أفغانستان وباكستان… مكافحة الإرهاب المشتركة

يمثل اليوم الـ16 من ديسمبر تاريخا أسود لباكستان، ففي 16 من ديسمبر 1971م، انهزمت القوات الباكستانية في باكستان الشرقية (بنغلاديش، حاليا)، وسلّم الجنرال الباكستاني نيازي سلاحه لقائد القوات الهندية الجنرال (ارورا).

والآن وبعد 43 سنة وفي 16 من ديسمبر 2014م، هاجم مجرمون عدة باسم الجهاد والإسلام على مدرسة في بيشاور وقتلوا 141 طالبا معهم أستاذ وامرأة كانت تدير المدرسة.

وتبنت حركة طالبان باكستان الأصلية بزعامة الملا فضل الله مسؤولية الهجوم، وقال المتحدث باسم الحركة إنهم قاموا بهذا الهجوم أخذا للثأر إزاء ما قتلت القوات الباكستانية من أطفال ومدنيين في وزيرستان.

وما عدى الإعلامُ الباكستانيُ ولا الساسة الباكستانيون الإنصافَ إذ وصفوا هذا الحادث كأمر ذاكرة في تاريخ باكستان الحديث بعد سقوط داكا، (عاصمة باكستان الشرقية).

جريمة لا تقبل التأويل

حتى وإن كانت القوات الباكستانية قد قتلت المدنيين في وزيرستان، فإن قتل من لا علاقة لهم بذلك مرفوض بأي مقياس، وهو جريمة لا تقبل التأويل. وهو اعتراف بجرائم أمريكية قامت بها أمريكا ثأرا لضحايا حادثة 11 من سبتمر، من هجوم على أفغانستان ودول إسلامية أخرى، ومن إراقة لدماء من لا علاقة لهم بذلك الحادث. إن الذين قتلوا الأبرياء في مدرسة بيشاور ارتكبوا جريمة شنيعة، ووفروا أرضية وتوجيها لما قامت بها أمريكا بعد 11 من سبتمر.

طالبان جيدون وطالبان سيئون

ينتقد الإعلام الباكستاني سياسات باكستان السابقة تجاه طالبان، وحتى نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني يقول إنه لا معنى لـ”طالبان جيدين”، و”طالبان سيئين”، وسيتم تنفيذ العمليات ضدهم جميعا. ويرى المحللون الباكستانيون بأن مولانا فضل الرحمن ومولانا سميع الحق هما أحدثا مصطلح طالبان جيدين وسيئين. وفي شهر فبراير 2014م، قال جاويد إبراهيم براشه، عضو تابع  لرابطة المسلمين جناح نواز في المجلس الباكستاني: إننا لا نرى مشكلة مع طالبان “محبي الوطن”. مع أن الإعلام الباكستاني حاليا ينتقد مواقف القادة الباكستانيين، ولكن خطأ آخر لهؤلاء القادة يطلب الاهتمام.

فعندما لجأ طالبان أفغان إلى المناطق القبلية في باكستان بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان، أخذت حركة طالبان باكستان تتشكل كمجموعة تابعة لطالبان أفغانستان. ومنذ البداية حاولت المخابرات الباكستانية أن تسد الطريق على وجه وحدة الصف بين طالبان باكستان. وفيما عقد الجيش الباكستاني مع بعضهم معاهدة السلام حارب بعضهم الآخرين. تؤكد اليوم إحصاءات بأن طالبان باكستان انقسم على 24 مجموعة، فيها ثلاث مجموعات كبيرة.

وسبب تعدد هذه المجموعات مشكلة عندما أرادت الحكومة الباكستانية أن تبدأ معهم محادثات السلام. ومن هذه المجموعات ظهرت مجموعات متطرفة صغيرة اشترطت ما لم تقبل به الحكومة الباكستانية، وعلى إثر ذلك فشلت المحاولات لأن مجموعات متطرفة طالبت حتى إلغاء الدستور الباكستاني.

من جهة أخرى، سبب تعدد المجموعات أن استغلت بعض الأيادي المشبوهة من جهلها وحماقتها ونفذت عبرها جرائم بشعة، واحتفاظا لوحدة كيان الحركة آثر قادة الحركة الصمت كي لا يظهر للعلن ما بداخل الحركة من خلافات ونزاعات، وهكذا ألقي جميع اللوم على حركة طالبان. ونتيجة لذلك تراجع كثير من مؤيدي الحركة عن موقفهم واليوم يطب أناس من أمثال حافظ سعيد قائد “جند طيبة”، إعدام السجناء لحركة طالبان.

من وزيرستان إلى سريلانكا

وأما تجاه حادثة بيشاور فإن ساسة باكستان اتفقوا، ويرون بأن سريلانكا نجحت في تدمير “نمور التاميل”، (الحركة السريلانكية الانفصالية)، وتستطيع باكستان أن تفوز في حربها مع طالبان. ولكن هناك سؤال. هل الأوضاع الباكستانية تشابه سريلانكا؟

فيما كانت نمور التاميل تحارب قوات سريلانكا من جزيرة صغيرة، كان وضع حصار عليهم سهلا. إلا أن الحرب معهم طالت ل26 سنة. وأما ملاذات طالبان فهي تقع في المناطق القبلية بين أفغانستان وباكستان وتوفر لهم الهروبَ من الحصارِ والتنقلَ بين البلدين.

بناءً على ذلك، لو أرادت باكستان حقا قلع جذور هذه الأزمة، لا يمكن للجيش الباكستاني أن يقوم بذلك وحده. ولربما هذا الأمر هوالذي دفع الجنرال راحيل شريف والجنرال رضوان أختر إلى زيارة كابول. وقال نواز شريف في مؤتمر 17 من ديسمبر إنه وصل إلى توافق مع أشرف غني في مكافحة الإرهاب.

إمكانية عمليات مشتركة بين البلدين

يبدو أن الجانب الباكستاني يرغب في أن يقوم البلدان بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ضد حركة طالبان على طرفي خط “ديوراند”. وصرّح المسؤولون الباكستانيون بأن قوات البلدين لا تدخل إلى الطرف الثاني.

مع أن الموقف الرسمي للحكومة الأفغانية تجاه الأمر يبقى غير معلوم، إلا وكما يبدو فإن الجانب الباكستاني يرغب في عمليات عسكرية في ولاية كونر الأفغانية، حيث يقال إن الملا فضل الله زعيم حركة طالبان باكستان لجأ إليها.

إن انعدام الثقة بين البلدين يجعل من الصعوبة بمكان وصولهما إلى توافق مشترك على أمد قصير. وفي زيارته إلى كابول قدم راحيل شريف شواهد دالة على التخطيط بهجوم بيشاور من أفغانستان. ومثل هذه الأدلة قدمها المسؤولون الأفغان لمرات عديدة للجانب الباكستاني والتي تم رفضها.

قال نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني إن البلدين وصلا إلى توافق بشأن عمليات مشتركة على طرفي خط “ديوراند”، ولكن الحكومة الأفغانية تؤكد فقط توافقا بشأن تنسيق العمليات بين قوات البلدين على طرفي الخط.

بناءً على هذا، يلقي انعدام الثقة بين الطرفين بظلاله على العلاقات الثنائية بين البلدين حتى اللحظة، ولو سبب التطور الأخير تنسيقا في العمليات العسكرية بين الطرفين، فإنها سيكون إنجازا كبيرا. النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *