خارجية أفغانستان المستقبلية.. ضرورة ملحة

في عالمنا اليوم تحتاج كل دولة إلى المساعدة، والاهتمام، والعلاقات المشتركة والتعاون الدولي، أفغانستان كونها دولة متخلفة في العالم الثالث، تحتاج أيضا إلى المساعدة، والاهتمام، والعلاقات المشتركة والتعاون على المستوى العالمي.

لقد لعبت هذه الدولة دورا مهما عبر التاريخ البشري ولا تزال تلعب دورها الحيوي. إبان الحكم الغزنوي كانت مدن أفغانية كبلخ، وهرات وغزني علامة بارزة للعالم الإسلامي ومراكز للحضارة الإسلامية. وفي حكم “أحمدشاهي” كانت السياسية الخارجية الأفغانية تدور حول “الدفاع عن مسلمي الهند” ولقد كان لهذه السياسة تأثير كبير على السياسة الهندية ومن هذا المنطلق بثت رعبا قويا على الاحتلال الإنجليزي. ففي بدايات القرن التاسع عشر خططت مع السلطان تيبو حاكم سلطنة مايسور الهندية ونابليون الفرنسي سياسة مشتركة مناهضة للاستعمار البريطاني. وفي نفس القرن جهزت نفسها للمشاركة في حروب ذات أهمية وفي ألعاب كبيرة على ساحة السياسة العالمية.

أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، نهجت أفغانستان على درب سياسة مكنتها من بعد وفي مرحلة الحرب الباردة، على إنشاء منظمة “حركة دول عدم الانحياز”، مع الأسرتين الحاكمتين “جواهر لال نهرو” و”تشو  انلاي”. وفي الحرب الباردة لعبت أفغانستان دورا هاما، وأخرجت العالم من تلك المسرحية وذلك الكابوس. والآن أيضا وفي نظام أمريكا العالمي الجديد، لا ينكر أحد أهمية الدور الأفغاني.

من هذه الخلفية التارخية الموجزة، يظهر جليا أن أفغانستان كانت لها عبر التاريخ سياسة خارجية، وأنها قاتلت من أجل هذه السياسة ودافعت عنها بحروب “حروب التحرير” في حال سلبها من قبل الأجانب.

وكانت هذه السياسة الخارجية تملك أصولا محددة على كل صعيد، ولكن سمتها الوحيدة وهي “الحياد” سمة رافقتها على طول تاريخها. والآن وفي فترة من تاريخ البلد، حيث تنتقل السلطة بطريقة سلمية من رئيس إلى رئيس آخر، فإن السياسة الخارجية للحكومة القادمة ذات أهمية كبيرة لنجاح تلك الحكومة على إدارة البلد.

خارجية أفغانستان المستقبلية

إن أفغانستان تحتل مساحة استراتجية هامة في المنطقة، وهي تقع حيث تجري لعبة جديدة على ثروات المنطقة، وإن هناك محاولات جادة لفتح طرق تجارية جديدة ومنها تجديد فتح “طريق الحرير” الشهيرة، وإن القوة العالمية تشهد ميلانا من الغرب إلى الشرق، ومن جانب آخر إن أفغانستان والقوات الدولية المتواجدة فيها، على احتكاك قوي مع جيرانها. فإن مواجهة كل هذه الأمور واستغلالها لصالح البلد تحتاج إلى سياسة خارجية قوية. سياسة خارجية تحسن علاقة البلد مع دول العالم وتسد باب التدخل الأجنبي وتقيم تعاونا مشتركا وعلاقات ثنائية طويلة الأمد مع دول مختلفة. إن سياسة أفغانستان الخارجية ينبغي أن تتجدد في مجالات عدة.

  • توسيع العلاقات مع دول مختلفة

أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية كانت السياسة والدبلوماسية العالميتان تواجهان ظروفا صعبة، وفي مرحلة الحرب الباردة، وبشكل عام كان حكام الدول التي لم تكن منحازة إلى أي القطبين يواجهون خيارا صعبا. ومع ذلك لم يكن على طاولة صنع القرار في هذه الدول خيار واحد، بل إن الهند، والصين، وإندونيسيا، ودول أخرى، بدلا من الخيارين “الانضمام إلى روسيا أو أمريكا” توجهت إلى خيار ثالث وشكلت “حركة دول عدم الانحياز”. نظرا لهذه الأمور والأحداث لا ينبغي أن تملك السياسة الخارجية خيارا واحدا، ولا أن تعويل أفغانستان على جهة واحدة دون غيرها.

تجدر الإشارة إلى أن الدول الجارة في المرحلتين السابقتين كانت تحتاج أن تنضم إلى قطب دون غيره للحفاظ على مصالحها. ولو نظرنا إلى أفغانستان في العقد الماض وفي مرحلة الحرب الباردة، نجدها منضمة إلى القوى العالمية العظمى. ومع ذلك فإن الأوضاع في مرحلة الحرب الباردة والعقد الماض “2000م إلى2010م” تختلف تماما مع الأوضاع الراهنة. ففي الحرب الباردة أُجبرنا على أن نساند روسيا، ولقد تجاهلنا حينه قرارات “مجلس الأعيان” بأن لا نعويل تمام على روسيا وأن نفتح علاقات واسعة مع بقية الدول ونطلب منها المساعدات. وإلى أن غزت أمريكا أفغانستان، كانت الهيمنة الأمريكية تعم العالم كله، وحينه المسؤولون الأفغان إما كانوا مجبرين على مساعدة أمريكا وإما لم يملكوا القدرة على التخلص منها.
أما الآن وبعد رفض الشعب والأغلبية الصامتة منه، للاتفاقية الاستراتيجية مع أمريكا، ينبغي أن يكون واضحا لمن يساند تلك الاتفاقية لأسباب اقتصادية، بأننا وصلنا إلى مرحلة تاريخية، ظهرت فيها حركة “برهص[1]” (برازيل، روسيا، الهند والصين)، وقد شكلت روسيا عرقلة أمام الهيمنة الأمريكية منذ 2008م، وظهرت الصين كقوة اقتصادية صاعدة، قد تحتل الدرجة الأولى في السنوات القليلة القادمة، وكذلك وصلنا إلى مرحلة من التاريخ تشكل فيها تركيا والهند قوة إقليمية كبيرة، وينتقل ثقل القوة العالمية إلى المنطقة، وكل ذلك يلزم علينا أن نبني علاقات جيدة مع هذه الدول مراعاة لمصالح البلد العليا، وأن لا ندور في فلك أمريكا فقط.

  • خارجية على أساس المصالح المشتركة

إن العلاقات المبنية على “المصالح المشتركة” تستمر لأمد أطول. فعلى أفغانستان أن تحسن علاقاتها مع دول تشاطر معها المصالح المشتركة. على سبيل المثال ينبغي أن نعمل مع باكستان على فتح طريق الحرير وعلى إحداث طريق تجاري إلى آسيا الوسطى وعلى مشارع اقتصادية ذات مصالح مشتركة، فإن ذلك يؤثر ايجابا على الاقتصاد الأفغاني من جانب ويرغب الجيران على أن تعلب دورا ايجابيا في أفغانستان من أجل هذه المصالح الاقتصادية أيضا.

وكذلك العمل مع إيران والهند في ميناء “تشابهار”، ومع إيران في إحداث الأنبوب إلى الصين، وفي إحداث أنبوب الغاز بين تركمنستان، وأفغانستان، وطاجيكستان، وطلب مساعدة الكهرباء من دول آسيا الوسطى والعمل مع هذه الدول في مشارع ذات مصالح مشتركة.

  • الانحياز مرة أخرى!

يخرج العالم، ومعه السياسة الإقليمية الآن من “القطب الواحد” إلى “عالم الأقطاب” والقوات الإقليمية الراهنة التي ستصبح قوات عالمية غدا تتكثر، مثل الصين، والهند، واليابان، وروسيا، وكذلك القوات الإقليمية مثل إيران، وباكستان والسعودية وتركيا. ينبغي أن نبني علاقات جيدة مع كل هذه الدول. ولكن يجب أن لا ننسى بأن قائمة هذه الدول تشمل دولا قد تعني العلاقة مع إحداها خصومة مع غيرها، وخير مثال على ذلك الهند وباكستان، إيران والسعودية، وأمريكا أو الصين وروسيا.

لقد أثبتت التجارب في العقد الماض بأننا كلما انتخبنا خيارا “واحدا” فإن الجانب الآخر شمرت عن ساعده لإشعال حرب نيابية في أفغانستان. الحرب الأهلية، وبعد مجيء الأمريكان، الهجوم على القنصلية الهندية، وقتل أتباع الهند، واللوبي الباكستاني، ومن جانب آخر إثارة شائعات كثيرة للغاية ضد باكستان، واللوبي الهندي نماذج حية من تلك الحرب النيابية.

لذلك على أفغانستان أن لا تخصص في علاقاتها طرفا دون آخر، لأن الظروف الراهنة غير متوازية جدا، ولأن الصداقة مع طرف تثير عداوة طرف ثان. فعلينا أن نحافط على الحياد والانحياز في علاقاتنا مع دول أخرى ما لم تتعارض هذه السياسة مع السيادة الوطنية والمصالح العليا.

  • ازدياد قوة أفغانستان المرنة!

إن أفغانستان تملك قوة مرنة جيدة في المنطقة وفي العالم الإسلامي، ويشكل الإسلام، والتاريخ، والأدب عمق هذه القوة. وعلينا أن نعمل على بث هذه القوة في الجيران وفي العالم الإسلامي. وذلك مثلا بإعمار الأماكن التاريخية والدينية في ولايات غزني، وهرات، وباميان، وهو أمر يجلب السياحة الثقافية من المنطقة، وبتحليل أفكار الشعراء القدماء ودراسة حياتهم، الذين أثروا كثيرا على الدول الجارة مثل تركيا، والهند، وإيران، وباكستان ودول أخرى، إحياءً لذكراهم.

  • الدبلوماسية الاقتصادية

بناءً على نظرية “معادلة الجاذبية[2]” للخبير الاقتصادي “يان تينبرغن[3]” والتي أثبتت تجارب عقود ماضية صحتها، بقدر ما تتقلص المساحة الجغرافية بين بلدين تزداد التجارة بينهما. وعلينا أن ندشن معاملات تجارية ضخمة مع الجيران ما دامت هذه المعاملات تصب في مصلحة البلد.

إن التجارة عامل مهم في الإزدهار الاقتصادي، ونحن لتخلفنا في المجال الاقتصادي، يجب أن نتوجه إلى تجارة المحاصيل الزراعية مثل الفواكه الجافة وغيرها، وهي التي شكلت جزءا كبيرا من تجارتنا العالمية منذ عقد من الزمان. وبشكل عام ينبغي أن نجعل علاقتنا مع الصين والهند وروسيا والدول الجارة علاقة تجارية، كي يقف الاقتصاد الوطني على قدميه. النهاية

[1] -BRIC

[2] The Gravity Equation of International Trade

[3] Jan Tinbergen

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *