هل يمر طريق السلام الأفغاني بكشمير؟

في لقاء عُقد الأسبوع الماضي بمركز الدراسات الموسوم بالمجلس الأطلنطي الأمريكي America Atlantic Council  في واشنطن صرح مشاهد حسين المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الباكستاني حيال كشمير وعضو حزب مسلم ليك (حزب رئيس الوزراء نواز شريف) بمجلس الشيوخ ورئيس لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ الباكستاني أنه “إذا لم تُحل قضية كشمير، فلن يستقر السلام بأفغانستان”.

أثار تصريح مشاهد حسين ردات فعل داخل وخارج أفغانستان، حيث أدانت مقولتَه وزارة الخارجية الأفغانية، ومجلس الأمن الوطني الأفغاني والمجلس الأعلى للسلام ومجلس النواب والبيت الأبيض وآخرون، لأن قضية أفغانستان وقضية كشمير حسب رؤيتهم قضيتان منفصلتان وأن مثل هذه التصريحات لا تمهد إلا لحروب بالنيابة في أفغانستان.

ما هي علاقة الأفغان بكشمير؟ هل قضايا أفغانستان وكشمير قضية واحدة أم قضايا منفصلة؟ هل يمر طريق السلام الأفغاني عبر كشمير؟ أسئلة سنحاول الإجابة عليها في هذا المقال.

الأفغان وكشمير

للأفغان علاقات قديمة مع كشمير، وقد حكم الأفغان كشميرَ بين أعوام 1752م و 1819م. في تلك الحقبة وسّع الحكام الأفغان رقعة تجارة الشالات الكشميرية وسوّقوا لها في الأسواق العالمية. برز بين الحكام الأفغانيين بكشمير جوان شير خان؛ الذي بنى قصر شير كري (والذي ما زال تحت استخدام قادة كشمير -الداخلة تحت نفوذ الهند) وجسر (أميران كدل) وبعض المنشآت الأخرى.

يُضاف إلى ذلك أن آلاف الأفغان والبشتون يقطنون بكشمير الهندية وكشمير الباكستانية. ومن الأمثلة في هذا الصدد أنه في يوليو 1954 منح رئيس الوزراء بكشمير الهندية الجنسيةَ لأكثر من مئة ألف أفغاني لم يتجنسوا قبلها هناك[1].

في الوقت ذاته هناك مهاجرون كشميريون قدموا من كشمير إلى أفغانستان والآن عندهم جنسية أفغانية. وقد أسس هؤلاء الكشميريون مجتمعاتهم بأفغانستان وشغلوا مناصب حكومية عليا في السابق. على سبيل المثال؛ قدِمَت عائلة ببرك كارمل (رئيس أفغاني سابق) من كشمير وأقامت بمنطقة بكرام في ولاية كابل.

 

خلفية قضية كشمير

ترجع قضية كشمير إلى الفترة التي حصلت فيها شبه القارة الهندية على استقلالها. حسب خطة ماونباتن المؤرخة في 3/يونيو انقسمت المستعمرة الهندية إلى قسمين؛ وفي ذلك الوقت كانت كشمير متشكلة من 562 أمارة. حسب الخطة کانت هذه الأمارات ستنضم لباكستان أو للهند. أكثر من 70% من سكان كشمير كانوا مسلمين إلا أن زعيم كشمير كان من طائفة السيخ، ومع محاولته البقاء مستقلاً إلا أنه خوفاً من هجوم باكستان طلب دعماَ عسكرياً من الهند، وهكذا وقعت الحرب الأولى بين القوات الباكستانية والهندية من أجل الاستيلاء على كشمير في 1947-1948. سيطرت الهند على كشمير حتى منطقة سينجر، وبقيت منطقة كشمير الحرة – كما يسميها – بيد باكستان.

فيما بعد وقعت الحرب الهندية الباكستانية الثانية من أجل كشمير عام 1965 عندما سمح الرئيس الباكستاني الجنرال أيوب خان بعمليات جبل طارق في كشمير عملاً بإرشادات ذو الفقار علي بوتو. قدّرت باكستان أن مسلمي كشمير الداخلة تحت إدارة الهند سيثورون بعد عمليات جبل طارق ونتيجةً لذلك ستصبح كشمير مستقلة أو ستصبح جزءاً من باكستان؛ إلا أن قوات الهند في مقابل عمليات جبل طارق هاجمت على بنجاب – الولاية الاستراتيجية بباكستان – ووصلوا إلى أبواب مدينة لاهور في مدة وجيزة. وتحت تأثير ضغوط دولية تم إيقاف هذه الحرب ووقّعت كلتا الدولتين اتفاقية طاشكند.

بعد الحرب الثانية، لم تُثَر قضية كشمير إلا في المحادثات الدبلوماسية؛ ولكن عندما انتصر المجاهدون الأفغان في الحرب على الاتحاد الشيوعي واضطرت القوات الشيوعية لمغادرة أفغانستان؛ ظهرت الحرب مجددا في كشمير مُلهَمةً بما حدثَ في أفغانستان. خلال هذه الحرب لعب ذكاء الجانب الباكستاني دوراً مهما بتدريبه وتجهيزه ودعمه لجماعة (جيش طيبة) و (جيش محمد) وبعض الجماعات الأخرى ومازال ذلك مستمراً؛ وبالتالي بدأت الحرب مرةً أخرى في كشمير عام 1990.

