حتى الآن كرزاي هو الذي يحكم أفغانستان!

تم تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” بعد تأخّر إعلان نتائج الانتخابات الأفغانية لشهور. وهي حكومة دون بنية قانونية في الدستور الأفغاني، وإنما شُكّلت إثر توافق الفريقَيْن المنافسَيْن وبضغوط أجنبية. وشمل هذا التوافق تقاسم السلطة “مناصفة تماما”، وكان يُتوقع أن لا يطال التقاسم أكثر من مناصب الوزراء.

وعد الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني في يوم أدائه اليمين الدستورية بأنه سيشكل حكومته خلال 45 يوما.

ووعد أيضا بأن يتم تشكيل حكومته من أناس نشطاء ومخلصين وذوي تخصصات، وعندما تأخر إعلان الحكومة، عزى ذلك المقربون منه إلى انتخاب وجوه جيدة وأنه لا شيء يدعو للقلق، ولأن “ما يحل حُلوا لا بأس بريثه”.

 

هل الخلاف هو سبب تأخّر تشکيل الحکومة الأفغانية الجديدة؟

لقد حاول الفريقان معا أن لا يظهرا أهمية للخلافات وأن يرفضاها أيضا، ولكن وبمرور الأيام تقوت الشائعات بأن الفريقين غير متفقين بشأن تقاسم السلطة وبأن الفريق المشكل من عشرة أفراد للفريقين والمخوّل إليه انتخاب أعضاء الحكومة قد توقف عمله عند كيفية تقاسم السلطة.

وظهرت المشكلة عندما لم يقتنع الفريق الثاني، أي فريق د.عبدالله بشأن تقاسم السلطة على مستوى الوزراء، بل قدّم للفريق الآخر قائمة تفصيلية، تم فيها تصنيف المناصب بشكل “مفتاحي” و”غيرمفتاحي” ويشمل الوزارات ونواب الوزراء والرؤساء ووالسفراء.

ومن هنا حدث خلاف في تعريف “المفتاحي” و”غير المفتاحي”. على سبيل المثال إن وزارة المالية منصب مالي “مفتاحي” برأي الفريقين، ولكن برأي فريق عبدالله عبدالله إن بعض رياسات هذه الوزارة مناصب “مفتاحية” ىأيضا. بشكل عام وبرأي فريق عبدالله عبدالله إن المناصب المفتاحية في الحكومة أكثر بكثير من فريق أشرف غني ولم يتفق الطرفان بعد على تعريف واضح  للمناصب المفتاحية.

يقال إن بقاء هذه القضية طي الكتمان وعدم ظهورها في الإعلام وللشعب هو من فعل الضغوط الأجنبية.

 

الخلاف على لجان الانتخابات

إن إرثا آخر لحكومة الوحدة الوطنية من أيام حامد كرزاي هو قضية لجنة الانتخابات ولجنة شكاوى الانتخابات. إذ يطلب عبدالله عبدالله إجراء تعديلات فيها، وأن يتم عزل المسؤولين والعاملين فيها الذين أحدثوا التزوير وسببوا الأزمة الانتخابية، وأن يتم تعديل قوانين الانتخابات كي لا تسبب الانتخابات البرلمانية أزمة أخرى، إلا أن الرئيس أشرف غني قد آثر الصمت في الأمر. والحال أن دورة البرلمان الأفغاني بقيت منها ستة أشهر وينبغي إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

من جانب آخر، لا يجيز الدستور الأفغاني للبرلمان، في عامه الأخير، إحداث أي تعديل في قانون الانتخابات كما في قانون اللجان الانتخابية، وهي عرقلة أخرى في وجه التغيير.

وإن يتم إجراء الانتخابات البارلمانية تحت إشراف هذه اللجان وعبر هذه الوجوه، فمن دون أدنى شك سوف يكون مصيرها نفس مصير الانتخابات الرئاسية. إن رؤساء وأعضاء هذه اللجان منصوبون من قبل الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، وهو متهم أيضا بتأزيم الانتخابات الرئاسية عبر إعمال هؤلاء الأفراد.

 

إلى متى الانتظار؟

يقال إن الحكومة الجديدة سوف يتم إعلان تشكيلها قبل مؤتمر لندن، وحتى عندما تم تأجيل المؤتمر كانت هناك شائعات تقول إن المؤتمر تم تأجيله بسبب تأخر إعلان الحكومة. كان من المقرر أن يتم إعلان الحكومة قبل مؤتمر لندن، أي قبل 4 من ديسمبر/كانول الأول 2014م. ولكن يبدو هذا الأمر الآن غير عملي، لأنه من المقرر أن يشارك الرئيس الأفغاني قبل مؤتمر لندن في قمتين أخريَيْن، قمة سارك وناتو. ولذلك ليست هناك إمكانية لإعلان الحكومة قبل مؤتمر لندن.

من جانب آخر إن مؤتمر لندن فرصة للحكومة الجديدة أن ترغب المجتمع الدولي ليستمر في دعمه لأفغانستان، ولكن الرئيس الأفغاني سوف يشارك في المؤتمر من دون رفع الخطوة الأولى، أي انتخاب أعضاء الحكومة.

لا شك أن المجتمع الدولي يشعر بقلق من وجود الخلافات بين الفريقن رغم طمأنة عبدالله عبدالله وأشرف غني. واستمرار هذه الحال سيثير قلقا للشعب الأفغاني. وفيما يتجه الوضع الاقتصادي نحو أزمة، وعلى حد قول مسؤولي وزارة المالية، قد لا تتمكن أفغانستان من دفع رواتب العاملين إلى شهر آخر، قد يسبب تأخر إعلان الحكومة يأسا للشعب.

ويطلب المجتمع الدولي من الحكومة الجديدة أن تكافح الفساد. وفي أول أيام عمله رئيسا لأفغانستان، واستجابة لهذا الطب أصدر أشرف غني فرمانا لفتح ملف “بنك كابل”، وكان من المقرر تصفية حسابه قبل مؤتمر لندن، وهو ما تأخر أيضا.

وأثناء محاكمة المتهمين في ملف “بنك كابول”، ظهر أسماء من أسرة كرزاي ومن أقربائه. وإن يتفتح الأمر كثيرا سوف تظهر أسماء أخرى وتشكل مشكلة للحكومة الجديدة.

 

هل كرزاي يحكم حتى الآن؟

يقوم أشرف غني حاليا بإدارة البلد عبر وزراء ومحافظين غير دائميين، ولا يمكن لهذه الحالة أن تدوم. وهؤلاء الوزراء هم عناوين فساد عهد كرزاي. وليست لهم سمعة حسنة من قبل أيضا. ومن أجل هذا وعد أشرف غني للشعب بأنه لا ينتخب الوجوه القديمة، والآن وبعد مُضي شهرين تقريبا من عمر الحكومة الجديدة، تلك الوجوه هي التي تحكم البلد، وتشارك شورى الوزراء كل يوم أثنين، ولا يزال محافظي أيام كرزاي هم في مناصبهم يأمرون وينهون.

وإذا ما تم إجراء الانتخابات البرلمانية تحت إشراف اللجنة الحالية وعبر وجوه منصوبة من قبل كرزاي، فسوف يكون للرئيس السابق يد طولى في الانتخابات البرلمانية.

فما الذي تغيّر؟ من الحكومة السابقة تنحى كما يبدو حامد كرزاي فقط، وهيكلة الحكومة هي نفسها أيام كرزاي، وتحكمها نفس الوجوه والرموز. بعبارة أخرى لا يزال كرزاي هو الذي يحكم أفغانستان، وأما عبدالله عبدالله وأشرف غني فمنشغلان بالخلاف على تعريف المناصب المفتاحية وغير المفتاحية! النهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *