محاولات تحسين العلاقات بين كابل و إسلامآباد
على هامش مؤتمر المواصلات العالمي المنعقد بتركمنستان، قابل الرئيس الأفغاني أشرف غني رئيسَ مجلس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وإبان ذلك، أجرى قائد الجيش الباكستاني راحيل شريف مكالمةً هاتفية قبل انتهاء فترة عمله مع الرئيس التنفيذي الأفغاني د.عبدالله عبدالله.
بعد انتهاء فترة راحيل شريف، عيّن نواز شريف الفريق قمرالدين باجْوَه في منصب قائد الجيش الباكستاني. سيتعامل قائد الجيش الجديد مع قضايا مثل “الإرهاب”، قضية كشمير، مستقبل العلاقات مع أفغانستان والهند، وفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية.
في هذا المقال سنسلط الضوء على العلاقات الأفغانية-الباكستانية بعد أحداث طورخم، ومحاولات تحسين العلاقات بين الدولتين، وتغيير قيادة الجيش الباكستاني وتحدياته المستقبلية وتأثيرات هذا التغيير على السياسة الخارجية لدولة باكستان.
العلاقات الباكستانية-الأفغانية بعد اشتباكات طورخم
أثرت أحداث طورخم بشكلٍ عميق على العلاقات بين الشعبين الأفغاني والباكستاني وكذلك العلاقات بين الحكومتين، وبعد هذا الحدث بلغت التوترات بين حكومة الوحدة الوطنية والحكومة الباكستانية ذروتها. خلال هذه المدة، لم تحصل أي اجتماعات أو مكالمات هاتفية أو زيارات بين كبار مسؤولي الدولتين. على نحوٍ معاكس، اتهم كلا الجانبين بعضهما البعض باستغلال أرضه ضد الآخر. على سبيل المثال، بعد الانفجارات والهجمات الدامية بمدينة كويته الباكستانية، صرح المسؤولون الباكستانيون دون إجراء أي تحقيقاتٍ بأن “المهاجمون قدموا من أفغانستان”[1] على الصعيد المقابل صرحت كابل أيضاً بأن التخطيط للهجوم على الجامعة الأمريكية في أفغانستان حصل في باكستان[2]. على نحوٍ مماثل، وبالإضافة إلى الدول الأربعة (بوتان، نيبال، سريلانكا، والهند) قاطعت أفغانستان القمة التاسعة عشرة لدول SAARC في إسلام آباد، وانتقد أشرف غني كذلك الحكومةَ الباكستانية بشدة في قمة الناتو بوارسو.
العلاقات بين الشعبين ساءت كذلك؛ ضُيقت الأوضاع على المهاجرين الأفغان في باكستان مما أدى إلى سرعة عودة اللاجئين الأفغان من باكستان إلى وطنهم. حسب إحصائيات الأمم المتحدة فقد تم ترحيل نحو 236724 لاجئ أفغاني غير مسجل من باكستان[3]. علاوةً على ذلك، بعد أحداث طورخم زاد ترحيل اللاجئين الأفغان المسجلين أيضاً. وفق تصريحات مسؤولٍ بالأمم المتحدة بباكستان فإن عدد اللاجئين الأفغان المسجلين الذين تم ترحيلهم من باكستان خلال الفترة بين يناير وأكتوبر لعام 2016 تجاوز 200 ألف شخص.[4]
العلاقات بين الدولتين ضعفت أيضاً في المجالات الاقتصادية. وفق غرف التجارة والصناعة الأفغانية، انخفض الاستيراد من باكستان إلى النصف؛ في العامين 2010-2011 كان قدر التجارة المتبادلة بين الدولتين يبلغ 2.5 مليار دولار، والآن انخفض هذا المبلغ إلى 1.5مليار دولار. بالإضافة لذلك تأثرت عملية استيراد الدقيق من باكستان، وازدادت الرسوم الجمركية على البضائع الباكستانية.
محاولات إعادة تحسين العلاقات بعد أحداث طورخم
على الرغم من أنه بعد أحداث طورخم حصلت اشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية في منطقة سبين بولدك جمن واتخذت القوات الباكستانية مراسم خاصة لرفع علمهم هناك مما سمته الحكومة الأفغانية : «أمراً مزعجا ومخالفة للتعهدات بين الطرفين»[5] مع ذلك حصلت مبادرات من الجانب الباكستاني بعد أحداث طورخم لاستعادة ثقة كابل؛ ولكن يبدو أنه لا جدوى لهذه المحاولات.
بعد أحداث طورخم بأسبوع، قام وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية بزيارة إلى باكستان وتحدث مع المسؤولين الباكستانيين حيال الحدث. بعد ذلك قابل وزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للسياسة الخارجية سرتاج عزيز على هامش قمة منظمة شانغهاي في أوزبكستان ووافق الطرفان على احترام استقلالية أرض كلا الدولتين ولزوم اجتناب التدخل في الشؤون الداخلية للبلد الآخر. بالإضافة لذلك، على هامش هذه القمة التقى الرئيس الأفغاني أشرف غني بالرئيس الباكستاني ممنون حسين وتناقشا حيال العلاقات الثنائية بين الدولتين. بعد هذه اللقاءات، رحبت إسلام آباد بالسلام بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي وصرحت: «نحن نريد السلام بأفغانستان، ونؤيد عملية السلام تحت قيادة الأفغان».
قبل فترةٍ، عقدت منظمة بقواش العالمية مؤتمراً بإسلام آباد. شارك بهذا المؤتمر كل من أسد دُراني، رستم شاه مهمند، رحيم الله يوسفزي، عزيز جان، محمد صديق، شيري رحمن، أسدالله خان، أنور الحق أحدي، سفير صديقي، رؤوف حسين، د.غيرت بهير، ضياء الحق أمرخيل، حاجي روح الله وكيل، حكمت صافي، فريدون مومند، جمعة خان صوفي، و جعفر مهدوي؛ وبشكل عام أكدوا جميعاً على أنه ليس أمام الدولتين إلا التحادث والتفاوض.
علاوة على ذلك، في مكالمة هاتفية مع الرئيس التنفيذي الأفغاني تحدث القائد السابق للجيش الباكستاني عن تحسين العلاقات الثنائية بين الدولتين.
من جانبٍ آخر، في اللقاء بين الرئيسين الأفغاني والباكستاني على هامش المؤتمر الدولي للمواصلات، أكد الجانب الباكستاني على العلاقات السياسية والأمن والتعاون والتجارة وحركة العبور والتضامن الاقتصادي وتحسين العلاقات بين الشعبين، وطالب باستئناف محادثات السلام الرباعية، بالإضافة إلى ذلك، أكد الجانب الباكستاني على التعاون بين جهاز الأمن والاستخبارات للقضاء على الإرهاب في البلدين. حصل هذا اللقاء في وقتٍ تم فيه تغيير قائد الجيش الباكستاني واحتل الجنرال باجوه منصب الجنرال راحيل شريف ليصبح بذلك القائد الأعلى للجيش الباكستاني.
تغيير قيادة الجيش الباكستاني والتحديات المستقبلية
القائد الجديد للجيش الباكستاني قمر جاويد باجوه كان الجنرال المفتش لتدريب وتقييم الجيش الباكستاني، وقاد أيضاً مهمة حفظ الأمن من قِبل الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو.
يأتي تغيير قيادة الجيش الباكستاني في وقتٍ تمر قضية كشمير والعلاقات مع الهند وأفغانستان بحالات حرجة ومن جانبٍ آخر يواجه الجيش الباكستاني تحدياتٍ في الداخل مثل التدهور الأمني (في بلوشستان، المناطق القبلية، بنجاب الجنوبية و كراتشي)، ومواجهة الإرهاب، وتأمين الحزام الاقتصادي الصيني- الباكستاني (CPEC).
في عام 2013 عندما تولى نواز شريف رئاسة مجلس الوزراء بباكستان، حاول حزب مسلم ليك (والذي يرأسه نواز) أن يسيطر على سياسة باكستان الخارجية وخصوصاً القضايا المرتبطة بأفغانستان والهند؛ ولكن فيما بعد ونتيجة لمظاهرات حزب “تحريك إنصاف” بقيادة عمران خان في 2014 و 2015، نصب الجيش الباكستاني ناصر جنجوعه كمستشار الأمن الوطني مكان سرتاج عزيز. في الوقت ذاته أخذ بأزمة أمور قضايا أفغانستان والهند. وقبل مدة وجيزة إثر تقرير منشور من صحيفة (داون) الباكستانية زادت الاختلافات بين بين الجيش الباكستاني والحكومة. أحداث المستقبل ستكشف عن كيفية تعامل القائد الجديد للجيش الباكستاني مع هذه التحديات.
تأثيرات تغيير قيادة الجيش الباكستاني
حسب دراستنا ستكون تأثيرات تغيير قيادة الجيش الباكستاني على النحو التالي:
مواجهة الإرهاب: بشكل عام بدأت الحرب على الإرهاب في باكستان من قِبل الجنرال برويز مشرف، واستمر فيها الجنرال كياني على محورين (الحرب والسلام)؛ ثم بدأ الجنرال راحيل شريف بشن هجمات قوية مثل هجمات (ضرب عضب) ضد المقاتلين المعارضين، مما زاد من احترام راحيل في باكستان. القائد الجديد للجيش الباكستاني أيضا سيسير على خطى راحيل شريف ولن يُحدث تغييرات ملحوظة في شأن مواجهة الإهاب. لذا، حسب وزير الدفاع الباكستاني خواجه محمد آصف، بتغيير قيادة الجيش لن تحدث تغييرات كثيرة في سياسات باكستان.
الهند: على الرغم من أن اعتبار راحيل شريف زاد لأجل حربه ضد الإرهاب؛ إلا أن مكانته خُدشت بعد هجمات الجيش الهندي الموسومة بهجمات سرجيكل. ولهذا انتقد الهند بشدة في تصريحاته الأخيرة. القائد الجديد للجيش الباكستاني له خبرة واسعة في كشمير و الحدود المشتركة بين باكستان والهند. إضافة إلى ذلك فإن باكستان تمر بحرب دعايات مع الهند في قضايا الإرهاب العالمي وقضية كشمير. القائد الجديد للجيش الباكستاني سيحاول إخماد هذه الحرب الدعائية الهندية وتقليل التوترات على الحدود الباكستانية الهندية.
أفغانستان: على الرغم من أن الجيش الباكستاني سيتبع نفس الخطوط المحددة من قِبل راحيل شريف تجاه أفغانستان؛ إلا أنه نظرا لكون القائد الجديد للجيش الباكستاني شخصية غير سياسية، فهناك احتمال ضئيل بأن ينتهج سياسات رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف تجاه أفغانستان والهند.
النهاية
[1]داون، الهجمات القادمة من أفغانستان، 26/أكتوبر/2016، يرجى الاطلاع على الرابط:
http://www.dawn.com/news/1292349
[2]بي بي سي-بشتو: الحكومة الأفغانية: التخطيط للهجوم على الجامعة الأمريكية تم في باكستان. 23/أغسطس/2016:
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan/2016/08/160825_mns_auaf_attacked_plan_in_pakistan
[3]عودة المهاجرين غير المسجلين، يرجى الاطلاع على الرابط:
[4]أياز كُل، مكتب UNHCR: أكثر من مئة ألف لاجئ أفغاني تم ترحيلهم في خمسة أسابيع، صوت أمريكا، 4/أكتوبر/2016، يرجى الاطلاع على الرابط:
[5]الأخبار المنشورة من وزارة الخارجية الأفغانية حيال الأعمال الأخيرة لباكستان على امتداد خط ديورند الوهمي، يرجى الاطلاع على الرابط:
http://www.mfa.gov.af/en/news/ministry-of-foreign-affairs-press-release-regarding-pakistan-last-actions-regarding-durand-line