اقتراحات حامد كرزاي للحكومة الأفغانية الجديدة
في أيامه الأخيرة وفي كلمة وداعية له مع المسؤولين الحكوميين في القصر الرئاسي، أشار حامد كرزاي إلى التحديات المستقبلية التي تواجهها الحكومة الأفغانية الجديدة، وبناءً على تجاربه خلال 13 سنة مضت قدّم اقتراحات للحكومة الجديدة.
مع أن حامد كرزاي كان مكبل اليدين خلال حكمه بفعل المؤامرات الأمريكية الغربية، إلا أنه أظهر مواقف مناهضة لأمريكا وأبدى بذلك عدم رضاه أمام المواقف الأمريكية.
إن السيد كرزاي في آخير كلمة له كرئيس للبلد، انتقد مرة أخرى السياسة الأمريكية المزدوجة في أفغانستان، وطلب من الحكومة الجديدة أن تراعي الحذر في علاقاتها مع أمريكا. أكد كرزاي أن أمريكا تسعى وراء أهداف خاصة في أفغانستان، ومن أجل تلك الأهداف لا تريد أن يحل السلام في أفغانستان.
صرح حامد كرزاي أيضا أن أمريكا وباكستان تشكلان العرقلة الأساسية لإحلال السلام في بلده، وقال مشيرا إلى التدخلات الباكستانية في الشؤون الأفغانية، إن باكستان سعت كثيرا طيلة السنوات الماضية أن يعترف الأفغان بخط “ديوراند” وكذلك حاولت أن تسيطر على سياسة أفغانستان الخارجية.
ماذا تريد باكستان؟
صرح حامد كرزاي في كلمته أن باكستان عرقلة أمام السلام الأفغاني، وأشار إلى شرطيْ الجانب الباكستاني. مع أن قضية خط ديوراند أصبحت أمر معتادا إلى أن محاولة باكستان للسيطرة على الخارجية الأفغانية أمر كبير ومثير لتساؤلات كثيرة.
إن التعامل مع السياسة الباكستانية المزدوجة التي نهجتها باكستان بمساعدة أمريكية أمر في غاية الصعوبة. وفور إعلان أشرف غني أحمدزاي رئيسا لأفغانستان، هنّأه رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف ودعاه إلى زيارة باكستان، ولكن وخلف الكواليس وفي نفس الليلة قصفت القوات الباكستانية 19 هدفا في ولاية كونر، وهو أمر يعني عدم صلاحية نواز شريف في هذه المناطق. لأن الاستخبارات الباكستانية العسكرية ترى صناعة القرار بشأن كشمير، والهند وأفغانستان ميراثها بلا مشارك.
على الرئيس الأفغاني الجديد أن يضع خطة سياسية قوية تجاه باكستان على صدر أولويات سياسته الخارجية، لأن هذه السياسة في الفترات الماضية كانت ضعيفة جدا، وفي حال استمرار هذه السياسة مع باكستان، وفي حال التعويل على الحكومة المدنية بدلا من الجيش، سوف لا تتخلص أفغانستان من شراك باكستان من دون أدنى شك.
وفي أوضاع باكستان الحالية إذ تستمر مظاهرات عمران خان وطاهر القادري المناهضة لبقاء نواز شريف، يرى بعض المحللين أن الجيش الباكستاني يقف وراء المتظاهرين وأن نواز شريف ليس بوسعه الكفاح معهم. فماذا يمكن لحكومة مدنية في باكستان أن تصنع لصالح أفغانستان؟ على الحكومة الجديدة أن تطلب جوابا صريحا من الجيش الباكستاني، إذ كان هناك هدف آخر غير “العمق الاستراتيجي” الذي تسعى باكستان ورائه، ومن ثم على هذه المحادثات أن تُجرى مع الجيش الباكستاني وأن تتم مناقشة وحل الأزمات على المستوى العالمي. ولكن هذه الأمور كلها تدور حول الموقف الحكومة الأفغانية من السياسة الأمريكية، لأن باكستان نهجت هذه السياسة بمساعدة أمريكية وبريطانية.
العلاقات مع أمريكا والغرب
إن اقتراحات حامد كرزاي للحكومة الجديدة لهي اقتراحات رجل عمل من قرب مع أمريكا والغرب طيلة 13 سنة، وقد أدرك نواياهم جيدا واتخذ أحيانا مواقف مناهضة لهم، فعلى الحكومة الجديدة أن تستغل هذه التجارب بشكل جاد، وأن تتعلم مما ظهر من خفايا السياسة الغربية مع أفغانستان طيلة 13 سنة.
هذا واضح أن أمريكا لم تساعد الأفغان في مجال القوة والقدرة، بل قامت بتلفيق الأوراق ووضعت كل مساعداتها حيث كانت مصالحها. وفي السنوات الأخيرة ظهرت جليا أن الغربيين بنوايا سيئة يريدون أن تستمر حالة أفغانستان كما هي، وفوق كل شيء أصبح معلوما أن الدول الغربية لم ولن تريد إحلال السلام في أفغانستان.
مع أن الرئيس الأفغاني الجديد كان من أعضاء النظام السياسي والحكومي في أفغانستان بعد “قمة بن الآلمانية”، ولكن مشورة كرزاي الوحيدة تحمل أهمية كبيرة ولا ينبغي أن تُنسى. نعرف جيدا أن مواقف كرزاي المناهضة وتصريحاته النارية لم تحدث تغييرا في السياسة الأمريكية، وهو أمر من الصعوبة بمكان للحكومة الجديدة أن تجبر أمريكا على نهج سياسة صادقة مع أفغانستان.
يكفي للرئيس الجديد أن يفكر في المؤامرة التي أجريت أثناء الانتخابات وسببت إطالتها وسوء سمعتها، ليعرف من كان وراء هذه المؤامرة، ومن الذي أثار الفتنة في هذه الفترة ولأي أهداف؟ ترى أمريكا ومعها “الناتو” ودول غربية أخرى مصالحها في استمرار الحرب في أفغانستان، ولا يعدو حديث المساعدات إلا أن يكون شعارا.
الآن فيما تتحدث أمريكا عن توقيع الاتفاقية الأمنية خلال أسبوع، يبدو أنهم لا يرون للمسؤولين الأفغان أية أهمية، ويريدون منهم المساعدة في نيل مصالحهم فقط وفي تنفيذ خططهم. إن الحكومة الأفغانية الجديدة إذا اكتفت بشعار يرفعه الغربيون بشأن مساعدة أفغانستان، وإذا لم تنتبه إلى مؤامرات طويلة المدى تريد أمريكا تنفيذها، فإن هذه الحكومة سوف لا تنجز للشعب الأفغاني أي إنجاز منتظر. النهاية