عام 2016 وانخفاض ثقة المواطنين بحكومة الوحدة الوطنية
منذ عشرة أيام، تم نشر بعض الملاحظات ونتائج بعض التقارير حول أفغانستان. في اجتماعٍ دام يومين لوزراء خارجية دول الناتو وشارك به وزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني، طُلبت ثلاثة أمور من الحكومة الأفغانية، إحداها إيقاف الفساد في الإدارات الأفغانية.
في الوقت ذاته، أصدرت مؤسسة مراقبة النزاهة في أفغانستان IWA نتائج استطلاعها الخامس حيال الفساد بأفغانستان. حسب الاستطلاع، زاد الفساد والارتشاء بنسبة 50% هذا العام مقارنةً بعام 2014م.
من جانبٍ آخر نشرت مؤسسة آسيا فاونديشن استطلاعها لعام 2016 حول الشعب الأفغاني، والذي يفيد أن 29.3% من المواطنين يرون أن البلد تسير في الاتجاه الصحيح، مما يُعد النسبة الأقل منذ 2004م. رداً على الاستطلاع، أصدر القصر الرئاسي بياناً صرح فيه بأن ثقة المواطنين بالحكومة زادت في بعض المناطق وأن هذا الاستطلاع أُخذ في حين نشوب الحرب في البلد. ورد في بيان القصر الرئاسي: «توقعات الشعب الكبيرة من المجتمع الدولي والحكومة الأفغانية تلعب دوراً مهما في فهم المواطنين للوضع… إلا أن مؤسسة آسيا فاونديشن لم تولِ اهتماماً كافياً بهذا الجانب».[1]
كيف هو الوضع العام في البلد حالياً؟ في أي المجالات فقد المواطنون ثقتهم في الحكومة؟ وكيف كانت برامج وسياسات حكومة الوحدة الوطنية في هذه المناطق؟ أسئلةٌ تمت الإجابة عليها في هذا المقال.
الوضع الإجمالي بالبلد عام 2016م ومجالات انعدام ثقة المواطنين بالحكومة
مقارنةً بالعام 2015، تطور الوضع الإجمالي عام 2016 في بعض المجالات وساءَ في مجالات أخرى، على التفصيل التالي:
الاقتصاد:
وفق تقارير البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، كان إجمالي الناتج المحلي لأفغانستان عام 2015 معادلاً لـ 0.8%، وفي عام 2016 ارتفع ليصبح المعدل 1.2%. على الرغم من أن الأسعار كانت في انخفاض عام 2015، ولكن في عام 2016 نظراً لأسعار الطاقة والغذاء المرتفعة وهبوط قيمة العملة الأفغانية، ارتفعت الأسعار مجدداً. في عام 2015 ساوى دخل الحكومة الأفغانية 10% من إجمالي الناتج المحلي لهذا العام؛ ولكن في الأشهر الثمانية الأولى من 2016، زاد دخل الحكومة بنسبة 30% مقارنةً بالمدة المماثلة من العام 2015. وعلى الرغم من أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول معدل البطالة في البلد، إلا أن استطلاع مؤسسة آسيا فاونديشن يفيد أن البطالة هي ثاني أكبر مشكلة تواجه الشباب.
نظرا للوضع الاقتصادي المذكور يعتقد 65.9% من المواطنين أن الدولة تسير في الاتجاه الخاطئ حسب استطلاع مؤسسة آسيا فاونديشن الصادر عام 2016م. بعد التدهور الأمني، كانت الأسباب الرئيسة وراء تشاؤم المواطنين هي البطالة (27.5%)، الوضع الاقتصادي المتردي (10.4%)، قلة الإعمار والمنشآت (4.8%) والأسعار المرتفعة (2.9%).
الأمن:
في الفترة من يناير إلى 15/أغسطس لعام 2016، وقع نحو 16132 حدث أمني في البلد، نسبة 61.3% منها كانت هجمات مسلحة، و نسبة 17.96% كانت تفجيرات [2]. في عامي 2015 و 2016 لم تتغير الهجمات الربيعية والشتوية لطالبان. علاوةً على ذلك، في عامي 2015 و 2016 تغيرت الخطط القتالية لطالبان وبالإضافة إلى المناطق البعيدة، بدأت الحركة في السيطرة على المدن ومحاولة بسط التحكم على جميع المناطق الداخلة تحت سيطرتهم. بناء على هذه التكتيكات، استولت طالبان على مدينة كندوز مرتين في العامين الماضيين، وكادت أن تستولي أيضاً على ولايات لغمان و هلمند و فراه و نيمروز. لأجل هذا السبب تم إرسال القوات الأجنبية إلى كندوز و هلمند لشن الهجمات العسكرية.
يُضاف إلى ذلك أنه منذ يناير حتى 30/سبتمبر/2016 قُتل وجُرح نحو 8397 مدني، مما يعني ازدياداً بمعدل 1% مقارنةً بعام 2015[3]
من جانبٍ آخر، قُتل 5000 جندي أفغاني و جُرح 15000 آخرون في عام 2015، وفي عام 2016 زادت هذه النسبة بمعدل 20%، وفي شهر يوليو/2016 فقط لقي 900 جندي أفغاني حتفهم[4].
للسبب ذاته، يُظهر استطلاع مؤسسة آسيا فاونديشن أن المواطنين يرون التدهور الأمني كأكبر تحدي يواجه البلد. وفق الاستطلاع المذكور، يعتقد 73.6% من المواطنين أن التدهور الأمني هو السبب الرئيس لهجرة المواطنين من البلد.
الصلح:
في عامي 2015 و 2016 بُذلت جهودٌ عديدة لإحلال السلام بالبلد. في 2015 كانت محادثات آرومجي و مري ( بباكستان ) هي المحاولة الأهم لإحلال السلام؛ ولكن في عام 2016 كانت محادثات مجموعة التنسيق الرباعية Quadrilateral Coordination Group’s (QCG) هي الأهم حيال عملية السلام. عقدت المجموعة المذكورة خمسة اجتماعات حيال عملية السلام الأفغانية، ولكن رغم وعود باكستان، لم تُحادث الحكومة الأفغانية حركةَ طالبان مباشرةً، ولم ينفذ الجانب الباكستاني التزاماته التي تعهد بها في اجتماعات المجموعة حيال اتخاذ خطوات أشد حزماً ضد الجماعات التي لم تبدي استعدادها لعملية السلام. لذا، قلة الجهود المخلصة حيال السلام تسببت في انعدام ثقة المواطنين بالحكومة.
الفساد الإداري:
قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، احتلت أفغانستان مكانة ثاني أكبر دولة متوغلة في الفساد حسب منظمة الشفافية العالمية. ولكن بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية ونظرا لبعض الخطوات المتخذة من جانب الحكومة، تحسنت أفغانستان ونزلت في الترتيب لتصبح رابع الدول من حيث الفساد. ولكن فيما بعد ونظرا لعدم التنسيق في سياسات الحكومة المتخذة ضد الفساد، خسرت أفغانستان نقاطاً مرةً أخرة في مكافحتها للفساد.
علاوة على ذلك، أصدرت منظمة مراقبة النزاهة في أفغانستان IWA تقريرها الخامس حيال الفساد. يفيد التقرير أن المواطنين صرفوا 3 مليار دولار رشوة للمسؤولين مما يعني زيادةً بمعدل 50% مقارنةً بالعام 2014[5]. هذا القدر يفوقُ الدخل الحكومي لعام 2016 المُعلن من قِبل الحكومة.
لذا، تشير استطلاعات مؤسسة آسيا فاونديشن و منظمة مراقبة النزاهة في أفغانستان أن الفساد هو ثالث أكبر تحدي يواجه البلد بعد التدهور الأمني والبطالة.
تقييم لسياسات حكومة الوحدة الوطنية
كان لحكومة الوحدة الوطنية بعض المساعي حيال المجالات المذكورة. على سبيل المثال أحرزت الحكومة بعض الإنجازات في المجال الاقتصادي مثل مشاريع TAPI و كاسا-1000، و اتفاقية جابهار، والتبادل التجاري بين أفغانستان والصين عبر سكة الحديد، وسكة الحديد بين أفغانستان وتركمنستان، وسكة الحديد بين أفغانستان وإيران، وإعادة إنشاء بعض السدود، واتفاقية طريق اللازورد، و “البرنامج الوطني لإيجاد فرص العمل”. ولكن نظرا لضعف الحكومة، وللوضع الراهن بشكل عام يُرى أن معدل النمو الاقتصادي كان منخفضاً جداً. لم تصرف الوزارات الأفغانية ميزانياتها جيداً، ولذا تم سحب الثقة من 7 وزراء من قِبل البرلمان الأفغاني. حسب التقارير المنشورة في الصحافة، يوجد نحو 14000 وظيفة شاغرة في حين أن المواطنين يهاجرون إلى أوروبا بسبب نسب البطالة العالية في البلد[6].
جهود الحكومة الأفغانية حيال السلام كانت إقليمية إلى حدٍ كبير ومعتمدة في الغالب على باكستان. الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة الأفغانية رفضت بشدة التفاوض عبر الدول الإقليمية؛ لذا، أخفقت حكومة الوحدة الوطنية في سياستها تجاه عملية السلام. ولكن مؤخراً، يبدو أن الحكومة الأفغانية تمهد السبل للتفاوض مع طالبان. نُشرت أخبار في الصحافة تفيد حصول لقاء بين التنظيم ومندوبي الحكومة الأفغانية بقطر. علاوةً على ذلك، سياسات حكومة الوحدة الوطنية حيال السلام والتي تفتقد التنسيق مثّلت تحدياً عرقلَ جهود الحكومة حيال إحلال السلام.
فيما يتعلق بمجال الأمن، لا تزال الحكومة الأفغانية تعتمد على الأجانب، ولذا بعد السقوط الأول والثاني لمدينة كندوز وخلال الحرب في لشكركاه بولاية هلمند، عادت القوات الأجنبية إلى ساحات الحرب واستنقذت تلك المناطق. أخفقت حكومة الوحدة الوطنية في المجالات الأمنية إخفاقات عديدة نتيجة القيادة الضعيفة للقطاع العسكري والإخفاق في خطط السلام، والفساد وعدم التنسيق بين القوات الأمنية الحكومية.
على الرغم من أن حكومة الوحدة الوطنية اتخذت بعض الخطوات لمكافحة الفساد، ولكن الفساد بالإدارات الحكومية لم يقل. علاوةً على ذلك، أدت خطط وسياسات حكومة الوحدة الوطنية حيال مكافحة الفساد والتي تتسم بالتناقض وعدم التنسيق إلى أن يفقد كثيرٌ من المواطنين ثقتهم في مكافحة الحكومة للفساد.
النهاية
[1] تجد بيان القصر الرئاسي هنا:
http://president.gov.af/ps/news/288322
[2] United Nations, General Assembly, The situation in Afghanistan and its implications for international peace and security, A/70/1033/-S/2016/768 (7 Sep 2016), p: 4-7
[3] أصدرت يوناما تقريرها حيال ضحايا المدنيين خلال الأشهر التسع الأولى للأعوام، اقرأ المزيد في موقع طلوع-نيوز:
[4]مع أن هذه الأرقام أُعلنت من قبل الناتو ولم تصادق عليها جهة ثالثة، اقرأ المزيد هنا:
AFP، أعداد الضحايا المتزايدة في صفوف القوات الأفغانية: الناتو، صحيفة الديلي ميل، 25/أغسطس/2016، على الرابط التالي:
http://www.dailymail.co.uk/wires/afp/article-3758859/Casualty-rate-soars-Afghan-security-forces-NATO.html; عبدالولي آرين، ضحايا القوات الأمنية، طلوع نيوز، 1/9/2016، على الرابط التالي:
http://www.tolonews.com/en/afghanistan/27044-casualties-among-security-forces-on-the-rise;
[5] شاهد تقرير منظمة الشفافية هنا:
https://iwaweb.org/ncs2016u/
[6] اقرأ تقرير كابل-نيوز هنا: