السعودية وراء حلف ضد إيران
في الأسابيع القليلة الماضية تمت دعوة كثير من قادة العالم السني إلى رياض من قبل الملك السعودي سلمان، شملت الدعوة الرئيس التركي أردوغان، وأمير الكويت مع نظيره الإماراتي، ورئيس الوزراء الباكستاني، والرئيس الأفغاني، وعبدالفتاح السيسي الذي ترأس مصر بعد إنقلاب دموي قاده ضد رئيس البلد المنتخب. ودارت أجندة الحوار حول نفوذ إيران المتزايد في العالم العربي (سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن)، كما ونوقش ملف داعش والمحادثات الأمريكية الإيرانية، فهناك توقعات بأن تصل أمريكا مع الجانب الإيراني إلى توافق بشأن الملف النووي.
فمن الضروري إمعان النظر في خلفية العلاقات السعودية الإيرانية، مع عوامل تدهور هذه العلاقة، والتهديدات الموجودة في الساحة، إلى وجود المحاولات من أجل تأسيس ائتلاف سني.
العلاقات السعودية الإيرانية (1929م-1979م)
كانت لدى عائلة السعود علاقات تاريخية قديمة مع إيران، وبدأت هذه العلاقات مع حكم آل السعود لحجاز. حينها كانت هناك خلافات بين آل السعود وشريف مكة على حكم مكة، تدخل الملك الإيراني رضاه شاه لوساطة فاشلة في إرضاء الطرفين. وبعد ذلك عندما سيطر عبدالعزيز على السعودية كلها، دعى وفدا من إيران إلى زيارة السعودية.
وفي عام 1929م، عزز الطرفان علاقات دبلوماسية بينهما، وفي نفس العام تم توقيع اتفاقية صداقة بين الطرفين، وبعد ذلك وحتى (الثورة الإسلامية الإيرانية)، طيلة خمسة عقود شهدت العلاقات الثنائية بينهما منحنيات كثيرة.
وفي هذه الفترة (1929م-1979م)، وعلى إثر إدعاء إيران سيطرتها على بعض الأراضي العربية تدهورت العلاقة. وكانت إيران تدعي أن بحرين، ومضيق هرمز، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى، هي من أراضيها، والآن تسيطر إيران فعلا على مضيق هرمز.
وأما العامل الثاني لتدهور العلاقة جاء في عام 1973م، عندما لم تستغل إيران نفطها ضد الغرب وإسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلة. لأن الدول العربية استغلت هذ الأمر وبذلك أدخلت ضربة قوية في اقتصاد الدول الغربية، وحتى الآن تتكلم الكتب الغربية عن هذا الأمر كأزمة اقتصادية لعام 1973م.
عامل آخر لعب دورا في تدهور العلاقة هو مشارع إيران للتسليح والاستثمار العسكري، والذي اعتبره المسؤولون السعوديون مشارع إيرانية للتوسيع.
مع أن العوامل التي سلفت، لعبت دورا كبيرا في تدهور العلاقة الإيرانية السعودية، إلا أن الملك الإيراني كان يؤيد خطوات الملك السعودي فيصل في تأسيس منظمات كثيرة للمسلمين. وفي هذا الأثناء شكل الطرفان تصديا للتأثير الروسي في الشرق الأوسط، واتخذا موقفا واحدا ضد جمال عبدالناصر أيضا.
صرّح كاتب أكاديمي سعودي في كتاب له حول العلاقات السعودية الإيرانية: أدرك الطرفان في تلك الفترة أن يقوما بالتعاون في مجالات خاصة، وأن يبذلا جهودا كثيرة كي لا تلعب خلافاتهما دورا سلبيا في العلاقات[1].
العلاقات السعودية الإيرانية بعد الثورة الإيرانية
وتدهورت العلاقات الثنائية بين البلدين بعد “الثورة الإسلامية الإيرانية”. لأن قادة الثورة سلكوا من جهة نهج عداوة الغرب ومن جهة أخرى نددوا بالحكم الملكي في بلاد المسلمين أيضا. ولعبت في هذه الفترة الخلافات الشيعية السنية وتصدير الثورة من قبل إيران الدور الأكبر للنزاعات.
وتدهورت العلاقة أكثر من أي وقت آخر، إبان الحرب العراقية الإيرانية، عندما دعمت السعودية العراق، وبعدها في 1987م، وقعت حادثة دموية أثناء الحج قُتل فيها أكثر من 400 حاجّ. وكان الثائرون من الشيعة ومن مؤيدي إيران، فطلبت إيران من السعودية أن تعتذر وأن تدفع دية، وعندها شلت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومنعت السلطات السعودية حجاج إيران من الحج، إلى أن تم رفع الحظر عام 1991م.
وفي التسعينيات القرن الماض، توجهت العلاقات مرة أخرى نحو تحسن، زار من قبل إيران خاتمي ورفسنجاني السعودية، وفي 1997م، سافر الملك السعودي عبدالله إلى إيران ليشارك في مؤتمر الدول الإٍسلامية، وفي هذه الفترة تم توقيع اتفاقية بين البلدين أيضا.
وفي القرن الحادي والعشرين وصل تحسن العلاقة إلى حد، دخل في منطق البلدين خطاب الآخر (بالبلد الصديق)، وحدث هذا عندما زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد السعودية واستقبله عبدالله الملك السعودي في المطار. ولكن السنوات الأخيرة وعلى إثر الربيع العربي وبرنامج إيران النووي شهدت تدهورا في العلاقة بين البلدين، ووصل الأمر إلى أن طلب الملك السعودي من أمريكا أن تهاجم إيران وأن تنهي برنامجه النووي، أمر كشفت عنه “ويكي ليكس”.
لماذا تحس السعودية بضرورة ائتلاف جديد؟
سؤال يُطرح الآن. إن السعودية ومنذ فترة تعيش حالة من الحرب الباردة مع إيران، وقد وصل الأمر بهذه الحرب في بعض البلدان إلى حرب دامية أيضا، فلماذا الآن تحس السعودية بضرورة إيجاد ائتلاف سني ضد إيران؟ حقيقة هناك عوامل كثيرة تدفع السعودية نحو ذلك. منها تغييرات جيو-السياسية حدثت في الآونة الأخيرة:
- المحادثات الأمريكية الإيرانية على البرنامج الإيراني النووي،
- الانقلاب الحوثي في اليمن،
- انخفاض أسعار النفط،
- تنظيم داعش. فإن ملف داعش مثير للقلق السعودي إلى جانب كل هذه العوامل. لأن داعش لديها أفكار ثورية وسلفية في آن واحد، ولا تريد السعودية أن تتغير الأفكار السلفية فيها إلى أفكار سلفية ثورية.
المحادثات الأمريكية الإيرانية والمخاوف السعودية
إن أمريكا ومنذ عقدين من الزمن تنتقد برنامج إيران النووي، وقد وضعت حتى الآن تعزيرات اقتصادية كثيرة على إيران. وإلى جانب ذلك وضعت ضغوطا على بلدان أخرى بغية أن لا تدخل مع إيران في تعامل اقتصادي، وخير مثال على ذلك هو مشروع غاز بين إيران وباكستان والهند، يتوقف حتى الآن بسبب الضغوط الأمريكية.
إضافة إلى ذلك رفعت أمريكا لعدة مرات إشارات خضراء بشأن الهجوم العسكري على إيران، إلا أن الحرب الأفغانية والعراقية الطويلة أجهزت أمريكا من أن تقوم بتنفيذ هجوم عسكري آخر على إيران.
وكانت العلاقة الإيرانية مع أمريكا متدهورة جدا في فترتين من حكم أحمدي نجاد، ولكن فور تسلم حسن روحاني وهو مشهور بالوسطية في الغرب، بدأت المحادثات مع أمريكا، وهناك شائعات تقول إن البلدين قد يصلا في الشهور القليلة القادمة إلى توافق بشأن الملف النووي. وإن هذه الشائعات أثارت جدلا واهتماما بين الجمهوريين في أمريكا، كما وأثار قلقا لدى رئيس وزراء إسرائيل والمسؤولين السعوديين.
يقال إن إيران وبموجب الاتفاقية القادمة ستوافق على أن يراقب المراقبون الدوليون منشآتها النووية في أي وقت يريدون. وأن إيران لا يجتاز حدا محددا لتخضيب “اليورانيوم”، وأن اليورانيوم المخضبة أكثر من هذا الحد يتم إبعادها، كي لا تتمكن إيران من صنع قنبلة نووية. إزاء ذلك ترفع أمريكا تعزيراتها من أمام إيران وتستطيع إيران أن توسع نطاق تجارتها العالمية.
في حال أن تصل أمريكا وإيران إلى مثل هذا الاتفاق، فإن أوباما يكون قد أنجز أمرا يخلد ذكره في التاريخ، وسوف ترفع العوائق من طريق إيران للرقي. إلا أن البلدين يواجهان عراقل داخلية وخارجية للوصول إلى هذه المرحلة. يواجه أوباما ضغوطا من قبل الجمهوريين، لأنهم راسلوا إيران أن لا تثق بأوباما ودعوا رئيس وزراء إسرائيل لإلقاء الكلمة أمام الكونغرس الأمريكي. وفي المجال الخارجي يواجه أوباما ضغوطا من قبل السعودية، ويواجه الرئيس الإيراني ضغوطا من قبل رجال الدين أيضا.
اليمن
إن اليمن بلد جار للسعودية، وفيها أتباع للمذهب الشيعي، وهو ميدان آخر للحرب السعودية الإيرانية منذ فترة طويلة. وكانت جماعة الحوثيين ذات الصلة الأيديولوجية مع إيران تؤيد منذ 2011م، حدوث انقلاب ضد رئيس اليمن عبدالله صالح. وفي عام 2014م، خرج الحوثيون من مناطقهم واتحدوا مع الإيزيديين، وقويت شوكتهم بهم.
وفي مطلع عام 2015م، سيطر الحوثيون على القصر الرئاسي في اليمن، فاستقال الرئيس اليمني منصور هادي. وكانت قبل ذلك العلاقة السعودية اليمنية حميمة جدا، والآن ترى إلى وجود جماعة ذات مشتركات مع إيران في السطلة كتهديد كبير لنفسها. وتحاول كل من السعودية وإيران وضع حصار على الآخر. وفي أوضاع مشابهة في الثمانييات القرن الماضي كانت السعودية لديها صداقة مع باكستان والمجاهدين الأفغان، وفي الحرب العراقية الإيرانية أيّدت السعودية صدام حسين، وحاولت وضع حصار على إيران. وتحاول الآن إيران أن تضع حصارا على السعودية من قبل حزب الله في لبنان، والجماعة الحوثية في اليمن. فإن الحوثيين لهم تاريخ عداء مع السعودية، قاتلوا على الحدود عام 2009م، وقتلوا خمسة من الجنود السعوديين في شهر رمضان الماضي.
النفط
مع أن ملف النفط لعب دورا كبيرا في تدهور العلاقة بين البلدين في السابق، إلا إن هذه القضية هي التي تقف الآن أيضا وراء تدهور علاقة السعودية مع إيران وروسيا. وهو أمر حمل بوتين على أن ينصرف من زيارة وزير الخارجية السعودي في شهر نوفمبر 2014م.
تستطيع السعودية أن تنتج يوميا بين 6 إلى 12 برميل نفط. وعلى أساس النظرية الاقتصادية كلما ازداد الانتاج (وتوقف الطلب)، فإن السعر ينخفض. لذلك ترى إيران ومعها روسيا أن أمريكا هي التي تقف وراء انخفاض أسعار النفط، لأن أمريكا تريد أن تضع روسيا أمام أزمة اقتصادية بسبب أحداث أوكرانيا، لأن روسيا بلد يعول كثيرا على النفط، وتريد السعودية أن تضرب إيران في المجال نفسه.
تستخرج السعودية مقادر كثيرة من النفط لتنخفض بذلك أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو أمر يؤثر سلبا على اقتصادها بطبيعة الحال، ولكنها تملك كثيرا من دخائر النفط وتدرك جيدا أنها وبهذه الخطوة إنما تضرب بشكل كبير دولا ذت داخل أقل.
الدبلوماسية السعودية وأفغانستان
لقد نشطت الدبلوماسية السعودية في الشهور الماضية بشكل كبير. ففي الأيام الأخيرة من شهر يناير لهذا العام (2015م)، زار الرئيس الأمريكي السعودية، بعدها التقى الأمير في المملكة المتحدة البريطانية مع الملك السعودي، ولكن بعد أن ظهرت قضية المحادثات الأمريكية الإيرانية، مع ملف سيطرة الحوثيين في اليمن، قامت السعودية بدعوة زعماء مصر، وتركيا، وباكستان، والكويت، والإمارات، وأفغانستان إلى السعودية. إن هذه الدول سنية من جهة، ودول على أطراف إيران أيضا. إلا أن استطاعة الملك سلمان لإحداث ائتلاف سني ضد إيران تتوقف عند القرارات التي سوف تأخذها هذه الدول.
ربما لا تدخل باكستان وتركيا في ائتلاف تهدف عداوة دولة جارة لهما. لكنهما ستحافظان على علاقاتهما مع الطرفين. وعلى حد تعبير صحيفة “داون” الباكستانية رفضت باكستان طلبا سعوديا لإرسال بعثة أخرى من جنودها إلى السعودية.
وفي هذا الصعيد زار الرئيس الأفغاني أشرف غني السعودية بدعوة من الملك سلمان. مع أن الصحف الأفغانية اعتبرت الزيارة محاولة أفغانية من أجل عملية السلام، إلا أن كثيرا من المحللين يرون بأن ملف داعش، وقضية النفوذ الإيراني المتزايد في العالم العربي قد دخلت أجندة اللقاء.
بما أن أفغانستان تواجه حالة من الاضطراب الأمني، وأن السعودية لم تمنح بعد تاشيرة عمل للأفغان في السعودية ولم تقم باستثمار أو مساعدة كثيرة لأفغانستان طيلة 15 سنة مضت، فإنه ليس من المناسب للجانب الأفغاني أن يضع أفغانستان على منصة التضحية في حروب الآخرين، أو على صعيد حرب نيابية. ومع ذلك يمكن لأفغانستان أن تساعد السعودية وإيران في ملف داعش، لأنه تهديد مشترك، وأما تعاون أفغانستان مع السعودية ضد إيران سيجلب أثرا سلبيا كبيرا عليها.
النهاية
[1] Saeed M. Badeeb, Saudi-Iranian Relations 1932-1982, London: Centre for Arab and Iranian Studies, 1993, pp 64