زيارة الرئيس الصيني إلى باكستان وأثرها على المنطقة

 

زيارة شي جين بينك الرئيس الصيني إلى باكستان والتي أجلت في شهر سبتمبر/أيلول 2014م، من أجل مظاهرات حزب عمران خان جائت في 20 و21 من إبريل/نيسان 2015م.

وفي هذه الزيارة تعهد المسؤولون الأفغان مع باكستان أمورا غير مسبوقة في تاريخ الصين. تحدث الرئيس الصيني عن استثمار وسيع في باكستان وهي أول مرة تعلن فيها الصين عن استثمار بهذا الحجم الكبير في بلد آخر.  ومن جهة أخرى إنها أول مرة يقوم بلد آخر في باكستان باستثمار على هذا المستوى.

أعطت باكستان أهمية كبيرة لهذه الزيارة واهتم بها الإعلام العالمي أيضا، لأن العلاقات الصينية الباكستانية تشبه ائتلافا استراتيجيا يؤثر على سياسات المنطقة كما وعلى السياسة العالمية.

 

خلفية العلاقات الصينية الباكستانية

بعد ثورة شيوعية في الصين، كانت روسيا أول دولة اعترفت بجمهورية الصين الشعبية، فكانت روسيا أول دولة شيوعية وكانت الهند أول دولة غير شيوعية وكانت باكستان أول دولة إسلامية اعترفت بجمهورية الصين الشيوعية. وكان لاعتراف باكستان أثر طويل على العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بدأت في 4 من مايو/أيّار 1951م.

في البداية كانت العلاقات الهندية الصينية في وضع حسن ووصفت بالأخوة الهندية الصينية. لم تكن العلاقات الباكستانية الهندية في تلك الفترة جيدة، لأن باكستان دخلت حينها في اتفاقيات “سيتو”، و”سينتو”، مع أمريكا والغرب. ولكن عندما بدأت الصين عمليات في تبت، ورحبت الهند بـ”دلاي لاما”، وظهرت معها، مشكلة حدودية بين الهند والصين انتهت إلى حرب في 1962م، كل ذلك لعب دورا في تحسين العلاقات الباكستانية الصينية.

مع أن العلاقات الباكستانية الصينية لم تكن في وضع جيد إبان حكم الجنرال أيوب خان في باكستان، وعندما دخلت الصين في حرب مع الهند وقّع ذوالفقار علي بوتو وزير الخارجية الباكستانية اتفاقية حدودية مع الصين عام 1963م، وبذلك رفع خطوة كبيرة تجاه تحسين العلاقات الثنائية، وتم وضع أسس للصداقة الاستراتيجية.

في عام 1965 وبعد الحرب الباكستانية الهندية اتسعت العلاقات الدفاعية بين باكستان والصين إلى حدود أوسع أصبحت صداقة استراتيجية عام 1972م. ودعمت الصين باكستان في حرب عام 1965م، وفي حرب عام 1971م، باستثناء واحد[1].

وهكذا عندما اجتاحت روسيا على أفغانستان، أيّدت الصين الموقف الباكستاني، وإضافة إلى ذلك دعمت باكستان في صناعة مقاتلات “جي إف 17″، ودبابة الخالد، وصواريخ، كما ودعمتها في البرنامج النووي.

بدأت الصداقة الصينية الباكستانية بشكل قوي ولم تتأثر بانضمام باكستان بالغرب أيضا، وقد قربت العداوة مع الهند والمصالح الاقتصادية الاستراتجية هاتين الدولتين.

 

ساحة الطاقة الباكستانية الصينية

اهتمت باكستان بزيارة الرئيس الصيني وتم ترحيبه بشكل حار في إسلام آباد. وعندما دخلت طائرة الرئيس الصيني الأجواء الباكستانية قامت 8 طائرات مقاتلة باكستانية بمصاحبتها حتى المطار، وكان المسؤولون الباكستانيون في استقبال الرئيس الصيني هناك.

وفي زيارته إلى باكستان وقّع الرئيس الصيني 51 اتفاقية مع الجانب الباكستاني، إضافة إلى ذلك وقّع اتفاقية حول ساحة القوة الباكستانية الصينية تشمل مشارع تقدر بـ46 مليار دولار، وسيتم استثمار هذه المبالغ في الساحات الأتية:

33,79 مليار دولار في مجال الكهرباء، 5,90 مليار دولار في مجال المشارع، 3,69 مليار في مجال سكة الحديد، 0,66 مليار في غوادر، 0,04 مليار في مشروع “أبتيك فايبر”، بين باكستان والصين.

ستبني الصين أنبوب غاز من غوادر إلى الداخل الصيني، وتصبح الطريق أقصر من البحر من جهة ومن جهة أخرى ينتهي قلق الصين من أن يكون نفطها تحت مراقبة الهند، لأن النفط عنصر مهم في الرقي الاقتصادي.

وسوف يؤثر هذا المجال على إقليم شينغيانغ أيضا، لأن الصينيين ومنذ عقد من الزمن يعملون على أن يكسبوا رقيا اقتصاديا في غرب البلد وخاصة في إقليم شينغيانغ، وأن يضعوا بذلك نهاية للاضطرابات الأمنية.

من جهة أخرى، تواجه باكستان شحا في الطاقة كما وتواجه ترديء في الأوضاع الأمنية، وبسبب ذلك لا يثمر أي بلد في باكستان. وفي مثل هذه الفترة تقوم الصين باستثمار 46 مليار دولار. وسوف يلعب ذلك دورا في رقي باكستان الاقتصادي، وفي مجال الطاقة للبلد.

 

موانع أمام العلاقات الباكستانية الصينية

هناك مانعان مهمان أمام مشارع الطاقة الباكستانية الصينية. الأول قضية الأمن، والثاني مخالفات الأحزاب السياسية الباكستانية حيال ذلك.

فالأحزاب السياسية الباكستانية وخاصة البشتوية منها، كحزب إسنفديار، وأسكرزاي، وآفتاب شيرباو، ومولانا فضل الرحمن، وحركة عمران خان الحاكمة في الإقليم، وأحزاب قومية أخرى في بلوشستان تخالف أي مشروع تبعد الطريق التجاري مع كاشغر في الصين، من خيبربختونخواه وبلوشستان إلى إقليم بنجاب، لأن المشروع كان يمر من مناطق بشتوية، والخطة الحالية طُرحت على أساس أن يمر المشروع من بنجاب.

من الناحية الأمنية هناك اضطرابات أمنية كثيرة في المنطقة، بعضها تهديدات داخلية لأن المنطقة قريبة من الأماكن المضطربة. ومن دون إحلال الأمن فيها، لا يستقر المشروع. إضافة إلى ذلك تدهورت الأوضاع الأمنية في غوادر أيضا، ويؤثر الوضع الأمني الأفغاني على هذا المشروع. وفي هذا الصعيد طلب الرئيس الصيني من المسؤولين الباكستانيين أن يحتفظوا بعلاقات جيدة مع أفغانستان.

 

أثر الزيارة على المنطقة

نلّخص آثار زيارة الرئيس الصيني إلى باكستان على المنطقة في الآتي:

أولا: ستؤثر الزيارة على التكامل الاقتصادي في المنطقة، وهو من أولويات السياسة الخارجية لدى أشرف غني الرئيس الأفغاني. ويمكن لكابول أن تستفيد من هذا المشروع إذا مر من منطقة واخان وسيزداد بذلك حجم التجارة الأفغانية.

ثانيا: إقليما ستؤثر الزيارة على الهند، لأنه ومنذ فترة برويز مشرف هناك شائعات تقول إن القوات الصينية البحرية حصلت على قاعدة عسكرية في غوادر، أو تنوي ذلك بقوة. وبما أن غوادر تقع على مقربة من مضيق هرمز فيمكن للصين أن تراقب تبادل 40% من نفط العالم. ومن جهة أخرى سوف تبدأ منافسة هندية صينية في بحر الهند أيضا.

ثالثا: وساحة الطاقة هذه تحمل أهمية استراتيجية للصين، لأنها تقوي اقتصادها الراقي على أساس أنابيب النفط من جهة، ومن جهة أخرى تجد طريقا قصيرا إلى الشرق الأوسط وأوروبّا. لأن رقي الطاقة في هذه المنطقة تكون في مصلحة الصين، وهذه الحالة تضع من الآن المنافسة الهندية الباكسانية على قدم وساق.

رابعا: تقوم الصين بإحداث فريق مشكّل من روسيا وباكستان للمنافسة مع فريق أمريكا، والهند، واليابان وأستراليا. ولذلك ترغب الصين في تعزيز العلاقات بين هذه الدول، وحتى الآن وقّعت الصين مع روسيا اتفاقية نفط تبلغ 400 مليار دولار، وتريد الصين أيضا أن تبني طريق سكة حديد سريعة بين البلدين تبلغ 242 مليار دولار.

ودخلت الصين مع باكستان في ساحة أخرى، سيكون من شأنها أن تقوي الصداقة الباكستانية الصينية. إضافة إلى ذلك تريد الصين عبر طريق الحرير الجديدة، أن تعزز علاقاتها مع أفغانستان ودول آسيا الوسطى من الناحية الاقتصادية.

النهاية

[1] وهو أن الصين لم ترسل جنودها إلى الحدود تاييدا لباكستان.