العلاقات الأفغانية الباكستانية ودبلوماسية اللغة!
منذ ستة عقود الماضية جرّبت كابول مع إسلام آباد نزاعات وخلافات على أساس “اللغة”، “والجيل”، وقد لعب هذان العنصران دورا هاما في تدهور العلاقات بين البلدين. فإن اللغة المشتركة والجيل المشترك بين أفغانستان وباكستان أثرت سلبا على العلاقات الثنائية بين البلدين بدلا من أن تؤثر إيجابيا. وقديما كانت لدى كابول تحفظات بشأن اعتقال الزعماء البشتون من قبل باكستان وأحيانا كانت تفكر في “اتحاد” باكستان الغربية. ولذلك وفرت كابول للزعماء البشتون ملاذا فيها، وهو أمر جعل الجانب الباكستاني مستاءً مما كان يراه تدخلا أفغانيا في شؤونه الداخلية. إن أفغانستان كونها مركز البشتون كانت ترى من حقها أن تدافع عن حق البشتون، ومن جهة أخرى كانت إسلام آباد تتهم الأحزاب البشتونية القومية بسبب علاقاتها القوية مع البشتون في أفغانستان. فكانت لهذه اللغة المشتركة والقومية المشتركة أثر سلبي كثير.
مع أن أفغانستان كانت لها مع بشتون باكستان علاقات حميمة حتى عام 1979م، ولكن فور هجوم السوفييت على أفغانستان انتقل التوجه القبلي نحو إسلام آباد والرفاه المعيشي الذي كانت القبائل تناله من تلك الجهة.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، جاء حامد كرزاي حاكما لأفغانستان واستمر في سياسة أفغانستان السابقة تجاه البشتون وقام بدعوتهم مرارا إلى كابول.
وكانت باكستان ترى إلى هذه السياسة بالقلق، وأخيرا أراد الجنرال مشرف أن يضع حدا لهذه السياسة فأطلق سلسلة من مجالس الأعيان للبشتون من الجانبين. مع أن هذه المجالس لم تلعب دورا يُذكر في تحسين العلاقات بين البلدين، إلا أنها وضعت هيكلة للتواجد البشتوني في البلدين.
لغة مشتركة وشعب مشترك… وسيلة للدبلوماسية الناجحة
يوجد في العام نوعان من الدبلوماسية، أولا العلاقات والدبلوماسية الرسمية المتبادلة بين الدول، وثانيا العلاقات المتبادلة بين الشعوب وهي أكثرهما تأثيرا.
منذ استقلال باكستان كانت هناك علاقات ثنائية رسمية بينها وبين أفغانستان. وحينها أرسل الملك الأفغاني محمد ظاهر سفيرا لمؤسس باكستان محمد علي جناح الذي رحب به. ولكن العلاقة الشعبية رُسخت بعد 1979م، عندما اضطر خمسة ملايين أفغان على اللجوء إلى باكستان. ومنذ تلك اللحظة جرّب الشعبان علاقات قريبة جدا.
مع أن الدولتين وأثناء الحرب الباردة جرّبتا مشاكل عدة بسبب اللغة المشتركة والجيل المشترك، كما سلف ذكره، بأن كابول رفعت دوما صوتها ضد ما قامت به إسلام آباد من سياسات ضد البشتون، وأنها دافعت دوما عن حق البشتون في باكستان، وأن باكستان كانت تعتبر ذلك تدخلا في شؤونها الداخلية، ولكن الطرفان اتفقا الآن على أن يستخدما هذه النقطة لتحسين ما بينهما من علاقات.
وفي باكستان أيضا، يرى دبلوماسيو وزارة الخارجية ومعهم آخرون أن هذه اللغة المشتركة يكون من شأنها أن تخدم المصالح، وعملية بناء الثقة وتحسين العلاقات. فإنهم يتفائلون مع ذلك ويسمونه دبلوماسية اللغة[1].
ساسة بشتون في زيارة إلى كابول
في الأسبوع الماض دعى أشرف غني الرئيس الأفغاني مندوبي الحزب القومي البشتو، والأحزاب المذهبية والعلمانية إلى كابول، وتلبية لهذه الدعوة جاء محمود خان أسكزاي، وافراسياب ختك، وآفتاب شيرباؤ إلى كابول في زيارة لمدة يومين، ولم يأت معهم فضل الرحمن الزعيم المذهبي. والتقت هذه الهيئة الباكستانية مع الرئيس الأفغاني، والرئيس التنفيذي، والرئيس السابق، ورئيس المجلس الأعلى للسلام، ومستشار الأمن الوطني، ومع أعضاء البرلمان وسياسيين آخرين.
وقام هؤلاء الساسة في كابول بإجراء محادثات حول أزمات تخص أفغانستان، وخيبربختونخواه، وبلوشستان، والقبائل البشتوية، ومنها كيفية تحسين الوضع الأمني في البلدين، “والمكافحة المشتركة ضد الإرهاب”، ومشاكل اللاجئين الأفغان في باكستان.
وكانت هذه الزيارة محاولة لتعزيز الثقة بين أفغانستان وباكستان وخاصة مع إقليم خيبربختونخواه. لأن الهيئة لا يمكنها أن تملي شيئا كثيرا على صناع القرار في الحكومة الإقليمية فضلا عن الحكومة المركزية. ولذلك كانت على كابول على أقل التقدير أن تدعو أعضاء من حركة إنصاف في بيشاور، أو وزراء من الحكومة الإقليمية في خيبر بختونخواه.
علاقات تقترب
بعد تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، أظهرت باكستان لأول مرة أنها يمكن أن تعزز علاقاتها مع أفغانستان بعد طالبان. وقبل هذا كان الساسة الباكستانيون يرون إلى أقوال السيد كرزاي كمواقف غير قائمة، وبناءً على ذلك كثّف المسؤولون الباكستانيون من زياراتهم إلى أفغانستان بعد تولي أشرف غني سدة الحكم في أفغانستان. وتنوي كابول أيضا أن تعزز علاقاتها مع باكستان في المجال الاقتصادي، والتجاري، والأمني، وفي مجال النقل، وأن تستمد عونا من إسلام آباد في عملية السلام. فإن العلاقات والزيارات الثنائية بعد تولي أشرف غني الحكم في أفغانستان تتلخص في التالي:
- زيارة الرئيس الباكستاني إلى كابول يوم تنصيب أشرف غني رئيسا للبلد،
- زيارة سرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني إلى كابول،
- زيارة راحيل شريف قائد أركان الجيش الباكستاني إلى أفغانستان مرتَيْن،
- زيارة رضوان أختر رئيس “آي أيس آي”، إلى أفغانستان ثلاث مرات. (الزيارة الأولى في أول يوم من عمله، الثانية مع راحيل شريف بعد حادث بيشاور الدامي “16ديسمبر”، والثالثة في 12 من يناير 2015م).
- زيارة أشرف غني إلى إسلام آباد،
- زيارة شير علي كريمي قائد أركان الجيش الأفغاني إلى راول بندي،
- زيارة أعضاء البرلمان الأفغاني إلى باكستان،
- زيارة مزمل شينواري القائم بأعمال وزارة التجارة والصنائع الأفغانية إلى باكستان،
- زيارة هيئة باكستانية سياسية إلى كابول.
ومن المقرر أيضا أن يقوم صلاح الدين رباني رئيس المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، مع عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي لأفغانستان بزيارة إلى إسلام آباد.
وبعد تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” في كابول، تصاعدت وتيرة هذه الزيارة بين كابول وإسلام آباد، ولكن إلى لآن يبدو غامضا إن كانت لهذه العلاقات نتجية إيجابية بخصوص عملية السلام الأفغانية أم لا. وإن رغبة الجانب الأفغاني في تحسين العلاقة مع باكستان تكمن في أنه يرى مفتاح السلام بيد باكستان. النهاية
[1]InamullahKhattack, Pakistan launches Pashto Diplomacy to woo Kabul, The Nation, 11 Jan 2015, see it online: <http://nation.com.pk/national/11-Jan-2015/pakistan-launches-pashto-diplomacy-to-woo-kabul>