من جانبٍ آخر، على الرغم من أن المعاناة الطويلة بأفغانستان بدأت منذ (انقلاب ثور) الشيوعي واجتياح القوات الشيوعية لأفغانستان؛ إلا أن الأزمة الحالية بالبلد مرتبطة بتواجد القوات الأمريكية في أفغانستان.

 

علاقات كابل- دلهي ومخاوف باكستان

مع أنه منذ فترة طويلة وتحديداً بعد 2001، يربط الخبراء والمحللون الدوليون في أفغانستان وباكستان وبعض الدول الأخرى الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بحل قضية حد ديورند بين أفغانستان و باكستان، وبحل قضية كشمير بين باكستان والهند؛ إلا أن تصريح مشاهد حسين يُعتبر المرة الأولى التي تربط فيها باكستان رسمياً بين السلام في أفغانستان وحل قضية كشمير.

في لقاء له بمركز دراسات (المجلس الأطلنطي) بواشنطن صرح مشاهد حسين أن “طريق السلام الأفغاني يمر من كشمير، بمعنى أنك عندما تتحدث عن السلام لا تستطيع تجزئة السلام، لا تستطيع فصلَ جزءٍ منه، نعم بإمكانك أن تحصل على السلام في كابل وتترك كشمير تحترق. هذا لن يحصل”[2]

بشكلٍ عام تلمح هذه التصريحات إلى حرب باكستانية – هندية تقع بالوكالة في أفغانستان، وبجانب التصريحات الأخيرة للحكومة الأفغانية ضد باكستان؛ تنبع هذه التصريحات من العلاقات القريبة الهندية- الأفغانية. في السياسة الدولية يُعتبر هذان الموضوعان موضوعين منفصلين. قضية أفغانستان منفصلة عن قضية كشمير. الحرب في أفغانستان بسبب التواجد الأمريكي، بينما ترجع أزمة كشمير إلى استقلال الهند وباكستان.

 

لماذا تربط باكستان قضية أفغانستان بكشمير؟

السبب في تصريحات باكستان التي تربط قضية أفغانستان بكشمير يرجع إلى العاملين التاليين:

اولاً؛ كسر العزلة المتزايدة؛ انعزال باكستان في القضايا الدولية والإقليمية خلال الأشهر القليلة الماضية جعل باكستان تسعى إلى محاولة كسر هذا العَزل. في هذا الصدد أرسل رئيس مجلس الوزراء الباكستاني نواز شريف مندوبيه الخاصين (22 مندوبا) إلى دول عديدة حول العالم كما أرسل مندوبه الخاص حيال كشمير إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ثانياً؛ إحياء قضية كشمير وإثارتها على المستوى الدولي؛ بعد اغتيال قائد حزب المجاهدين برهان واني، ساءت الحالة في كشمير؛ وعقب ذلك حظرت الهندُ التجوالَ في كشمير واعتقلت قادة جماعة الحرية ولقي أكثر من 70 كشميري مصرعهم وجُرح أكثر من 1000 آخرين في عدة مظاهرات. نتيجة لهذه الحالة في كشمير ازدادت التوترات في العلاقات الهندية- الباكستانية، وكردة فعل لهذه الحالة في كشمير تم الهجوم على مقر للقوات الهندية المسلحة بكشمير الداخلة تحت سيطرة الهند وقُتل 18 جندي هندي. استغلالاً للفرصة وسمَ كبار المسؤولين الباكستانيين برهان واني بـ (الشهيد) وعقب ذلك في الجلسة العامة للأمم المتحدة أشار رئيس الوزراء الباكستاني إلى برهان واني وحاول إحياء قضية كشمير وإثارتها على مستوى دولي.

على الرغم من أن حقوق الإنسان انتُهكت إلى حدٍ كبير في كشمير حتى أن الصحافة الهندية نشرت تقارير عن ذلك في بعض الأوقات؛ إلا أنه نظراً لدعم باكستان لجيش محمد وجيش طيبة وبعض الجماعات المتطرفة الأخرى فإن المجتمع الدولي لا يعتدُّ بتصريحات الجانب الباكستاني حيال كشمير.

من ناحيةٍ أخرى، أكملت الحرب عامها الخامس عشر في أفغانستان ومع ذلك لم يستقر السلام والأمن في البلد. أضِف إلى ذلك أن محادثات السلام الرباعية حيال السلام الأفغاني لم يأت بنتائج ملحوظة. تصريحات باكستان صدرت في وقتٍ تعب فيه المجتمع الدولي من الحرب الأفغانية؛ لذا تريد باكستان بإلقاءِ مثل هذه التصريحات إعطاءَ قيمة لقضية كشمير وربطها بقضية أفغانستان.

النهاية

[1]  البشتونيون في كشمير، 20/يوليو/1954. راجع الرابط التالي:

http://www.thehindu.com/2004/07/20/stories/2004072001220900.htm>

[2]  للاطلاع على محادثة مشاهد حسين:
http://www.atlanticcouncil.org/events/upcoming-events/detail/dispute-in-focus-pakistans-perspective-on-kashmir

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *