القوات الباكستانية تنفذ عمليات عسكرية في وزيرستان

 

خلفية حركة طالبان باكستان

إن حركة طالبان التي انطلقت لإحلال السلام والأمن في أفغانستان أصبحت الآن مصدعة لباكستان أيضا. هذه الحركة كانت تعرف إلى 2001م، بمجموعة تابعة لطالبان أفغانستان، أسس أعضائها حركة طالبان باكستان بعد سقوط الإمارة الإسلامية في أفغانستان. وهي حركة انقسمت إلى فروع كثيرة خلافا لنظيرتها الأفغانية، ولكن الجميع يتبعون لأوامر الملّا عمر قائد حركة طالبان الأفغانية.

في عام 2006م، أعلنت حركة طالبان باكستان رسميا بوجودها، وبأنها تقاتل من أجل إقامة نظام إسلامي في باكستان. عبدالله محسود كان أول قائد لهذه الحركة. وكان عبدالله محسود قد شارك مع طالبان أفغانستان في حركتهم منذ البداية، وفقد إحدى رجليه في حروب داخل أفغانستان.

ألقي عليه القبض في ولاية كندز شمالي أفغانستان وتم تسليمه إلى القوات الأمريكية، وقضى أكثر من ثلاثة أعوام في سجن غوانتانانو، إلى أن أطلق سراحه في 2004م. إن أعضاء حركة طالبان الأفغان الذين لم يريدوا أن يقاتلوا علنا إلى جانب حركة طالبان باكستان مع الحكومة الباكستانية، انتخبوا عبدالله محسود قائدا لحركة طالبان باكستان.

انتهى المطاف بعبدالله محسود في منطقة “زوب” في بلوشستان الباكستانية، حيث أفشي مكان تواجده وامتناعا لإلقاء القبض عليه، فجر نفسه ليخلفه بعد ذلك بيت الله محسود قائدا لحركة طالبان باكستان.

بيت الله محسود بدوره خطط هجمات قاسية على الجيش الباكستاني، ومنها تفجيرات راولبندي في سبتمبر/أيلول 2009م. إن بيت الله محسود كان متهما باغتيال بينظيربوتو أيضا. لقي بيت الله محسود مصرعه في 2009م، إثر هجوم جوي نفذته طائرات أمريكية بلاطيّار في وزيرستان الجنوبية.

بعده أصبح حكيم الله محسود قائدا لحركة طالبان باكستان. إنه شخص لعب دورا في هجوم انتحاري وقتل عدد من عناصر “سي آي آيه” أو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في ولاية خوست الأفغانية، عبر عميل أردني كان يعمل لصالح الوكالة والذي نفذ الهجوم. وأخيرا عندما أراد بدء محادثات السلام بين حركة طالبان باكستان والحكومة الباكستانية، لقي هو أيضا حتفه إثر هجوم جوي نفذته طائرات أمريكية بلاطيّار في وزيرستان.

 

فشل محادثات السلام بين طالبان باكستان والحكومة الباكستانية

قال رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف مرارا بأن السلام هو أولوية باكستان الملحة ودونها لن ينجح أي مشروع اقتصادي في البلد. وعندما انتشر خبر استعداد حركة طالبان باكستان للجلوس خلف طاولة المفاوضات، فإن آمالا كثيرة علقت عليه، ولكن بقاء أحزاب سياسة مهمة وحتى بعض الجهات المذهبية في باكستان خارج هذه المعادلة شكلت عرقلة كبيرة أمام مفاوضات السلام.

وكان مسير هذه المفاوضات معلقا على انتخاب قائد جديد لحركة طالبان باكستان، وبعد إجراء مشاورات داخلية في الحركة، انتخب الملّا فضل الله زعيم حركة طالبان في سوات والذي يعيش الآن في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان وفي منطقة كونر، قائدا للحركة. وكان خان سيد سجنا والمشهور بخالد محسود مرشحا آخر لقيادة الحركة، ولكن ميلانه إلى السلام مع الحكومة الباكستانية جعل جل أعضاء الشورى المركزية للحركة يصوتون لصالح الملّا فضل الله.

وهذه كانت أول مرة منذ أكثر من ست سنوات يُنتخب لحركة طالبان باكستان، قائد من خارج عائلة محسود ووزير. ومن البداية كان البعض يرون أن هذا الانتخاب سيسبب مشاكل في المستقبل.

بعد فترة من الزمن تصاعدت نزاعات بين سجنا وشهريار محسود والذي كان مؤيدا للملّا فضل الله، في وزيرستان الشمالية، وكان للمسؤولين الباكستانيين دور هام في إحداث هذه النزاعات. تريد “آي ايس آي” أو وكالة الإستخبارات الباكستانية أن تمهد الطريق لقيادة خان سيد سجنا في وزيرستان الشمالية وترى أن حضور قادة طالبان خارج باكستان سيوفر الفرص للهند كي تبني علاقات مع الحركة. لاسيما أن الملّا فضل الله حين تواجده في سوات كان على صلة مع الأجانب وقد حصل منهم على محطة إذاعة إف إم أيضا.

 

المقاتلون الأجانب في وزيرستان

إلى جانب المقاتلين المحليين في وزيرستان، يوجد هناك كثير من المقاتلين الأجانب من آسيا الوسطى، والقوقاز، وأويغور تركستان الشرقية[1]. وهؤلاء المقاتلون لجأءوا إلى هناك بعد سقوط حكم طالبان في أفغانستان عام 2001م.

ويرجع سبب تواجد هؤلاء المقاتلين في المنطقة إلى وجود أنظمة قمعية في بلدانهم، وقد فر هؤلاء الأفراد من ظلم أنظمة ترى بقاءها في اضطهاد المعارضين. كان لهم دور مباشر أو غير مباشر عبر التخطيط في هجمات كثيرة منها الهجوم على مطار مهران أو أخيرا الهجوم على مطار كراتشي. إن هذه المجموعات تدرك جيدا أنه لو نجحت المفاوضات بين حركة طالبان باكستان والحكومة الباكستانية فإنهم سوف يذهبون ضحية للسلام. ولذلك كلما تبدأ جولة من المفاوضات بين الطرفين، يحاول هؤلاء عبر تخطيط وتنفيذ عمليات على مراكز عسكرية ومدنية في باكستان ليسببوا فشل المفاوضات.

 

طالبان باكستان وخلافات داخلية

عقب فشل مفاوضات السلام بين حركة طالبان باكستان والحكومة الباكستانية، بدأت القوات الباكستانية شن هجوم عسكري على مناطق في وزيرستان الشمالية. مع أن الهدف المعلن من هذه العمليات هو إحلال الأمن في باكستان، ولكن في الحقيقة كانت الإستخبارات العسكرية الباكستانية تريد أن تنقل القيادة إلى سجنا وتشرع معه مفاوضات السلام، وتلك خطة بائت بالفشل، ولذلك بدأت تنفيذ هذه العمليات.

إن الإستخبارات العسكرية الباكستانية لا ترضى أبدا أن يتواجد قادة حركة طالبان خارج باكستان، ولكن الآن يبدو أن الأمور قد خرجت من سيطرة الجانب الباكستاني، لأن الملّا فضل الله قائد حركة طالبان باكستان، يعيش في أفغانستان بعيدا عن تأثير الباكستانيين، ومن هنا يقدم توجيهاته إلى أعضاء الحركة.

وقد عزل الملّا فضل الله عبر قرار له، السيد سجنا من المسؤوليات القيادية في الحركة، إلا أن الأخير لم يقبل القرار وبل أقدم على تعيين “أمراء” في مناطق مختلفة وهذا يعني رفع علم البغاوة على الملّا فضل الله.

كانت الإستخبارات العسكرية الباكستانية تحاول أن تنقل قيادة حركة طالبان باكستان إلى داخل البلد، ولنفس السبب أيد سجنا سرا، ولكن قائدا آخر للحركة في وزيرستان الشمالية وهو حافظ كل بهادر، أعلن حربا على الحكومة الباكستانية، وطلب من المدنيين أن يتوجهوا إلى أفغانستان بدلا من مناطق أخرى في الداخل الباكستاني إذا رغبوا ترك مناطق تحت نيران الحرب.

 

نتيجة العمليات العسكرية على طالبان باكستان

لقد نفذت باكستان عمليات واسعة في وزيرستان عام 2009م، بعنوان “سبيل النجاة” ولكن رغم خسائرة كبيرة في الأرواح والأموال، لم تصل إلى نتيجة مرضية. وتستمر الآن عمليات عسكرية واسعة أخرى بعنوان “ضرب عزب” وتشمل هجمات جوية وأخرى أرضية. –عزب اسم سيف من سيوف النبي صلى الله عليه وسلم-.

ولكن وكما لم تهزم القوات الباكستانية عام 2009م، حركة طالبان باكستان، رغم خسائرة كبيرة، هذه المرة أيضا لن تحصل هذه القوات على هذا الهدف. مع أن المسؤولين الباكستانيين، بعد عمليات 2009م، اتهموا القوات الأمريكية في أفغانسان بأنهم فتحوا الحدود أمام عناصر حركة طالبان كي تلجأ إلى الأراضي الأفغانية، إلا أن تنفيذ العمليات الأخيرة جاء بطريقة علمت الحركة به قبل بدئها، وقد اتخذت إجراءاتها بشأن هذه العملية.

بدأت العمليات العسكرية بهجمات جوية، ثم استهدف القصف الصاروخي مناطق مختلفة. لقد انسحب مقاتلو الحركة إلى مناطق آمنة وينتظرون هجوم القوات الأرضية للجنود المشاة. وعندما يبدأ الجنود المشاة هجومهم، فإن غابات هذه المنطقة ستوفر جبهات آمنة لمقاتلي الحركة ليواجهوا منها الجيش الباكستاني.

بناءً على ذلك، ونظرا للموقع الجغرافي في هذه المنطقة وحساسيتها العسكرية، لا يُتوقع أن تسفر هذه العمليات نتيجتها المطلوبة وهي استنزاف حركة طالبان. لقد سلمت أخيرا أمريكا كمية كبيرة من وسائل قتالية لقواتها في أفغانستان، إلى العسكريين في باكستان، والآن على الجيش الباكستاني أن يظهر للأمريكان بأنه اتخذ إجراءات صارمة في مكافحة الإرهاب إزاء هذه المساعدات الأمريكية الحربية.

وأما مقاتلو حركة طالبان فقد درسوا الأحداث مسبقا، ودبروا الابتعاد عن الخسائر في عمليات الجيش الباكستاني، واختاروا التربص لفرصة مناسبة، يسببون فيها خسائر فادحة في صفوف الجيش الباكستاني.

تظهر التجارب الماضية بأن إثر هذه الحروب لا يهزم الجيش الباكستاني حركة طالبان كاملا، وكما لا ينهزم هو بنفسه. إن الضحية الوحيدة في هذه الحروب هي الشريحة المدنية من الشعب والتي تسكن في هذه المناطق، واقعة بين فكي الكماشة، وعليها أن تتحمل ويلات هذه الحروب ومصائبها. النهاية

) هذه المنطقة تخضع لاحتلال الصين وتسمى الآن بـ(شينجيانغ) أو المستعمرة الجديدة.[1]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *