أمريكا وانتهاك حقوق الإنسان

“لا أستطيع أن أتنفس”، شعار يردده في الآونة الأخيرة مخالفو سياسة العنصرية في الولايات المتحدة، وهي إشارة إلى قتل رجل أسود من قبل الشرطة الأمريكية. لقي “إريك غارنر”، الرجل الأسود حتفه على إثر خنقه من قبل الشرطة وكان يردد: “لا أستطيع أن أتنفس”. مع أن وسائل الإعلام تُلقي لوم العنصرية على شرطة البلد فقط، ولكن هذه الحادثة وتبرئة الشرطي القاتل من قبل المحكمة أظهرت بأن العنصرية ليست اتجاها فرديا بل هي متجذرة في نظام الحكم الأمريكي.

إن أمريكا بلد يدعي حماية حقوق الإنسان في العالم كله، ويتخذ ذلك ذريعة لإلقاء اللوم على الدول الأخرى، إلا أن المظاهرات المناهضة للعنصرية في أرجاء البلد تبين حقائق تنفي الإدعاءات الأمريكية.

التعذيب في السجون الأمريكية

يُعتبر التقرير الأخير لمجلس الشيوخ الأمريكي حول التعذيب في السجون الأمريكية، اعترافا رسميا من قبل أعلى هيئة مقننة أمريكية بشأن انتهاك حقوق الإنسان في هذا البلد. إلا أن الذي جاء في التقرير هو محاولة لإخفاء الجرائم المروعة لـ”سي آي ايه”، في سجن غوانتانامو وبقية السجون الأمريكية. وركّز التقرير على الإذعان بتعذيب السجناء كصفعهم، وضربهم بالجدار، وإهانتهم، وخلع ملابسهم في الجو البارد، فيما تم التجاهل عن أنواع أخرى من التعذيب أكثر بشاعة، وكملف “إريك غارنر”، نُسب الأمر إلى مجموعة صغيرة وليس إلى السياسة الأمريكية.

كتمان جرائم أبشع

لم يتناول التقرير أي جديد بشأن التعذيب من قبل أمريكا، ومن قبل أيضا، صرّح بعض المفرجين عنهم من سجن غوانتانامو بهذه الأنواع من التعذيب، وقد نُشرت صور وحتى فيديوهات من التعذيب. إلا أن نشر هذا التقرير في هذه التفرة مثيرة للتساؤل.

وفي التقرير الذي تم نشره لا نرى أي إشارة إلى الذين أقلبوا على الانتحار، الذين أجبرهم التعذيب القاسي على الانتحار، والذين اعتبر المسؤولون في “سي آي أيه”، انتحارهم مؤامرة منهم ضد أمريكا!!

في يونيو/حزيران 2006م، أفادت وكالات الأنباء بأن ثلاثة سجناء انتحروا في سجن غوانتانامو. وفي عام 2007م، أفادت وكالة أسوشيتيد بريس أن سجينا في غوانتانامو حاول الانتحار عشر مرات، إلا أن السجانين حالوا دون انتحاره، وأن السجين يأمل الانتحار لغموض مستقبله.

وكان السجين جمعة محمد الدساري البالغ من العمر 33 سنة، كتب إلى برنامج نشرته الوكالة: “نحن هنا نواجه أبشع تعذيب جسمي”.

حتى عام 2012م، انتحر على أقل التقدير سبعة سجناء في غوانتانامو، وكان السابع عدنان عبداللطيف 32 سنة من اليمن. بعد ثلاثة أشهر من موته، أعلن المسؤولون الأمريكيون أن سبب موته كان الانتحار. وقال وكيل السجين إن عبداللطيف مات بسبب استخدام مكثف للأدوية وأنه لم يستطع فعل ذلك بإرادته في السجن الذي كان به. وكان يعاني من مرض الربو، من دون أن تكون له رعاية صحية، ولربما كان متروكا في زنزانته “ولم يستطع أن يتنفس” مثل إريك غارنر.

ويُحتمل أنه لمرضه كان سبب مزاحمة للسجانين وأنهم رجحوا قتله، وبالنظر إلى ظروف موته ادعى محاميه أن عبداللطيف قُتل. وقد قضى هو عشر سنوات في غوانتانامو من دون أي تهم.

إن إلقاء نظرة إلى هذا التقرير ومقارنته بما حدث في سجن غوانتانامو، يظهر أن التقرير تناول القليل فقط، وهدفَ عمدا إلى كتمان الوقائع الأبشع في هذا السجن. على سبيل المثال يتحدث السجناء المفرجون عنهم عن وجود شقة خاصة للسجناء الذين فقدوا التوازن العصبي. وأحيانا يأخذون بعض السجناء الآخرين إلى هذه الشقة لتعذيبهم بالأرق والسهر. ولم يتناول التقريرُ التعذيبَ بالجوع.

ذكريات السجناء السابقين

إن اثنين من السجناء الأفغان من سجن غوانتانامو، “عبدالرحيم مسلم دوست”، و”الملا عبدالسلام ضعيف”، نشرا ذكرياتهما.

في كتابه بعنوان، “صورة من غوانتانامو”، يلخص الملا عبدالسلام ضعيف التعذيب الروحي والجسمي في سجن غوانتانامو كالتالي:

  • عدم وجود القانون.
  • العقوبات غير الإنسانية من دون سبب.
  • عنف الجنود.
  • غموض المستقبل.
  • السجن في الزنزانة لفترات طويلة.
  • إهانة المقدسات الإسلامية، مثل المصحف.
  • عدم السماح للمطالعة، وعدم وجود أي هواية، ما يجعل السجين دوما في الحيرة والقلق.
  • منع السجين من النوم لفترات طويلة، تصل أحيانا إلى الشهور، وتسبب أمراضا روحية للسجين.
  • التعذيب المهين، مثل إخلاع الملابس.
  • إعطاء معلومات غير صحيحة للسجناء حول ذويهم، مما يسبب قلقا روحيا لهم.
  • عدم معالجة السجين المريض، ليعاني المرض.
  • توقيف رسائل أسر السجناء لفترات طويلة. وأحيانا يقومون بشطب بعض السطور من الرسالة ليجعلوا السجين في حيرة من أمر أسرته.

أثر هذا التعذيب على الأمن العالمي

يتهم معارضو التعذيب في أمريكا، المسؤولين في جهاز المخابرات بتضليل الحكومة الأمريكية، وإعطاء المعلومات الخاطئة، ويقولون إن تعذيب السجناء لم يُجدِ نفعا في وقاية الهجمات الإرهابية. وإن المعلومات المحصولة من السجناء كانت غير صحيحة، لأنهم أدلوا بها خوفا على حياتهم وتخلصا من التعذيب.

لم يتطرق التقرير إلى تساؤل يقول، لماذا السجناء المفرجون عنهم، أصبحوا رموزا للعداوة مع أمريكا، ويريدون الثأر من أمريكا بأي ثمن. عبدالرحيم مسلم دوست نموذج لذلك. فهو قبل أن يُسجن من قبل “سيا”، لم يكن على صلة لا مع القاعدة ولا مع طالبان. وكان تاجرا للصابون في بيشاور الباكستانية، وكان يعمل في الكتابة والترجمة.

إلا أنه وبعد إطلاق سراحه، أصبح مرة أخرى مطلوبا لدى الإدارة الأمريكية، لأنه ينوب أعنف مجموعة مسحلة، أي الدولة الإسلامية بزعامة أبوبكر البغدادي في آسيا الجنوبية. فهل سبب التعذيب في أمريكا خيرا وصلاحا لعالمنا؟! النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *