حكومة الوحدة الوطنية ووضع حقوق الإنسان في أفغانستان
في الأيام القليلة الماضية انتشرت في منصات الإعلام أنباء كثيرة حول تصريحات أحمد إيشجي وزواج رجل من أختين بشكل إجباري بمقاطعة ننجرهار.
الوالي السابق لولاية جوزجان والنائب السابق لحزب (جنبش) والصديق القديم للجنرال عبدالرشيد دوستم اتهم النائب الأول للرئيس الأفغاني الجنرال عبدالرشيد دوستم باعتقاله في مُعتقله الخاص لخمسة أيام وذكر أنه بعدما تم ضربه وتعذيبه، تم محاولة اغتصابه من قِبل دوستم وأفراده، ومثلوا أنهم يغتصبونه وصوروا ذلك.[1]
هذان الحدثان مثالان فقط من أمثلة انتهاك حقوق الإنسان في أفغانستان. في هذا المقال سنتطرق إلى حقوق الإنسان على صعيد قضايا المرأة، والمهاجرين، ونقض القانون وأسباب ذلك.
وضع حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة
خلال السنتين من فترة حكومة الوحدة الوطنية، ساءت حالة حقوق الإنسان، مما ستقرأه على التفصيل التالي:
العنف تجاه النساء:
خلال السنة الأولى من فترة حكومة الوحدة الوطنية، زاد العنف مقابل النساء بنسبة 5%، في عام 1394 هـ ش (2015-2016) تم تسجيل نحو 5132 حدث عُنف. في هذه السنة، وقعت حادثة فرخُنده، حيث تم ضرب امرأة بزعم أنها أهانت القرآن الكريم، ثم سُحلت بالسيارة وحُرقت من قِبل مئات الرجال الغاضبين بمقربة من القصر الرئاسي. علاوةً على ذلك، قطع رجلٌ أنفَ زوجته بولاية فارياب وحدثت وقائع مشابهة لذلك في مختلف أنحاء البلد. مع أنه لم يتم نشر إحصائيات دقيقة لأحداث العنف مقابل النساء لهذه السنة 1395 هـ ش (2016-2017)، إلا أنه حسب المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان بأفغانستان AIHRC ، خلال الأشهر الأربع الأولى من هذه السنة، تم رصد 1218 حدث عُنف مُعظمها (371 حدث) اشتملت على العنف الجسدي[2].
قضية الجنرال عبدالرشيد دوستم وأحمد إيشجي:
أمرٌ لوحظ ليس فقط في السنوات الأخيرة وإنما أيضا في فترة رئاسة حامد كرزاي، وهو استغلال ذوي المناصب الحكومية لنفوذهم وانتهاك حقوق الإنسان. قبل عدة أيام، اتهم أحمد إيشجي النائب الأول لرئيس الجمهورية بأنه حبسه في مُعتقله الخاص، وحاول اغتصابه وأمر حُرّاسه باغتصابه.
تسببت تصريحات أحمد إيشجي في تشوية صورة الدولة وأثارت ردة فعل من جانب المجتمع الدولي. في بيانٍ رسمي، وعد القصر الرئاسي الأفغاني بمتابعة القضية بجدية عبر المؤسسات القضائية. إضافة إلى ذلك، زار أعضاءٌ من حزب جُنبش (حزب دوستم) ومناصرون لدوستم وسفراء لاثني عشرة ولاية الرئيس أشرف غني. في الوقت ذاته، عقد الرئيس غني اجتماعاً قابل فيه القادة الجهاديين وعلماء الشريعة لمناقشة قضية إيشجي.
على الرغم من أن المدعي العام استدعى الجنرال دوستم، إلا أن مكتب دوستم رفض ذلك تحت ذريعة أنه مخالف للقانون. بالإضافة إلى ما ذُكر، هناك إشاعات بأن الموضوع سيُحل عبر مجلس شورى المواطنين (يُعرف في أفغانستان بـ “جِركه”). نفس الأمر ربما يحصل للرجل الذي تزوج من أختين في ننجرهار. واضعين في الحسبان الحالة الراهنة، ونظراً لنفوذ مجلس شورى المواطنين (جِركه) وبالنظر في الفساد الموجود في القوى القضائية، هناك احتمال كبير بأن ينجو المتهمان من طائلة الاتهام. ارتكاب مثل هذه الجرائم الشنيعة ليس فقط عاراً على البلد، وإنما يُعتبر من غير اللائق أيضاً أن يشغل متهمون بمثل هذه القضايا مناصبَ عُليا كهذه في الحكومة.
حال المهاجرين:
حالياً هناك عدد كبير من المهاجرين الأفغان في الدول المجاورة والدول الأوروبية ونازحون داخل البلد. خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية، انتُهكت الحقوق الأساسية لهؤلاء المواطنين. في ديسمبر/2014، قام عدد من الثوار الباكستانيين بالهجوم على مدرسة عسكرية في باكستان، وبعد الهجمة ساءت أوضاع اللاجئين الأفغان في باكستان، حيث اعتُقل العديد منهم وتم ترحيلهم قسراً إلى أفغانستان. لأجل هذا الحدث وبعد أحداث طورخم، عُجّلت عملية عودة المهاجرين. والآن بسبب الشتاء البارد وتوقف الدعم البالغ قدره 400$ لكل لاجئ والذي تم تقديمه من قبل المفوضية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ تأثرت عملية عودة المهاجرين.
في الوقت ذاته يمر المهاجرون الأفغان في إيران بنفس الظروف ولكن مع نوعٍ آخر من انتهاك حقوق الإنسان، حيث تُرسل إيران المهاجرين الأفغان للقتال في سوريا وتدفع لهم مبالغ نقدية لذلك.
على الصعيد الآخر يواجه اللاجؤون الأفغان تعاملاً ازدواجياً (مختلفا عما يُتعامل به مع اللاجئين الآخرين) في أوروبا ويتم إرجاعهم إلى أفغانستان رغما عن إرادتهم. هناك 1.2 مليون مواطن نازح داخل البلد، معظمهم نزحوا لأجل التدهو الأمني ويعيشون في أوضاع إنسانية صعبة حيث بدأ فصل الشتاء وهم بحاجة ماسة إلى المساعدة.
الخسائر في صفوف المدنيين:
منذ 2007 حتى 2015 هناك ازدياد في عدد الخسائر بين المدنيين سنوياً. في هذه الفترة قُتل وجُرح عدد 58736 مدني. وفق تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان UNAMA، خلال الأشهر التسع الأولى من عام 2016 سقط عدد 2560 قتيل مدني وجُرح أكثر من 5830 آخرون وسُجلت 8390 حالة خسائر مما يُعتبر زيادة بنسبة 1% في الخسائر مقارنةً بعام 2015[3].
الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ارتفاع عدد الخسائر في هذه السنة هي الحرب، والتفجيرات وأنشطة داعش والهجمات العسكرية التي شنتها الحكومة، وسقوط المقاطعات بيد المعارضة المسلحة.
دور القوات الأجنبية:
القوات الأجنبية متورطة بشدة في انتهاك حقوق الإنسان. على سبيل المثال، في فترة السقوط الأول والثاني لمدينة كندوز قُتل العديد من المدنيين الأفغان جراء القصف الأمريكي. في أكتوبر/2015، قصفت الطائرات الأمريكية مستشفى أطباء بلا حدود في كندوز مما أسفر عن مقتل عشرات المواطنين الأبرياء. حدث هذا مع أن طاقم المستشفى أبلغوا الحكومة والقوات الأجنبية بالحدث خلال حصول القصف. وفي السقوط الثاني لمدينة كندوز، شنت القوات الأمريكية هجوماً مشابها مما أدى إلى مقتل عدد من الأطفال.
ليس هذا هو الحدث الوحيد، حيث تورطت القوات الأمريكية في أحداث عديدة مشابهة خلال العقد والنصف الماضي. حدثت محاكمات مُزيفة حيال هذا الصدد، ولم يتم تسليم مرتكبي الجرائم للعدالة.
أسباب انتهاك حقوق الإنسان
الأسباب الرئيسة لانتهاك حقوق الإنسان خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية هي كالتالي:
- التدهور الأمني والحرب: بشكل عام تم انتهاك كثير من حقوق الإنسان بسبب الحرب والتدهور الأمني المتصاعد. في السنوات الأخيرة ساءت الأوضاع مقارنةً بالسنوات الماضية. حسب إحصائيات الأمم المتحدة وقع 22634 حدث أمني بأفغانستان في عام 2015 مما يُعد أكبر عدد للحوادث الأمنية منذ 2001 (باستثناء 2011). نسبةُ 49% من هذه الحوادث حصلت في هلمند و كندهار و غزنة و كُنر و ننجرهار.[4].علاوة على ذلك، منذ يناير إلى منتصف أغسطس لعام 2016، وقع 16132 حدث أمني داخل أفغانستان. تُشكل الاشتباكات المسلحة نسبة 61.3% من هذه الأحداث، ويليها التفجيرات والتي تبلغ نسبتها 17.96%[5].
- ضعف دور الحكومة: نظراً للحرب الجارية تتقلص المناطق الداخلة تحت نفوذ الحكومة، وقد أخفقت الحكومة في بسط رقعة سيطرتها على جميع أنحاء البلد. وكلما خسرت الحكومة سيطرتها على المناطق زادت قضايا انتهاك حقوق الإنسان. حسب تقارير مكتب المفتش الخاص لإعادة إنشاء أفغانستان SIGAR، حتى شهر يونيو/2016 كانت نسبة 65.6% من مساحة البلد تحت سيطرة الحكومة مما أظهر انخفاضاً بنسبة 5% مقارنةً ببداية السنة[6].
- الضعف في تنفيذ القانون: نظراً لوجود أفراد متنفذين في الحكومة، تخفق الحكومة في مكافحتها للجرائم، وبسبب ذوي النفوذ المذكورين، لا يتم اعتقال مرتكبي الجرائم، وإن اعتُقلو فسريعا ما يتم إطلاق سراحهم.
- الفساد الأداري: الفساد المستشري في الحكومة بشكل عام وفي القوى القضائية بشكل خاص مهّد السبل لانتهاك حقوق الإنسان؛ حيث أنه منذ لحظة اعتقال المجرم وحتى انتهاء محاكمته تخضع العملية للتأثير الغير قانوني نظراً للفساد، ولذا لا يتم اتخاذ خطوات حازمة في شأن مكافحة الجرائم، مما يدفع المجرمين إلى ارتكاب الجرائم دون الخوف مما يردعهم.
النهاية
[1] لمزيد من المعلومات يرجى الرجوع للرابط أدناه:
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan-38308098
[2] للاطلاع على الرابط:
[3] اقرأ تقرير (طلوع نيوز) حيال الموضوع:
[4] United Nations, General Assembly, The situation in Afghanistan and its implications for international peace and security, A/70.775-S/2016/218 (7 March 2016), p: 4
[5] United Nations, General Assembly, The situation in Afghanistan and its implications for international peace and security, A/70/1033/-S/2016/768 (7 Sep 2016), p: 4-7
[6] Shereena Qazi and Yarno Ritzen, Afghanistan: Who controls what, Aljazeera English, 15 Sep 2016, see it online:< http://www.aljazeera.com/indepth/interactive/2016/08/afghanistan-controls-160823083528213.html>