اتفاقية المصالحة بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية.. خلفية ومستقبل

 

في 29/سبتمبر/2016 تم توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي من قِبل الرئيس الأفغاني أشرف غني وقائد الحزب الإسلامي المهندس حكمتيار. قبل التوقيع الأخير بأسبوع وتحديداً في 22/سبتمبر/2016 تم توقيع الاتفاقية من قِبل مندوب الحزب الإسلامي المهندس أمين كريم ومستشار مجلس الأمن الوطني الأفغاني حنيف أتمر.

لأجل توقيع اتفاقية السلام عُقد مجلسٌ حافل بالقصر الرئاسي حضره رئيس الجمهورية أشرف غني والرئيس السابق حامد كرزاي والرئيس التنفيذي د/ عبدالله عبدالله والنائب الثاني لرئيس الجمهورية سَرْوَر دانِش والنائب الأول للرئيس التنفيذي المهندس محمد خان والنائب الثاني للرئيس التنفيذي محمد محقق، وبعض القياديين السابقين في الجهاد الأفغاني ومندوبون من وفد الحزب الإسلامي ودبلوماسيون أجانب وآخرون.

في هذا المجلس قدم حكمتيار كلمته ووقع على الاتفاقية عبر شريط فيديو مُسجل. قام الرئيس الأفغاني بالتوقيع على الاتفاقية ممثلا الحكومة الأفغانية وقدم كلمة للحاضرين. كان من ضمن الذين تحدثوا في المجلس الدكتور عبدالله عبدالله وأمين كريم وسيد أحمد جيلاني وغيرت بهير والسيدة بلخي.

يتناول هذا التحليل خلفيةَ محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي، وما آلت إليه هذه المحادثات بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ومستقبل الحزب الإسلامي في البلد.

 

خلفية الحزب

الحزب الإسلامي في أفغانستان واحد من الأحزاب الكبيرة الأربعة وله أربعة عقود من التاريخ، وفي البداية كان جزءا من الحركة الإسلامية مع الجمعية الإسلامية. أيام الجهاد ضد السوفييت كان للحزب مثل الجمعية ثقل واسع. عقب الحرب الأهلية وبعد أن ظهرت حركة طالبان في الساحة الأفغانية توقفت نشاطات الحزب وخرج قائد الحزب الإسلامي من أفغانستان.

أيام حكم طالبان لم يكن للحزب دور كبير في القضية الأفغانية، لكن بعد أن تم تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان بعد الغزو الأجنبي عام 2001م، بزعامة حامد كرزاي، اعتبر المهندس حكمتيار دخول القوات الأجنبية إلى البلد “احتلالا”، وأطلق كفاحا مسلحا ضد القوات الأجنبية. منذ 2001م، انتقل كثير من أعضاء الحزب الإسلامي من بيشاور إلى كابل، وأصبحوا جزءا من الحكومة الأفغانية.

 

خلفية محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي

رغم الغموض الموجود حول خلفية المحادثات بين الطرفين، لكن يبدو من البيانات الرسمية، أنها بدأت عام 2010م. يشار أن عدداً من أعضاء الحزب جاؤوا إلى كابل قبل هذا التاريخ، لكن إلى الآن الأمر موضع جدل إن كان عملهم تصرفاً من عندهم أم برغبة من حكمتيار.

وبصدد المحادثات الرسمية بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي ذكر مصدرٌ لمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية أنه عندما أُطلق سراح رئيس الوفد السياسي للحزب الإسلامي د/ غيرت بهير – الذي هو زوج ابنة حكمتيار وأقرب الناس إليه عام 2008؛ بقيَ ضيفاً لدى القصر الرئاسي لعدة أيام، واستؤنفت العلاقات مع الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار عن طريق د/ غيرت بهير. إلا أنه وفقاً للصحافة فقد بدأت العلاقات بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي عندما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بداية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان ستكون بنهاية عام 2011.

في عام 2010م، لهذا الإعلان ولخلافات كرزاي مع أمريكا، أرسل الحزب الإسلامي وفداً برئاسة غيرت بهير وقطب الدين هلال إلى كابل لمحادثات السلام. قدّم الحزب الإسلامي وقتها مقترحا بحل الأزمة الأفغانية احتوى على 15 مادة، ومن أهم ما جاء فيها التالي:

  • على القوات الأجنية بدء مغادرة أفغانستان في يوليو 2010م، وأن تتم المغادرة خلال ستة أشهر،
  • على القوات الأجنبية أن تُسلّم المسؤولية الأمنية للقوات الأفغانية،
  • أن لا تؤسس القوات الأجنبية سجونا في البلد،
  • أن تُعلن وقتها الأطراف المشاركة هدنة،
  • أن يخرج الجنود الآخرون بعد الجنود الأمريكان من أفغانستان،
  • أن تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد الانسحاب الأجنبي، ويقود المرحلة الحالية الرئيس الحالي والبرلمان إلى الانتخابات الجديدة[1].

لم تقبل حكومة كرزاي هذا المقترح، وفشلت تلك المحادثات. ثم في 2012م، دخلت وفود الحزب الإسلامي كابل للمحادثات في وقت يتزامن مع انتشار أخبارٍ حول فتح مكتب سياسي لطالبان في قطر، وكانت الحكومة تخالف فتح المكتب وإجراء محادثات مباشرة بين طالبان وأمريكا. وقدّم الوفد مرة أخرى مقترحه بشأن السلام، لكن الحكومة الأفغانية لم تظهر أي ردة فعل.

اتفاقية السلام بين حكومة الوحدة الوطنية والحزب الإسلامي

مع تشكُّل حكومة الوحدة الوطنية أرسل الحزب الإسلامي وفداً إلى كابل وبدأت محادثات الصلح بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي. في ذلك الحين كان اهتمام الحكومة الأفغانية مُنْصبّاً على تحسين العلاقات مع باكستان والمصالحة مع طالبان؛ وعندما باءت محادثات الصلح الرباعية بالإخفاق، أُعلن في المؤتمر الصحفي المشترك المنعقد على حاشية الجلسة الثالثة للمحادثات رباعية الأطراف أن الحزب الإسلامي أيضاً طرفٌ في مفاوضات الصلح.

في 12/مارس/2016 أصدر الحزب الإسلامي (حكمتيار) بيانا رسميا صرح فيه بأن الرئيس أشرف غني دعا الحزب للمشاركة في عملية الصلح وأن الحزب قَبِل الدعوة. ومنذ ذلك الحين أخذت مفاوضات الصلح بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي طابعاً جاداً؛ إلا أن عناصر سياسية داخل الحكومة حاولت عرقلة المحادثات مما أدى إلى تأجيلها حتى الوقت الراهن.

تتكون اتفاقية السلام بين حكومة الوحدة الوطنية والحزب الإسلامي من ثلاثة فصول و 25 مادة. يتحدث الفصل الأول عن التقنين وانسحاب القوات الأجنبية من البلد ومباني الديمقراطية. الفصل الثاني يوضح التزامات الحكومة والفصل الثالث يوضح التزامات الحزب الإسلامي.

بشكل عام أكد الطرفان في الاتفاقية على تأييد انسحاب القوات الأجنبية، وقبول الدستور، وحذف أسماء قائد وأعضاء الحزب الإسلامي من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة، وإعلان وقف إطلاق النار وإطلاق سراح سجناء كلا الطرفين.

بما أنه لا توجد ضمانات مذكورة حيال العمل بالالتزامات المذكورة في الاتفاقية سيشكل تطبيق الاتفاقية والأشهر الثلاثة القادمة تحديا صعبا للجانبين؛ أحد التحديات التي تواجه الحكومة هو حذف أسماء قائد وأعضاء الحزب الإسلامي من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة والدول الأخرى “في أقصر وقت ممكن”. يُضاف إلى ذلك أن على الحكومة أن تُطلق سراح سجناء الحزب الإسلامي خلال الأشهر الثلاث القادمة.

من جانبٍ آخر على الجانبين أن يصلا إلى توافق حيال بند قدوم قائد الحزب الإسلامي إلى البلد وحضوره في الحكومة وبعض التفاصيل الأخرى التي سيتم التناقش حوْل حلها في المستقبل بين وفد الحزب الإسلامي والمجلس الأعلى للصلح.

على الرغم من أن اتفاقية الصلح مع الحزب الإسلامي تُعد إنجازاً لحكومة الوحدة الوطنية، إلا أن مصالحة الحزب الإسلامي مع الحكومة لن تكون ذات تأثير بالغ على الحرب ولن تُمهّد الطريق في سبيل المفاوضات مع حركة طالبان – الحركة الأقوى في ميدان الحرب حتى الآن. هناك آراء ترى أن اتفاقية الصلح مع الحزب الإسلامي بإمكانها أن تصعّب عملية الصلح مع طالبان أكثر؛ لأن الحكومة ستتوقع مصالحة مع طالبان بشروط يسيرة مشابهة لشروط الصلح مع الحزب الإسلامي، الأمر الذي لن يكون ممكنا في حالة الصلح مع طالبان.

 

مستقبل الحزب الإسلامي بالبلد

بشكل عام يعتمد مستقبل الحزب الإسلامي في أفغانستان على أمرين:

أولا، هل سيستطيع قائد الحزب المهندس حكمتيار ضم جميع المجموعات المنقسمة من الحزب الإسلامي تحت مظلة حزبٍ واحد؟

ثانياً، كيف سيعامل الحزب حركة طالبان والجماعات السياسية الأخرى التي سبقَ وأن كان بينها وبين الحزب الإسلامي عِداء وخصومات؟

في شريطه المرئي المسجل والمعروض في جلسة توقيع اتفاقية الصلح دعا حكمتيار حركة طالبان إلى الانضمام إلى عملية الصلح ومن جانبٍ آخر وسمَ المقاومةَ المسلحةَ للحركة بأنها غير صحيحية مما سيكون له تأثير نفسي سلبي على قيادات حركة طالبان. ولكن حركة طالبان كانت وما تزال تعتبر عروضَ الصلح من الحكومة الأفغانية بمعنى استسلام الحركة للدولة، لذا رفضت تلك العروض. علاوة على ذلك فإن حكمتيار بلا شك سيواجه معارضة سياسية بعد قدومه إلى كابل، وبجانب ضم أقسام الحزب الإسلامي تحت مظلة واحدة فإن موقف حكمتيار من طالبان والمعارضين السياسيين الآخرين أيضا سيكون له دور في تعيين مصير الحزب الإسلامي.

النهاية

[1]  راجع مقترح المهندس قلب الدين حكمتيار، الحاوي على 15 مادة، في الرابط التالي:
http://www.longwarjournal.org/archives/2010/03/hekmatyars_peace_pla.php

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *