لجنة من أجل إصلاح لجنة أخرى؟
على أساس التوافق المشترك في “حكومة الوحدة الوطنية”، بين أشرف غني وعبدالله عبدالله، وبعد فترة طويلة من التأخير، أصدر أخيرا الرئيس الأفغاني أشرف غني قرارا لإحداث لجنة لإصلاح أساليب الانتخابات في أفغانستان.
وجاء في متن التوافق: “إن الرئيس وبالنظر إلى المادة الأولى من الإطار السياسي، كان قد اتفق بأن يشكل لجنة خاصة لإصلاح النظام الانتخابي الأفغاني فور بعد تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية…
ويتم تعيين إعضاء هذه اللجنة عبر توافق بين الرئيس والرئيس التنفيذي، ويقوم مجلس الوزراء بتقييم مقترحات هذه اللجنة، ورفع الخطوات من أجل تنفيذها. ويُذكر أن تنفيذ الإصلاحات الانتخابية يجب أن تقع قبل إجراء الانتخابات البرلمانية”.
ضرورة الإصلاح
أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أُتهمت اللجنة الانتخابية بتزوير واسع وتصاعد التنازع بين المنافسين إلى أن تدخل المجتمع الدولي في الأمر، ولم يستطع الفرز المجدد للأصوات من أن يحل الأزمة. وبعده في العقد السياسي لـ”حكومة الوحدة الوطنية”، تم التوافق على إصلاح النظام الانتخابي الأفغاني.
وقد طلب الاتحاد الأوروبّي، الجهة الممولة للانتخابات الأفغانية، فعلا من الجانب الأفغاني أن يكتشف من قام بالتزوير في الانتخابات وأن يغيّر طريقة الانتخابات في أفغانستان.
وكان فرانز ملبين مندوب الاتحاد الأوروبّي في أفغانستان قد صرّح بأنه ومن دون إصلاح النظام والمؤسسات الانتخابية الأفغانية لا يمكن حتى تصور الانتخابات البرلمانية في العام القادم.
وأضاف ملبين بأن الاتحاد الأوروبّي في حال عدم إحداث هذه الإصلاحات لا يقوم بدعم ومراقبة الانتخابات المستقبلية في أفغانستان.
إن قلق المجتمع الدولي مفهوم واضح، مثل ما يشعر به الشعب الأفغاني من قلق تجاه اللجان الانتخابية الحالية والطريقة الحالية للانتخابات، ولذلك أصدر الرئيس الأفغاني قرارا لإحداث لجنة إصلاحية جاء فيه:
“إن الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني يُعلن إحداث لجنة خاصة للإصلاحات الانتخابية تترأسها شكرية باركزاي، وذلك من أجل إصلاح النظام الانتخابي الأفغاني، ودعم النظام الشعبي، وإعادة الثقة الشعبية للمؤسسات الحكومية، وتعزيز الحكم الدستوري، والوقاية من التزوير في الانتخابات”.
ولكن إلى أين تتسع هذه الإصلاحات؟ هل تشمل تغيير مسؤولي اللجان الانتخابية، أو النظام الانتخابي أو الاثنين معا؟
الإصلاحات الأساسية في النظام الانتخابي
إن النظام الانتخابي الأفغاني مبني على أساس الصوت الواحد، وهو أمر سبب عدم إزدهار الأحزاب السياسية في البلد.
وفي مناقشة مسودة الدستور الأفغاني، كان مبحث النظام السياسي مبحثا مثيرا للخلاف. كان البعض يؤيد النظام البرلماني لتوفيره فرصة للأحزاب السياسية، إلا أن البعض الأخرين أصروا على أهمية النظام الرئاسي، وكان ذلك ما حدث، وعلى أساسه تأسست أساليب الانتخاب في أفغانستان.
إن النظام الانتخابي المبني على أساس الصوت الواحد بسيط في ظاهره، وفيه يصوت كل فرد لمرشحه المفضل، إلا أن هذا النظام ومن باب تأثيراته معقد للغاية، وهو يسد الباب على وجه رقي الأحزاب السياسية.
قد أختير هذا النظام الانتخابي لأفغانستان لأسباب سياسية. فبعد سقوط طالبان لم يكن في أفغانستان غير الأحزاب الجهادية حزب قوي آخر. وفي حال اختيار الطرق الانتخابية على أساس الأحزاب السياسية كانت هذه الأحزاب الجهادية، نظرا لإمكانياتها وتاريخها، تكتسح الساحة كاملة.
وعلى ذلك ومن أجل سد الأحزاب الجهادية من مسرح القوة، قرر المجتمع الدولي على أن يكون النظام الانتخابي على أساس صوت واحد، وفي نفس الوقت حاول إحداث أحزاب جديدة في الساحة. فبعد عام 2001م، وبدعم من المجتمع الدولي تأسست مئات الأحزاب السياسية، بشروط ميسورة في “وزارة العدل الأفغانية”. إلا أن واحدا من هذه الأحزاب لم يتمكن من أن يحصل على شعبية كافية. بعدها بسنوات جرت محاولات لإحداث حزب قوي من عشرات من هذه الأحزاب إلا أن ذلك أيضا كانت محاولة فاشلة لإحداث حزب قوي واحد.
بعدها لم يؤكد المجتمع الدولي على النظام الانتخابي الأفغاني، ونتيجة لذلك لم يتحقق العنصر الشعبي للنظام الديمقراطي في الانتخابات الأفغانية، الذي هو وجود الأحزاب السياسية.
إذا كانت هناك حقا رغبة في تغيير النظام الانتخابي، فينبغي أن يكون هذا التغيير أساسيا، ولكن وبالنظر إلى أن معظم الأعضاء في اللجنة الجديدة منهم الرئيسة والنائب هم من منافسي الأحزاب الجهادية فإن ذلك يعطي إشارة بأن التغيير قد لا يكون أساسيا، وربما يتم تأجيل الأمر إلى ما بعد إجراء التعديل الدستوري عبر عقد مجلس الأعيان. هذا وقد جاء في البيان الذي أصدره الرئيس الأفغاني معلنا إحداث هذه اللجنة الإصلاحية:
“إن إحداث الإصلاحات في النظام الانتخابي الأفغاني ضرورة شعر به الشعب بعد الانتخابات الرئاسية 1393 الهجري الشمسي، وأدرك الشعب ضرورة إجرائها في أسرع وقت”.
تجدر الإشارة إلى أن هذا النظام كان قائما في اليابان في فترة الاحتلال الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية إلى عام 1993م، وليس تنفيذ هذا النظام في أفغانستان أمر من الصدفة.
الدستور والتعديل في قوانين الانتخابات
جاء في المادة 109 في الدستور الأفغاني:
“لا يمكن إدراج مقترح التعديل الدستوري في جدول أعمال البرلمان في عامه الأخير”.
على أساس هذه المادة، يقول رئيس لجنة الانتخابات بأن التعديل في قانون الانتخابات أمر مخالف للدستور. وفي نفس الوقت يصر رئيس اللجنة وأعضائها، المتهمون بالتزوير أثناء الانتخابات الرئاسية، على البقاء في مناصبهم إلى أن تكتمل فترتهم لست سنوات، ويستندون بالفقرة الرابعة من المادة الثامنة لقانون الانتخابات التي تقول:
“ينتخب الرئيس من بين 27 مرشحا، 9 منهم تكون بينهم امراتان على الأقل كأعضاء اللجنة”.
النتيجة
جاء في توافق “حكومة الوحدة الوطنية: “من أجل بناء الثقة على أن الانتخابات المستقبلية الأفغانية تكون معتمدة عليها، ينبغي إحداث إصلاحات في “القوانين والمؤسسات”، الانتخابية”.
يرى البعض بأن أعضاء اللجنة الإصلاحية، الذين تم اختيارهم من قبل الرئيس يفتقدون للخبرة الكافية في هذا المجال ولا يمكنهم النجاح في هذه المهمة الكبيرة.
قد تتمكن هذه اللجنة من اقتراح إصلاحات فنية في اللجنة الانتخابية، على رأسها توزيع بطاقات الجنسية البرقية. ويمكن لهذه البطاقات أن تسد الباب على حدوث التزوير، إلا أن هذه العملية تطلب زمنا طويلا، وحتى تأجيلا لإجراء الانتخابات البرلمانية. وفي حال عدم إصلاح قانون الانتخابات، لا يمكن أن نتوقع نتيجة إيجابية من الانتخابات البرلمانية في عام 2015م.
النهاية