عودة دامية للقوات الأجنبية إلى ميادين الحرب في أفغانستان

في يوم الخميس الثالث من نوفمبر/2016، أسفر هجوم جوي في ولاية كندوز عن 32 قتيل مدني بينهم الكثير من الأطفال، وجُرح أكثر من 20 مواطن آخر ودُمرت منازل عديدة في محل الحادث.

حصلت هذه الهجمة بعد مقتل جنديين أمريكيين في هجمات مشتركة مع القوات الأفغانية في هذه المحافظة، مما دعا سكان المنطقة بتسمية الهجمة الأخيرة بالانتقامية.

في تقرير له ذكر ذكر مكتب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان UNAMA أن خلال خمسة أيام (من 30 أكتوبر حتى 5 نوفمبر لعام 2016) وقع على الأقل 95 قتيل من المدنيين وأُصيب 111 شخص آخر بجراح. ترجع مسؤولية الجزء الأكبر من الخسائر التي وقعت في صفوف المدنيين للقوات الأجنبية، وأثار هذا الوضع مخاوف بعودة القوات الأجنبية إلى ساحات الحرب في أفغانستان.

مع وقوع كثير من القتلى المدنيين الأفغان خلال العقد والنصف الماضي، مع تذكّر إحصائيات هيئة الأمم المتحدة والتي تفيد أن عدد القتلى والجرحى المدنيين في أفغانستان خلال المدة فقط من عام 2007 إلى آخر عام 2015 يصل إلى 62375 شخص[1] وحسب تقارير مكتب بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان اعتُبر المعارضون المسلحون للحكومة السبب وراء أكثر الخسائر في صفوف المدنيين؛ إلا أن وقوع الضحايا من المدنيين وحتى من القوات الأمنية الأفغانية في الهجمات الجوية التي تشنها القوات الأجنبية مسألة كثر حولها النقاش خلال الأعوام الخمس عشرة الماضية، وتسبب هذا الأمر في نشأة خلافات كثيرة بين الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي والولايات المتحدة الأمريكية.

والسؤال هو، لماذا كان موقف حكومة الوحدة الوطنية هو السكوت عن هذه الهجمات الدامية ووقوع الضحايا من المدنيين والقوات الأفغانية في الغارات الجوية التي شنتها القوات الأجنبية؟

 

مقتل الأفغان العسكريين والمدنيين

أول هجوم للقوات الأجنبية تسبب في قتل جماعي كان هجوماً على حفل زواج في ولاية آروزكان حيث سقط في ذلك الهجوم عشرات القتلى من ضمنهم المرأة التي كان الحفلُ حفلَ زواجها. في تلك الفترة ادعت السلطات الأفغانية من باب الدفاع عن أمريكا أن (الملا برادر) كان ضمن الحاضرين في الحفل وأن صاحبة الزفاف من أقاربه، وتبين فيما بعد أن ضحايا الحادث كانوا من أقارب أشخاص ساعدوا حامد كرزاي خلال فترة سقوط نظام طالبان. في الفترة من 2001 إلى 2014 تكررت هجمات كثيرة مشابهة لهذه الهجمة مما أثار غضب حامد كرزاي في السنوات الأخيرة.

بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وخصوصاً بعد العودة إلى ميدان الحرب في بعض الولايات واستئناف الهجمات الليلية استهدفت القوات الأجنبية في غاراتها الجوية العساكر والمدنيين الأفغان مرات عديدة وكبدوهم خسائر بالغة.

في يوليو/2015 وقع عدد من الضحايا العسكريين الأفغان بين قتيل وجريح في هجمة شنتها المروحيات الأمريكية في حينٍ لم يكن هناك أي اشتباك في المنطقة.[2] حسب التقارير الرسمية قُتل في ذلك الهجوم تسعة جنود أفغانيين بزيهم العسكري وجُرح ستةٌ آخرون. في شهر سبتمبر للعام الحالي أعلنت سلطات ولاية آروزكان عن مقتل 8 أفراد من الشرطة الأفغانية خلال هجمات جوية عشوائية شنتها القوات الأجنبية.[3] في هذا الشهر سقط 17 جندي وجُرح 6 أفراد من الشرطة الأفغانية إثر غارة جوية شنتها القوات الأجنبية على مديرية نادعلي بوالية هلمند.[4]

وقع كثير من القتلى في صفوف المدنيين الأفغان أيضاً في هذه الهجمات. في أوائل شهر أكتوبر لعام 2015، وبعد سقوط ولاية كندوز بيد طالبان، قُتل 42 مواطن أفغاني مدني وجرح آخرون في غارات جوية شنتها القوات الأجنبية.[5] في حادثة أخرى، وقع 27 قتيل وجريح مدني في غارة جوية شنتها القوات الأمريكية بإقليم ننغارهار الشهر الماضي.[6] حادثة كندوز نموذج لهذه الوقائع التي يُستهدف فيها المدنيون في الغارات الجوية للقوات الأجنبية.

ما السبب وراء صمت الحكومة؟

لم تندد حكومة الوحدة الوطنية بهذه الهجمات ولم تظهر أي ردة فعل مقابل الهجمات الطائشة التي شنتها القوات الأجنبية وفي بعض الأحيان وصل الأمر إلى تبرير مثل هذه الهجمات من قِبل المتحدثين باسم الحكومة.

إثر حدث كندوز الأخير والذي أعقبته ردات فعل على الصعيدين الداخلي والخارجي، أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً أسمت فيه الحدث بأنه “جناية إنسانية”، ولكن لم تُشر ولا من بعيد إلى القوات الأجنبية والتزاماتها بحفظ أرواح المدنيين، وبشكل ما بررت للهجمة لصالح القوات الأجنبية.[7] الرئاسة التنفيذية أيضا لم تُشر إلى القوات الأجنبية في بيانها وذكرت أن الهجمة إنما شُنت على “أماكن طالبان” وحمّلت التنظيمَ مسؤوليةَ الحدث.[8]

البيانات الصادرة من القصر الرئاسي والرئاسة التنفيذية حيال مثل هذه الوقائع دائما ما تُظهر ضعفاً وخواراً في أعلى مناصب الدولة قبال حفظ أرواح المواطنين. تُشابه هذه البيانات البياناتِ الصادرة من القوات الأمريكية بعد وقوع الحدث والتي يُظهرون فيها أسفهم على مقتل الأبرياء ويُبدون مواساتهم لعوائل الضحايا.

عادةً لا تتم الإشارة في هذه البيانات إلى التزامات القوات الأمريكية والتي أبرمت تعاقداً أمنياً مع أفغانستان، ويُطلب في هذه البيانات من القوات الأمريكية بطريقة غير مباشرة وبلهجة ناعمة أن يحتاطوا بالكامل في المستقبل حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث. مما يعني أن القوات الأمريكية أخذت الحيطة في هذه الهجمات أيضاً إلا أن الحاجة تستدعي المزيد من الحيطة!

السبب وراء كل هذه الضعف والسكوت تجاه الهجمات الطائشة والدموية التي تشنها القوات الأجنبية هو الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لحكومة الوحدة الوطنية. تأسست هذه الحكومة نتيجة تدخل أمريكي وتشكلت منذ البداية بنحو لا يخلق موانع أمام أهداف أمريكا في المنطقة على المدى البعيد. وبالتالي ترى حكومة الوحدة الوطنية استمرارها في السكوت عن مثل هذه الوقائع.

 

ردود الأفعال الداخلية والخارجية على واقعة كندوز

ذكر المندوب الخاص لأمين الأمم المتحدة في أفغانستان ورئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان في معرض حديثه عن مقتل المدنيين إثر هجوم القوات الأمريكية الجوي في كندوز أن وقوع ضحايا من المدنيين أمر غير سائغ وسيجعل الجهود المبذولة من أجل ترسيخ السلام والاستقرار في أفغانستان عديمة التأثير. صرح مكتب يوناما في بيانٍ له عن مقتل المدنيين في كندوز أنه سيجري تحقيقات مستقلة وحيادية وطلب من المسؤولين الأفغان أن يمهدوا السبيل لإجراء هذه التحقيقات.[9]

من جانبٍ آخر، نددت وزارة الخارجية الروسية بشدة مقتل المدنيين في كندوز وطالبت بإجراء التحقيقات المحايدة. حسب قول المسؤولين الروسيين، ليست هذه المرة الأولى التي يُستهدف فيها مدنيون أبرياء في أفغانستان، بل حدثت مثل هذه الوقائع مرات عديدة، وإذا تم معاقبة المتسببين في هذه الوقائع فسيتم الحد من حدوث أمثالها.

أبدت روسيا تصريحاتها حول الغارة الجوية الأمريكية على المدنيين بعد تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية حيال بعض القضايا الإقليمية وخصوصا قضية سوريا. نددت واشنطن كذلك في الأشهر الأخيرة بغارات روسيا الجوية على مدينة حلب والتي تسببت في قتل المدنيين.

أحدث الهجوم الأخير في كندوز ردات فعل قوية داخل أفغانستان أيضا. ندد بهذه الهجمة كل من الرئيس السابق حامد كرزاي، ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والمجتمع المدني، حتى أن أعضاء البرلمان طالبوا بإلغاء العقد الأمني المُبرم مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 

عواقب سقوط القتلى المدنيين

بالإمكان توجيه مقتل المدنيين تحت مسمى “الخطأ” مرة أو مرتين، إلا أننا إذا ألقينا نظرة على الخمس عشرة سنة الماضية سنلاحظ أن تبرير وقوع الضحايا في صفوف المدنيين بشكل متكرر تحت ذريعة “الخطأ” و “عدم القصد” أمرٌ لن يقبل به الشعب.

من جملة أسباب استمرار هذه الوقائع عدم معاقبة المتسببين في حدوثها. إذا كان الجندي الأفغاني يُحاسب قانونياً إذا قتل جندياً أمريكياً، فالمفترض أن يتم اتخاذ إقدامات حيال العساكر الأجنبيين الذين يستهدفون القوات الأفغانية والمدنيين الأفغان في وضح النهار. هذا التعامل الازدواجي وتبرير مثل هذه الهجمات يزيد الهوّة بين الحكومة والشعب.

بشكلٍ عام، فإن قتل المدنيين الأبرياء بالإضافة إلى ردات الفعل الساخنة، فإنه يتسبب في سخط الشعب على مرتكبي هذه الوقائع ويلعب دوراً فاعلاً في استمرار الحرب في أفغانستان.

النهاية.

[1] https://csrskabul.com/pa/?p=2026

[2] http://www.darivoa.com/a/us-force-attack-afghan-forces-security-post-in-lugar-province-today/2870090.html

[3] http://avapress.com/vdci5uaz5t1ap32.cbct.html

[4] http://da.azadiradio.com/a/27948197.html

[5] http://da.azadiradio.com/a/27423589.html

[6] http://www.asianews.af/8439/

[7] http://president.gov.af/fa/news/188180

[8] http://ceo.gov.af/fa/news/229589

[9] http://www.sarkhat.com/fa/news/142000222/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *