الانتخابات المُزمع انعقادها في 28 سبتمبر وتأثيراتها المحتملة على السلام

المقدمة

عُين يوم 28/سبتمبر/2019 لعقد الدورة الرابعة من الانتخابات الرئاسية في أفغانستان. الوضع الأمني المتدهور والاختلافات السياسية والاتهامات الموجودة بالتزوير والاحتيال في الانتخابات عواملُ أدت إلى عدم ثقة الشعب والأحزاب في نزاهة الانتخابات. كما أن حركة طالبان قد نشرت في بيان لها اعتزامها الإخلال بالانتخابات وهددت باستهداف العاملين في المراكز الانتخابية والمقترعين.

المجتمع الدولي كذلك أدلى بتصريحات حيال تدهور الأوضاع في أفغانستان. كما أن الكثير من الأفغان يخبرون عن تطورات سلبية مُحتملة في أوضاع البلد عقب الانتخابات المُقبلة.

كيف ستجرى الانتخابات الرئاسية المُقبلة؟ إلى أي اتجاه ستسير الأوضاع بعد الانتخابات؟ هل ستفيد الانتخابات في إنهاء أزمة الشعب الأفغاني أم أنها ستزيد الأوضاع سوءا؟ أسئلة نسعى للإجابة عليها في هذا التحليل.

التدهور الأمني؛ تحدٍ كبير يواجه الانتخابات

الوضع المتدهور الأمني والحرب التي تشتد يوما بيوم يُشكلان تحديا كبيرا يقف في طريق الانتخابات الرئاسية. وفق تقارير الوكالات الإخبارية العالمية فإن نصف أرض أفغانستان تقريبا خارج سيطرة الحكومة، وقد صرحت الأمم المتحدة أن عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا جراء الاشتباكات الأمنية خلال السنوات الأربع الماضية يبلغون نحو 40 ألف شخص مدني.

رغم أن الإدارات الأمنية تعد بالحفاظ على أمن مراكز الاقتراع وأنه قد تم تعيين عدد 72 ألف جندي أفغاني للحفاظ على أمن المراكز، إلا أن الشعب والمراقبين الانتخابيين يُبدون قلقَهم من هذه الناحية، وذلك لأن المعارضة المسلحة للحكومة منذ بدء عملية تسجيل بطاقات المقترعين هددت باستهداف موظفي الانتخابات والمُرشحين والمقترعين، ولهذا السبب انصرف الكثيرون عن تسجيل أسمائهم للمشاركة في الانتخابات.

وفق تصريح مفوضية الانتخابات فإن إجمالي عدد مراكز الاقتراع في كافة الولايات يبلغ 7300 مركز، وبالنظر في الوضع الأمني المتدهور يمكننا القول بأن القوات الأمنية تستطيع تأمين عدد 4950 مركزا فقط، أي أن نسبة 32% من المراكز (2350 مركزا) ستكون خارج سيطرة الحكومة. وفق الإحصائيات الرسمية يبلغ عدد الأفراد المسجلين للاقتراع 9 ملايين شخص، ويبلغ عدد أوراق التصويت المطبوعة 11,300,000 ورقة.

هل ستكون الانتخابات نزيهة وشاملة؟

منذ عام 2001م وحتى الآن تم عقد الانتخابات الرئاسية ثلاث مرات، إلا أن الفساد والتزوير في الانتخابات جعل مقاليد الحكم تقع بيد من لا يقدرون على اتخاذ القرارات باستقلالية. وبعد استتباب الأمن بشكل نسبي عقب العام المذكور، ازدادت التدهورات الأمنية يوما بعد يوم حتى باتت مساحات شاسعة من البلد تقبع تحت نيران الحرب.

تجري مراحل الانتخابات الرئاسية في وقت تمنع فيه الحروب عقد الانتخابات بشكل شامل لكافة أنحاء البلد، ومن جانبٍ آخر فإن الفساد في القطاعات الحكومية جعلت الشعب يقلق من نتائج الانتخابات التي يُتوقع أن تكون مليئة بالتزوير، ذلك لأن نزاهة وشمولية الانتخابات ترتبطان ارتباطا مباشرا بسيطرة الحكومة على الوضع الأمني والإداري. وفق تقارير مكتب التفتيش الأمريكي المبعوث لأفغانستان CIGAR فإن نصف البلد خارج سيطرة الحكومة،

كما أن ثقة الشعب قد تزعزت كثيرا في نزاهة الانتخابات بسبب ما رأوه من محاولات للتزوير والاحتيال في فرز الأصوات ونتائج الانتخابات، مما يضع علامات استفهام على مشروعية العملية.

تأثيرات الانتخابات على عملية السلام

في تاريخ 14/سبتمبر/2019م صرح صديق صديقي المتحدث الرسمي باسم القصر الرئاسي الأفغاني أن الانتخابات أولى الأولويات لدى الحكومة الأفغانية.

كما أضاف: “لقد أوقفت الحكومة مساعيها تجاه الصلح، والأولوية حاليا لدى الحكومة هي للانتخابات”. ووضح صديقي بأن متابعة قضية السلام تتعلق بالحكومة التي ستستلم زمام الحكم عقب الانتخابات. فريق (مؤسس الحكومة) الانتخابي سيسعى بكل قدرته للفوز في الانتخابات والاستمرار في الحكم لخمس سنوات أخرى. إلا أننا إذا دققنا النظر في أوضاع البلد فسنعلم أن الانتخابات لن تتوج هذا الفريق الانتخابي تاج الحكم ولن تعود على الشعب بفائدة، وستنتقل العملية إلى الشوط الانتخابي الثاني مما سيؤدي إلى نشوء اختلافات كبيرة بين المرشحين وخلق “أزمة مشروعية” جديدة للبلد. وإذا أعلن فريق مؤسس الحكومة فوزه في الانتخابات فإن المرشحين الآخرين لن يقبلوا النتيجة كما أن حركة طالبان لن تنزع يدا من حربها ضد الحكومة.

والمذكور هو ما يقلق منه أفراد الشعب وقد حذر منه مرارا أبناء الوطن الذين يُدافعون عنه حقيقة. لا شك أن الأولوية التي نحتاج إليها ليست الانتخابات وإنما الأولوية هي إرساء دعائم السلام، الذي لو أن الحكومة اهتمت به بدايةً لكُنا الآن أقرب مسافة من الاستقرار والأمن الشامل. المفاوضات حاليا بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان قد توقفت ويظهر أن الطرفين سيستأنفان سريعا المفاوضات كما أن الحكومة تؤكد على إجراء الانتخابات، ويظهر من الأوضاع الحالية والاضطرابات الأمنية والتزوير المكثف في نتائج الانتخابات وكثرة عدد المرشحين وضعف إدارة مفوضية الانتخابات أن الانتخابات ستنتقل إلى الشوط الثاني مما قد يُشكل أزمة جديدة ستستمر لعدة أشهر. على المسؤولين الأفغان أن يُمهدوا السبل لبدء المفاوضات بين الأفغان وأن يُطالبوا الجانب الأمريكي باستئناف المفاوضات مع طالبان لأجل إحلال السلام بالبلد، كما على طالبان أن تستغل الفرص السانحة وأن يُفاوضوا – بالإضافة إلى الحكومة الأمريكية – الحكومةَ الأفغانية حتى تنتهي أزمة البلد الأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *