خلفية العلاقات الأفغانية التركية ومستقبلها

تُعتبر تركيا من أهم دول العالم وتحظى بمكانة عالية في قائمة القوى الاقتصادية، وتمتلك بناءً على مكانتها الاستراتيجية وتاريخها وثقافتها “عمقا استراتيجيا” كبيرا.

من جانب آخر تقع أفغانستان في وسط قارة آسيا، وتسمى بملتقى الحضارات أيضا. من هنا انتشر “الآريون” إلى مناطق آخرى في الكرة الأرضية. وفي العالم المعاصر تحظى أفغانستان بأهمية كبيرة، نظرا لموقعها الاستراتيجي وبأنها “البلد الثاني الاقتصادي” للصين، وبأنها على جوار دول آسيا الوسطى، وبعلاقاتها القوية مع دول أخرى.

وقد جرّبت الدولتان علاقات ثنائية مثمرة منذ زمن طويل، وأما بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى كابول، إثر تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة، فإن هذه العلاقة دخلت مرحلة جديدة.

خلفية العلاقات التركية الأفغانية

تاريخ علاقات البلدين طويل جدا، بالمنظار التاريخي انتقلت شعب “التركي” من آريانا (من ضفاف نهر جيحون) إلى تركيا الحالية، استوطنوا هناك، وبنوا تركيا الأتراك. ولو أمعنا النظر في شجرة أسرة مؤسس الخلافة العثمانية، سيظهر أنه أيضا انتقل إلى تركيا من آسيا الوسطى وأسس الخلافة العثمانية هناك.

وأما السطان الغزنوي الأول “محمود غزنوي” كان أباه تركيا، وكذلك الشخصية الأفغانية العظيمة “مولانا جلال الدين بلخي” والذي وُلد في بلخ بأفغانستان ، ذهب إلى تركيا الحالية، (إلى إسطنبول مركز الروم حين ذلك)، واشتهر بنسبته إلى المكانيَيْن معا بلخ وروم. وأما سيد جمال الدين الأفغاني فقد بذل جهدا كبيرا لإنقاذ خلافة السلطان عبدالحميد الثاني، واستأذنه في تأسيس حراك شعبي في آسيا الوسطى تأييدا للسطان. وهكذا محمود طرزي وشخصيات أفغانية أخرى قضت فترات في الخلافة العثمانية وتأثرت بها.

وفي مجال العلاقات الثقافية بين البلدين تكفي الإشارة فقط، إلى “مولانا جلال الدين رومي”، ولكن بشكل عام جرّبت الدولتان علاقات قريبة عبر التاريخ. منذ زمن “شاه أشرف” إلى زمن “أحمد شاه بابا” و”أمير شيرعلي خان” حافظت أفغانستان على علاقاتها مع تركيا.

علاقات التاريخ الحديث

وفي العصر الحديث أيضا، بعثت تركيا قادة عسكريين لتدريب الجيش الأفغاني، وكانت تركيا ثاني بلد بعد روسيا اعترفت بأفغانستان، وكانت أفغانستان أيضا ثاني بلد اعترفت “بتركيا أتاترك”. وكان “غازي أمان الله” أول زعيم أفغاني زار تركيا، واُفتتحت وقتها السفارة الأفغانية في تركيا. وقد أشار إلى هذه القضية وزير الدفاع التركي “عصمت يلماز” في رده للمعارضة قائلا: “كانت أفغانستان من أول دول اعترفت بتركيا، وكانت أول دولة فتحت سفارة هنا، وكانت بيننا في زمن أتاترك إئتلافا دفاعيا أيضا، ولذلك تقف تركيا بجنب أفغانستان لحل أزماتها، وإن بقائنا في أفغانستان ليس رهن بقاء الناتو”[1].

ومن أجل ذلك، أثناء زيارته لإسلام آباد في 2012م، قال رجب طيب أردوغان: “ستبقى تركيا في أفغانستان بعد انسحاب القوات الخارجية. سنبقى في أفغانستان إلى أن يشكرنا الأفغان ويسمحوا لنا بالذهاب”[2].

عندما واجهت الخلافة العثمانية تمردا عربيا، كانت جريدة “سراج الأخبار” برئاسة محمود طرزي تقف بجنب الخلافة العثمانية وتدافع عنها. ليس هذا فحسب بل إن الأفغان قد وقفوا بجنب الأتراك في الحروب أيضا.

وأثناء الجهاد الأفغاني ضد الروس ناصرت تركيا أفغانستان، وفي الحروب الأهلية الأفغانية بقيت مثل الصين على الحياد، ولذلك يعقد الأفغان آمالا على هاتين الدولتين.

مابين 2001م، و2014م

أرسلت تركيا قواتها إلى أفغانستان في إطار الناتو، ولكن قررت منذ البداية أن قواتها لا تشارك في العمليات العسكرية. بعثت تركيا في البداية ما يقارب 300 جندي إلى أفغانستان، ويفوق عددهم الآن الآلف. ولكن هذه القوات لم تقتل أفغانيا واحدا إلى الآن.

وقد درّبت تركيا إلى الآن ما يقارب 12500 من القوات الأفغانية في أفغانستان وما يقارب 3300 منها في داخل تركيا، ومن المقرر أن تدرّب إلى نهاية القعد الجاري 15000 من عناصر القوات الأفغانية[3].

في بداية مارس/آذار 2011م، تم توقيع اتفاقية بين أفغانستان، وتركيا، واليابان والناتو بشأن تدريب القوات الأفغانية، وبموجبها يتم تدريب القوات الأفغانية في أكاديمية تركية. وعلى أساس هذه الاتفاقية تم إرسال 500 جندي أفغاني إلى تركيا في يوليو/تموز 2011م، وتم تدريبهم إلى شهر فبراير/شبّاط 2012م، لستة أشهر، وهذه السلسلة لا زالت جارية.

وبناءً على إحصائية أفغانستان السنوية، بلغت التجارة الأفغانية التركية إلى 2012م، 290 ملايين دولار. وتؤكد دراسة أن الشركات العمرانية التركية عقدت في أفغانستان إلى 2010م، ما يقارب 3مليارات دولار[4]، وأكملت الحكومة التركية مشارع بلغت تكلفتها 400 ملايين دولار.

في العقد الماض، لعبت الحكومة التركية دورا كبيرا مع حكومة كرزاي، وعقدت الجلسة الثلاثية بين أفغانستان وباكستان وتركيا. بدأت هذه الجلسة الثلاثية بعد 2007م، وكانت أفغانستان حينها تتهم باكستان بأنها توفر ملاذات لطالبان أفغان، الذين ينفذون عمليات عسكرية في أفغانستان. واستمرت هذه الجلسات الثلاثية إلى عام 2012م، لسبع مرات، (في أعوام 2007م، و2008م، و2009م، و2010م، و2011م، و2012).

مع أن هذه اللقاءات لم تحل الأزمة الموجودة بين أفغانستان وباكستان، ولكنها قلّصت من حدة هذه الأزمة بالتأكيد. وعلى سبيل المثال، التقى قادة المؤسسة العسكرية والاستخباراتية للدول الثلاث ولأول مرة في 2009م. وفي عام 2010م، في شهر ديسمبر/كانون الأول اتفقت الدول الثلاثة على إجراء عمليات عسكرية مشتركة، وقد أُجريت بالفعل في 2011م، في تركيا.

بدأت تركيا من نوفمبر/تشرين الثاني، 2011م، مشروع “اسيا” أو (إسطنبول من أجل أفغانستان). وقد شاركت جميع الدول الجارة لأفغانستان في هذه الجلسة، وكان هدفها إحلال الاستقرار في أفغانستان. وتم دعوة رؤوسا دول أفغانستان، وتركيا، وباكستان، كما دُعي مساعد الرئيس الإيراني، ومندوب الرئيس الصيني، ووزير الخارجية الصيني ومسؤولون آخرون.

تجدر الإشارة إلى أنه يكون من المقرر انعقاد جلسة مهمة من هذه العملية في الأيام المقبلة، (في 28أكتوبر/تشرين الأول) في الصين. هناك من يرى للجلسة القادمة تأثيرا كبيرا على مستقبل أفغانستان، وقد أخذت أفغانستان إجراءات كاملة لها، ومن جانبها تهتم باكستان كثيرا بهذه الجلسة، ولنفس السبب رتّب سناتور باكستاني يرأس المعهد الباكستاني الصيني، في 19و20 من شهر أكتوبر مؤتمرا ليومين، بعنوان (الصين وأفغانستان وباكستان).

مستقبل العلاقات الأفغانية التركية

تدور العلاقات الأفغانية التركية كثيرا حول المحور الثقافي. وعندما يتحدث المحللون والمسؤون الأتراك حول هذه العلاقات، فإنهم يبدأون من التقارب الثقافي الموجود بين البلدين، وبأن تركيا أمام مسؤولية تاريخية كبيرة، بأن تساعد أفغانستان في الأوقات الصعبة. ويرون أن وجود العناصر الأزبكية والتركمانية، إلى جانب الثقافية الإسلامية أمور تدعو لتعزيز هذه العلاقات[5].

يرى كثير من المحللين أن تركيا ستحاول في السنوات القادمة تعزيز هذه العلاقات الثقافية والاقتصادية. ولذلك تريد تركيا، تأسيس جامعة باسم (مولانا جلال الدين رومي) في أفغانستان.

رغم انخراط تركيا في قضايا الشرق الأوسط واهتمامها بتلك القضايا، فإنه يبدو من تحركها الدبلوماسي أنها تريد أن تلعب دورا في إحلال الأمن والسلام في أفغانستان.

يظهر من محاولات المسؤولين الأتراك أن تركيا تهتم كثيرا بأمن أفغانستان وباستقرارها، ليس لأن استقرار أفغانسان يعزز استقرار المنطقة فحسب، بل لأن أمن أفغانستان يرسخ أمن تركيا، ويوسع بشكل عام نطاق الفرص الاقتصادية أمام تركيا[6]. النهاية

[1] Simsek Ayhan, ‘Turkey Pledges to Support Afghanistan beyond 2014’, SES Turkiye, 12 July 2011.

[2] ‘We won’t leave Afghanistan until our Brothers Tells us to’, Star Gazette, 23 May 2012, <http://www.stargazete.com/politika/kardeslerimiz-istemeden-afghanistandan-gitmeyiz/haber-583742>

[3] Karen Kaya, Turkey’s Role in Afghanistan and Afghan Stabilization, MILITARY REVIEW, July-August 2013. < http://usacac.army.mil/CAC2/MilitaryReview/Archives/English/MilitaryReview_20130831_art007.pdf>

[4] See, Foreign Economic Relations Board (DEIK), Afganistan Ulke Bulteni, june 2011

[5] Prof Dr Saban Kardas, Turkey’s regional approach in Afghanistan: A civilian Power in Action, Center for Strategic Research (SAM) Republic of Turkey (Ministry of Foreign Affairs), Apr 2013, No.6. < http://sam.gov.tr/wp-content/uploads/2013/04/SAM_paper_ing_06_int.pdf>

[6] Simsek Ayhan, ‘Turkey Pledges to Support Afghanistan beyond 2014’, SES Turkiye, 12 July 2011.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *