات المصرفية المجمدة. مع أن الآونة الأخيرة قد شهدت اتفاقات بين الجانبين الأفغاني والأمريكي زادت الأمل في فرص فك التجميد عن الأموال المذكورة إلا أن السلطات الأمريكية عقب استهداف زعيم القاعدة بمدينة كابل قد أكدت مجددا على عدم استعدادها لفك الأموال المجمدة. وبالعكس برزت تقارير مؤخرا تفيد بأن المحاكم الأمريكية رفضت المطالب التي تدعو لدفع الغرامات من الأموال المذكورة إلى ذوي ضحايا أحداث 11 سبتمبر.
الدعم المحدود المقدم من المجتمع الدولي لأفغانستان قد استمر طيلة العام وخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية وتسبب – بجانب بعض العوامل الأخرى – في حفظ النظام المصرفي الأفغاني من الانهيار الكامل؛ إلا أن التصور الاقتصادي العام يفيد بأن المساعدات الإنسانية وحتى فك التجميد عن أموال أفغانستان المصرفية لوحدها لا تكفي للحفاظ على الاقتصاد الأفغاني والمنع من وقوع أزمة إنسانية على المدى الطويل. هذه الأسباب حدت بالمندوب الخاص لهيئة الأمم المتحدة بأفغانستان ديبورا لاينز لأن يقول في “المؤتمر الاقتصادي الأول لأفغانستان” والمنعقد بتاريخ 19/يناير/2022 إن المساعدات الإنسانية لا تمثل حلا طويل المدى وأن من الضروري العمل على إيجاد حل جذري للأزمة الاقتصادية بأفغانستان.
القضية البارزة الأخرى خلال العام الماضي هي قيمة العملة الأفغانية مقابل الدولار حيث كان لها تأثير مباشر على حياة المواطنين الأفغان وأسعار السعل الأساسية في الأسواق. العملة الأفغانية بعد تسلم الإمارة الإسلامية للحكم باتت تخسر قيمتها مقابل الدولار حتى بلغ سعر الدولار الواحد مبلغ 100 أفغاني لمدة مؤقتة مما تسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلا أن خطوات عاجلة قد اتُّخذت من قِبل الإمارة الإسلامية مهدت للعملة الأفغانية أن تحافظ ببطء على ثبات قيمتها. خلال الأشهر الماضية كان مصرف أفغانستان يضخ مبلغ 13 إلى 14 مليون دولار في الأسواق لأجل ثبات قيمة العملة الأفغانية، وهذا الأمر بالإضافة إلى عوامل أخرى أبقى سعر الدولار بالعملة الأفغانية ثابتا بين 88 و 90 أفغاني. وقد تم كل هذا في وقت اشتداد الحرب بين روسيا وأوكرانيا وغير ذلك من التحديات التي رفعت من قيمة الدولار وجعلت العملة المحلية بدول المنطقة تخسر قيمتها مقابل الدولار.
على المستوى الحكومي تسبب تقليص الفساد الإداري في زيادة الإيرادات الوطنية. مع أن بعض التقارير المنشورة تحكي وقوع فساد في بعض الإدارات مثل إدارة الجوازات إلا أن الجهاز الإداري بشكل عام شهد تقلصا كبيرا في نسبة الفساد، ولأجل هذا زادت الإيرادات ببعض الإدارات المهمة. صرحت وزارة المالية بالمؤتمر المنعقد حيال إنجازاتها بأن الحكومة قد جمعت إيرادات تبلغ 151 مليار أفغاني. وزارة البترول والمعادن تحكي جمعها لإيرادات أسبوعية تتراوح بين 200 و 400 مليون دولار كما صرحت قيادة هذه الوزارة ضمن تقريرها حيال إنجازاتها بأنها أودعت مبلغ 13.2 مليار أفغاني بخزانة الحكومة خلال العام الماضي مما يُعد غير قابل للمقارنة مع إيرادات هذه الوزارة بفترة الحكومة السابقة.
في السياق ذاته صرحت وزارة الاتصالات والتكنولوجيا بجمعها إيرادات خلال العام الماضي بلغت نحو 6.9 مليار أفغاني مما زاد على إيراد الوزارة بالحكومة السابقة بمبلغ 1.2 مليار أفغاني. وزارة النقل كذلك ذكرت في تقريرها بأنها أودعت بخزانة الدولة مبلغ 4.5 مليار أفغاني. وكذلك زادت الإيرادات ببقية الإدارات بسبب المنع من ظاهرة الفساد.
من جانبٍ آخر على المستوى الحكومي تم إعداد واعتماد ميزانية عام 1401 هـ شـ للمرة الأولى من الميزانية الوطنية الخالصة حيث بلغت إجمالا مبلغ 231 مليار أفغاني. يُشكل مبلغ 203 مليار أفغاني من هذا المبلغ الميزانيةَ العادية كما أن مبلغ 28 مليار أفغاني قد خُصص للميزانية التنموية. وفق تصريح وزير المالية هناك كسر في الميزانية بمقدار 44 مليار أفغاني إلا أن الوزارة تعتزم الوصول إلى أهدافها بحلول نهاية العام من خلال الأنظمة المالية المطروحة. هذه الميزانية تقارب نصف ميزانية الدولة بالحكومات السابقة حيث كانت أجزاء كبيرة من الميزانية في السابق تُخصص للحروب. ميزانية البلد عام 1400هـ شـ بلغت نحو 473 مليار أفغاني حيث كان مبلغ 311 مليار أفغاني منها مخصصا للميزانية العادية كما خُصص مبلغ 161 مليار للميزانية التنموية. نحو 75 بالمئة من ميزانيات الحكومة خلال الأعوام الماضية كانت ترد من المساعدات الدولية وخصوصا من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال العام الماضي أعلنت مؤسسات دولية مختلفة عن مخاوفها حيال الأزمة الاقتصادية بأفغانستان وأنذرت بقرب وقوع مأساة إنسانية بالبلد وناشدت بضرورة تقديم المساعدات لتجتنب البلاد الوقوع في أزمة إنسانية حادة. على سبيل المثال أعلنت إدارة برنامج الغذاء العالمي بهيئة الأمم المتحدة (WFP) ومنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (FAO) في العاشر من مايو بأن نحو 20 مليون شخصا –وهم يُشكلون نصف سكان البلد تقريبا – في أفغانستان يُعانون من المجاعة. أفاد التقرير كذلك بأن المساعدات الإنسانية المُقدمة في فصل الشتاء قد حالت إلى حد كبير دون وقوع أزمة إنسانية إلا أن الشعب الأفغاني مع ذلك يواجه حالة اقتصادية صعبة.
إذا أردنا أن نقيم الحالة الاقتصادية خلال العام الماضي بشكل عام سنلحظ أن الأزمة الإنسانية والاقتصادية الحاصلة بعد أغسطس من العام الماضي بقيت تحت السيطرة إلى حد ما وخاصة أن العملة الأفغانية قدرت على أن تحفظ قيمتها مما كان له أثر إيجابي على أسعار السلع الأساسية بالأسواق. أحد أسباب هذا الثبات هو ضخ الإغاثات الإنسانية إلى أفغانستان. وقد تمت هذه السيطرة النسبية على الأوضاع في حين تأثر أفغانستان خلال الأشهر الماضية بحرب روسيا وأوكرانيا حيث ارتفعت جراءها أسعار السلع الأساسية والنفط والغاز.
الوضع الأمني
إذا أردنا أن نقيم الوضع الأمني خلال العام الماضي يمكننا القول بأن الحرب الدامية التي استمرت عشرين سنة قد توقفت كما أن دماء الأفغان التي كانت تسيل من المئات يوميا قد حُقنت بالكامل في بعض المناطق كما قلت نسبة وقوع ضحايا الحرب في مناطق أخرى. مع أن هذه النقطة تشكل أكبر جانب إيجابي في التحول الحاصل في أفغانستان إلا أن الحرب والاضطراب الأمني لم يتوقفا بشكل كامل في البلد، وخاصة استهداف المدنيين وأماكن العبادة من قِبل تنظيم داعش حيث إن هذا الأمر شكل تحديا كبيرا أمام الإمارة الإسلامية والشعب الأفغاني بشكل عام.
صرحت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) التي تسجل عدد الضحايا المدنيين في أفغانستان كل عام منذ 2009 في تقريرها الصادر بتاريخ 20/يوليو/2022 بأنه على الرغم من تقليل المواجهات المسلحة وتحسن الوضع الأمني سقط نحو 2106 شخص مدني ما بين قتيل وجريح في مدة عشرة أشهر بعد منتصف أغسطس/2021، منهم 700 قتيل و1406 جريح، ومعظم هؤلاء الضحايا سقطوا جراء هجمات داعش. تُعد هذه الأرقام قليلة بالمقارنة مع معدل سقوط الضحايا في الأعوام السابقة. تقرير يوناما حول الأشهر الست الأولى من عام 2021 أفاد وقوع 5183 جرحى وقتلى في النصف الأول فقط من ذلك العام، بلغ عدد القتلى منهم 1659 شخص كما أن عدد الجرحى وصل إلى 3254 شخص.
مع أن المتحدث باسم الإمارة الإسلامية ذبيح الله مجاهد اعتبر التقرير دعائيا وردّ ما فيه من أرقام إلا أن العام الماضي شهد هجمات وتفجيرات متفرقة أدت إلى وقوع خسائر كبيرة. كما أن البلد شهد استهدافات قليلة مشابهة لنظيراتها في العهد السابق، ووُجدت معارضات مسلحة ببعض الولايات صحبتها خسائر عديدة، إلا أن هذه الخسائر إلى حد كبير طُويت ضمن تعتيم الحكومة.
إذا ألقينا نظرة على عدد من الهجمات الكبرى التي نفذتها داعش سنجد أن هذا التنظيم دبر هجمات دامية خلال الأشهر التالية لتحول منتصف أغسطس، إلا أن تنظيم داعش في الفترات الأخيرة قد هُزم إلى حد كبير كما أن هجماته قد قلّت بشكل ملحوظ. معظم الهجمات المُدبرة من داعش والمستهدفة للمدنيين طالت الشيعة والمناطق المأهولة بالسكان الشيعيين. شهر أبريل من هذا العام كان هو الأكثر دموية في هذا الجانب. في تاريخ 19/أبريل/2022 شُنت هجمة على مدرسة بضاحية (دشت برجي) وسقط جراءها 9 قتلى وأكثر من خمسين جريحا. بعد هذا الحدث بيومين تم استهداف المصلين في مدينة مزار شريف مما أسفر عن مقتل أكثر من أربعين شخصا وجرح أكثر من تسعين شخصا. بعد ذلك بيوم في تاريخ 22/أبريل حصل تفجير في حضرة صوفية بمديرية إمام صاحب في محافظة كندوز وقُتل فيه 33 شخصا وجُرح 43 شخصا. وفق تقارير أخرى حصد هذا التفجير أرواح 60 شخصا. بعد هذه الأحداث صرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تاريخ 25/أبريل بأن آخر أسبوع شهد مقتل أكثر من 50 طفلا. وهكذا في تاريخ 29 من نفس الشهر استُهدف مسجد للصوفية بمنطقة دار الأمان بكابل بتفجير دامٍ استُشهد فيه على الأقل 50 شخصا. مع أن المسؤولين أعلنوا عن عدد أقل من القتلى وقالوا إن التفجير تسبب في مقتل 10 أشخاص وجرح 30 آخرين؛ إلا أن وكالة رويترز الإخبارية نقلت عن مسؤولي القطاع الصحي سقوط 66 قتيلا و78 جريحا.
في هذا الشهر حصلت هجمات أخرى في مناطق مأهولة من غير عرقية الهزاره، وتسببت في وقوع أعداد كبيرة من الضحايا. على سبيل المثال في اليوم الأول من أبريل قُتل خمسة أشخصا وجرح 22 آخرون في تفجير بمدينة هرات، وقد قيل بأن هذا التفجير وقع في ضاحية يقطنها الشيعة. كما حصل تفجير في الثالث من أبريل بسوق الصرافة المشهور باسم (سراي شهزاده) ووفق تصريحات مسؤولين مستشفى الطوارئ تم نقل خمسين جريحا إلى المستشفى. وبعد ثلاثة أيام وتحديدا في السادس من أبريل حصل تفجير بمسجد (بُل خشتي) وقت صلاة الظهر ووفق الإحصائيات الرسمية جُرح به أكثر من عشرة أشخاص. في تاريخ 27 من الشهر ذاته كذلك استهدف مهاجمون مجهولون خمسة عمالٍ بمنجم فحم بمدينة سمنجان الشمالية حيث أنزلوهم من السيارة وأردوهم قتلى بالطلق الناري.
حصلت تفجيرات دامية أخرى مثل أحداث شهر أبريل وأسفرت عن وقوع الكثير من الضحايا. على سبيل المثال حصل تفجير في تاريخ 26 أغسطس بالمطار خلال عمليات الإجلاء وقُتل فيه على الأقل 182 شخصا فيهم 13 أجنبيا. في تاريخ 3/أكتوبر/2021 حصلت هجمة على مجلس عزاء والدة المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد والمنعقد بمصلى الأعياد بكابل وحسب التقارير قُتل فيه 8 أشخاص وجُرح أكثر من عشرين شخصا. وفي تاريخ 8 و 15 من أكتوبر حصلت هجمات دامية استهدفت مساجد الشيعة بمحافظات كندوز وقندهار وقُتل بها نحو 100 مدني وجُرح نحو 200 شخص. في حدث ولاية كندوز قُتل 46 شخصا وجُرح 143 آخرون، وفي تفجير قندهار قُتل 47 شخصا وجُرح أكثر من 70 شخصا. في تاريخ 2/نوفمبر/2021 شن تنظيم داعش هجوما مسلحا على مستشفى (سردار داود خان) وسقط جراءه على الأقل 23 قتيلا وأكثر من 50 جريحا. وكان ضمن القتلى أحد قادة طالبان الشيخ حمد الله نوروزي الذي كان يرأس كتيبة قوات الدفاع بكابل. الشيخ نوروزي هو أول من دخل القصر الرئاسي عقب دخول طالبان إلى العاصمة كابل وأول من جلس خلف طاولة الرئيس الأفغاني السابق.
هناك جوانب أخرى جديرة بالذكر عند تقييم الوضع الأمني خلال العام الماضي. في بعض المناطق نشطت معارضات مسلحة عديدة تحت مسميات مختلفة إلا أن الخسائر الناجمة عن القتال معها كانت تحت تعتيم مستمر. الحدث الأمني الهام الآخر هو استهداف قائدة تنظيم القاعدة بتاريخ 2/أغسطس/2022 الذي يدل على تحكم الولايات المتحدة الأمريكية على الفضاء الجوي الأفغانية واستمرار التهديد الحاصل للأفغان من قِبلهم ويغلب على الظن أن الطائرات الأمريكية دون طيار تدخل أفغانستان عبر جو باكستان. لذا طلب وزير الدفاع المفوض بالإمارة الإسلامية حين عرضه تقرير الوزارة السنوي من الجهات الباكستانية أن لا تستخدم جوها ضد أفغانستان. الحدث المهم الآخر الذي وقع بشهر أبريل هو شن الطائرات الباكستانية غارات على أرض أفغانستان، الأمر الذي كان كفيلا بتعقيد العلاقة بين الدولتين وقد سقط جراء القصف خمسون شخصا على الأقل، بينهم 20 طفلا. تم التنديد بهذه الهجمة من قِبل وزير الدفاع بأشد العبارات وصرح بأنه سيتسامح هذه المرة لأجل المصالح الوطنية إلا أن تسامحه لن يتكرر إذا وقعت هجمات أخرى على أراضي أفغانستان. كذلك صدرت تقارير حول حصول اشتباكات على الحدود مع إيران وقد تم حسم معظمها من خلال دبلوماسيي الطرفين.
إذا أردنا أن نخلص إلى نتائج في تقييمنا للوضع الأمني للبلد خلال العام الماضي فسنجد أن هذه السنة شهدت توقف الحرب الدامية التي كانت تحصد يوميا أرواح المدنيين والمئات من طرفي النزاع طيلة عقدين تقريبا. إلا أن هجمات وأنشطة داعش والمعارضات المسلحة للإمارة تحت مسميات مختلفة تسببت في وقوع خسائر مكلفة في صفوف الشعب الأفغاني. الإمارة الإسلامية قدرت على أن تسيطر على هذه الأوضاع شيئا فشيئا وبعد أن كسرت شوكة داعش استطاعت أن تخمد جذوة المعارضة المسلحة ويمكن التمثيل على ذلك بقتل قائد المعارضة من عرقية الهزارة (مهدي مجاهد) وكبح القوات التابعة له. كذلك يظهر أن المعارضة المسلحة بمحافظة بنجشير والمحافظات الواقعة شمال كابل قد تكبدت خسائر كبيرة ولم تعد قادرة على إحراز أي تقدم ميداني ملحوظ.
الوضع الاجتماعي
على الصعيد الاجتماعي كانت هناك عدة قضايا بارزة لفتت الأنظار على مستوى محلي ودولي واسع من أبرزها هجرة الأفغان إلى الخارج بأعداد كبيرة والمخاوف حيال وضع حقوق الإنسان بالداخل وقضايا تعليم وعمل المرأة والبنات ووضع حرية التعبير. في الوقت ذاته مع قدوم الإمارة الإسلامية زالت الكثير من المشاكل الخُلقية والثقافية التي وُجدت خلال العقدين الماضيين وخصوصا البرامج والنشرات الإعلامية المخالفة للشريعة الإسلامية والثقافة الأفغانية التي كانت تُنشر من قِبل قنوات إعلامية مدعومة من الأجانب.
مع التحول الحاصل في أغسطس الماضي سعى الكثير من الأفغان للخروج من البلد بسبب العطالة وبعض المشاكل الاجتماعية الأخرى. خلال ستة أسابيع فقط من سقوط الحكومة السابقة هاجر نحو 124000 مواطن أفغاني من أفغانستان، وبعد تلك الأسابيع هاجر كذلك عشرات الآلاف خل العام الماضي. هذا الأمر تسبب جوا من اليأس في المجتمع كما أنه أحدث فراغا في عملية إعادة بناء وتأهيل أفغانستان على المدى الطويل، وذلك لفقد البلدِ الكثير من المثقفين والمتخصصين.
من جانبٍ آخر تسبب إغلاق مدارس البنات بالمراحل المتوسطة والثانوية لسخط واسع داخلي وخارجي وتُعد هذه القضية من القضايا التي حالت دون اعتراف المجتمع الدولي رسميا بحكومة طالبان. مسؤولو الإمارة الإسلامية أكدوا واحدا تلو الآخر أنهم ليسوا مخالفين لتعليم البنات ولذا سمحوا للطالبات بالدراسة في الجامعات وأنهم يعملون على آليات وأنظمة مناسبة من شأنها أن تحل الصعوبات والمشاكل التي تعترض طريق تعليم البنات في المدارس. إلا أن مرور سنة على هذه القضية يدل على أن هناك خلافا بين قادة طالبان حيال تعليم البنات ولم يقدروا حتى الآن على حسمه. لهذا أعرب النائب السياسي لوزير الخارجية شير محمد عباس ستانكزاي عن مخالفته للموقف الحالي تجاه تعليم البنات وطالب بفتح المدارس. صرح شير محمد عباس مرة بتاريخ 22/مايو/2022 في حديث له قائلا: الإمارة الإسلامية لم تمنح النساء حقوقهن. حاليا لا يوجد تعليم أصلا بأفغانستان. امنحوهن حقوقهن. أين يُفترض أن تتعلم النساء في ظل الشريعة والإسلام؟ من الواضح أن المكان المناسب لتعليمهن هو المدرسة”. وفق تصريحه يجب على الحكومة أن تمنع الفساد، لا أن تهمل حقوق فئة واسعة خوفاً من الفساد.
بالإضافة إلى ذلك كانت هناك مخاوف واسعة على المستوى الدولي حيال حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة ودورها في المجتمع وحقها في العمل. علت نبرة هذه المخاوف حين أصدرت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرارا بفرض الحجاب بتاريخ 7/مايو/2022. في هذا القرار طُلب من النساء أن لا يخرجن من البيت لغير ضرورة، وأن يسترن وجوههن ما عدا العينين إذا احتجن للحديث مع غير المحارم. في حال مخالفة هذا القانون يُستدعى ولي المرأة وقد يصل الأمر به للمحكمة أو حتى إلى السجن. هناك مبحث في هذا المجال وهو أن نمط الحجاب أمر مُختلف فيه. هناك علماء يرون أن وجه المرأة وكفيها لا يدخل ضمن الحجاب وفق المذهب الحنفي وأن طالبان تفسر مسائل الحجاب بنوع من التشدد.
قرار الحجاب الإجباري الصادر من الإمارة الإسلامية أثار ردات فعل دولية واسعة وقد عُد مخالفة لما التزمت به طالبان من وعود. علت نبرة هذه الردود حين طالبت وزارة الأمر بالمعروف جميع المذيعات بالقنوات التلفازية أن يلبسن الكمامات حين عرض البرامج والأخبار. في تاريخ 23/مايو/2022 أصدر مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة بيانا يطالب فيه بأن “تعكس الإمارة الإسلامية سياستها فورا” حيال القيود الموضوعة على النساء الأفغان مؤخرا. باتفاق أعضاء مجلس الأمن (الدول الخمس عشرة) صرح البيان بأن واضعيه قلقون إزاء القيود المفروضة على تعلم وعمل وحرية سفر النساء ومشاركتهم الكاملة والمعادلة للرجل في شؤون الحياة العامة. في الوقت ذاته يظهر أن قرارات منع المرأة من التردد والسفر قد تخلق مشاكل عديدة وخصوصا للنساء الاتي لا عائل للأسر غيرهن. يبدو أن الحساسيات كثيرة وبارزة حيال قضايا المرأة لأن هذا الملف خلال العقدين الماضيين شهد الكثير من الإفراط والتفريط كما وُجهت المرأة إلى اتجاهات ومرامي تخالف مذهب الأفغان وثقافتهم، لهذا نجد أن أعضاء طالبان حساسون تجاه هذه القضية.
القضية الاجتماعية الأخرى هي قضية حرية التعبير. في الكثير من الأمور تم احتجاز المراسلين وبعض الناشطين المدنيين، كما تم قمع أي نوع من المظاهرات والحراكات المدنية. هذا الأمر أوجد مخاوف عديدة وهو بنحو ما يُظهر المجتمع على أنه يعيش تحت قبضة الاستبداد. حتى إنه صدر قرار من قيادة الإمارة الإسلامية يفيد منع انتقاد المسؤولين الحكوميين دون مبرر بل يُعدّ مستوجبا للعقوبة التعزيرية. يتساءل المنتقدون لهذه القرارات: إن لم تكن هناك مظاهرات أو حراكات مدنية تنتقد الحكومة فكيف سيوصل الشعبُ رسالته إلى المسؤولين؟ وكيف سيعلم المواطنون بالمشاكل المتعلقة بالشأن العام؟ هذا في حين أنه لم تُعرض أي آلية بديلة لتوصيل الشكاوي.
وبالتالي إن أردنا أن نقيم الوضع الاجتماعي خلال العام الماضي يمكننا القول بأن بعض المشاكل الاجتماعية قد زالت مثل السفور والنشرات والبرامج التلفزيونية الهابطة وما ينحو نحوها، أما ما سوى ذلك فإن الوضع الاجتماعي لم يكن في حالة جيدة، ولأجل عوامل مختلفة هناك يأس اجتماعي هائل تسبب في إقدام الكثير من المواطنين على الخروج من البلد.
المسارات المتوقعة
الوضع السياسي: أهم مشكلة في الجانب السياسي خلال العام الماضي هي شرعية النظام داخليا ودوليا، وذلك لأن الإمارة الإسلامية لم يُعترف بها من أي دولة كما أنها لم تخطُ أي خطوة تجاه الحصول على شرعية داخلية، وبالتالي هناك مساران لهذه القضية. المسار الأول هو أن تستمر طالبان بتشكيلتها الحكومية الحالية وسياستها وإبهامها حيال أنظمتها حتى العام المقبل، وفي تلك الصورة ستسير نحو مزيد من العزلة وستزداد المعارضات الداخلية. المسار المحتمل الثاني هو أن تُبدي الإمارة الإسلامية انسيابية ولينا في بعض الجوانب وخاصة بأن تشكل لجنة لتدوين الدستور وأن تكشف الستار عن نوع النظام والمصير السياسي للبلد، وأن تحل قضية تعليم البنات وأن تُظهر للعامة دورهم المتاح في العملية السياسية وأن تتفاهم مع الجهات الدولية حول بعض القضايا، وفي هذه الحالة لن يقل معدل المعارضة الداخلية فحسب وإنما ستستعد بعض الدول للاعتراف الرسمي بحكومة الإمارة الإسلامية، وذلك لأنه لم تساند أي حكومة حتى الآن – لحسن الحظ – المعارضة المسلحة للإمارة الإسلامية. حسب الظاهر يبدو أن قادة الإمارة الإسلامية يتبنون موقفا صارما تجاه المجتمع الدولي وذلك لشكهم في مطالبات المجتمع الدولي. لهذا قال قائد الإمارة الإسلامية الشيخ هبة الله أخوندزاده في لقائه بالعلماء في كابل: “لا نقبل مطالبات المجتمع الدولي، حتى ولو استخدموا القنبلة النووية”. لذا على الأرجح لن تتغير طبيعة علاقات الإمارة الإسلامية في طابعها السياسي ببقية دول العالم.
الوضع الاقتصادي: إن مصير البلد من الناحية الاقتصادية يعتمد بالكلية على الوضع السياسي، حيث إن الإمارة الإسلامية إذا قدرت على إقناع المجتمع الدولي وحصلت على الاعتراف الرسمي من بعض الدول أو على الأقل زادت في الاتفاقيات والتفاهمات مع الدول الأخرى فإن ذلك لن يُنتج فك التجميد عن أموال البلد فحسب وإنما سيجر أيضا إلى إنهاء أو تقليص العقوبات الاقتصادية المفروضة على أفغانستان، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي بالبلد ونمط الحالة المعيشية لدى الشعب كافة. في الجانب الاقتصادي يبدو أن الأوضاع على أي صورة لن تسير باتجاه التدهور الفادح، حيث إن العام الماضي أثبت قدرة الإمارة الإسلامية على السيطرة على الأزمة إلى حد ملحوظ رغم فرض العقوبات الدولية وتوقف المساعدات الإنسانية التي استؤنفت بعد توقفها. بالإضافة إلى ذلك فإن إنهاء الفساد الإداري أو على الأقل تقليله إلى حد كبير ساعد على تسيير الحالة الاقتصادية بالبلد نحو التحسن.
الوضع الأمني: في الجانب الأمني يبدو أن العام المقبل يسير باتجاه حالة أكثر أمنا من العام الماضي، حيث إن الحكومة في العام الماضي كانت جديدة التأسيس وكانت قواتها غير منظمة كما أن الحكومة كانت تواجه تحديات كثيرة. فيما يتعلق بأمن البلد نرى – لحسن الحظ – أنه لا توجد أي دولة تدعم المعارضة المسلحة، كما أن الإمارة الإسلامية ورثت إمكانيات تسليحاتية كبيرة من النظام السابق ويُلحظ أيضا أن أجهزة الأمن والدفاع المدني تنتظم أكثر مع مرور كل يوم. يبدو أن الساحة الأفغانية ستكون آمنة الجانب من التهديدات الأمنية الخطيرة التي تُعرض استقرار البلد لاضطرابات عنيفة.
الوضع الاجتماعي: الحالة الاجتماعية المتوقعة تبدو دون التطلعات بفارق كبير، وذلك لأن الوضع الاجتماعي يتأثر مباشرة بالسياسات المتشددة التي تفرضها الإمارة الإسلامية. في هذا الصدد يُعتقد أن تركيز حكومة الإمارة الإسلامية على قضايا المرأة يدل على إمكانية زيادة القيود على الحريات الاجتماعية حتى إن هناك تصورات ترى بأن الحكومة ستعود إلى سابق شأنها إبان حكمها السابق حيث يُجلد الأفراد لأجل عدم شهودهم صلاة الجماعة؛ وذلك لأن العام الماضي في أوائله لم يشهد قوانين وقيودا صارمة إلا أن وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصدرت بعض القرارات التي غيرت الأوضاع الاجتماعية. في هذا الصدد يظهر أن قضية تعليم البنات في المرحلتين المتوسطة والثانوية إن لم تُحل فلن يعقب ذلك زيادة الاستياء المحلي فحسب وإنما سيخلق تحديات متزايدة أمام حكم طالبان. في آخر بياناتها طلبت منظمة العفو الدولية من المجتمع الدولي أن تتخذ خطوات عاجلة حیال اکتمال العام الأول من طالبان حتى توقف الإمارة الإسلامية هتكها لحقوق الإنسان. أضافت منظمة العفو أيضا أن طالبان قد انتهكت الحقوق الإنسانية الأساسية بصورة مُمنهجة وقيدت حرية التعبير واعتقلت وعذبت وحتى قتلت الكثير من الأفغان. وهكذا يظهر أن ردود الأفعال الدولية تجاه بعض قرارات الإمارة الإسلامية قد تزداد حدة يوما بيوم مما يُحتمل أن يخلق تحديات متزايدة أمام حكومة الإمارة الإسلامية.