الكوارث الطبيعية بأفغانستان ومكافحتها
يسقط كثير من الضحايا سنويا بأفغانستان بسبب الكوارث الطبيعية، ويواجه النازحون الداخليون والمتضررون من هذه الكوارث صعوبات عديدة بجانب ما تكبدوه من خسائر، إلا أنه لا يوجد اهتمام كافي بالإجراءات الوقائية في هذا الصدد، ومن جانبٍ آخر لوحظ دائما أن الخطوات المتخذة من قِبل الحكومة بعد وقوع الكوارث خطواتٌ ضعيفة وغير مؤثرة.
في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الاثنين 30/يناير/2017 صرح الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية د.عبدالله عبدالله بأن الثلوج المتساقطة في الآونة الأخيرة تسببت في خسائر فادحة في عدة ولايات، وطالب بالدعم العاجل من القطاعات المعنية. ضمن حديثه صرح قائلاً: “هطلت الثلوج بغزارة أكثر من القدر الذي استعددنا له حتى الآن”.
حسب النشرة الإخبارية الصادرة من وزارة مكافحة الكوارث الطبيعية بأفغاستان فإنه منذ بداية فصل الشتاء لهذا العام وحتى الآن توفي 21 شخص وجُرح 16 شخص آخر بسبب البرد والثلوج والأمطار. كما ورد في النشرة أن 21 منزلا سكنيا انهدم بالكامل كما أُتلف 59 منزل آخر بشكل جزئي.
بعد صدور النشرة المذكورة أعلن المسؤولون بولاية جوزجان أن 47 شخصا أكثرهم من الأطفال قضوا بسبب البرد بمديرية درزاب في هذه الولاية. حسب تصريح هؤلاء المسؤولين فإن الضحايا لقوا حتفهم بسبب عدم استطاعة الوصول إلى المراكز الصحية وانسداد الطرق وانعدام المأوى الواقي لهم من البرد.
وحيث أن الكوارث الطبيعية تحتل المرتبة الثانية في الإيقاع بالضحايا بعد الحوادث الأمنية، سنسلط الضوء في هذا المقال على الكوارث الطبيعية واستعدادات الحكومة لهذه الكوارث.
الكوارث الطبيعية وآلية مكافحتها
تحدث الكوارث الطبيعية بأنواعها المختلفة مثل الزلازل والأعاصير والرعد والفيضانات والانهيارات الثلجية والجفاف وارتفاع درجة الحرارة وغيرها. تحدث بعض الكوارث بتأثر غير مباشر من أعمال البشر. من ذلك على سبيل المثال ما يحدث من تلوث الهواء واستنزاف الغابات وإتلافها بفعل الإنسان مما يلعب دورا مهما في حصول الفيضانات.
بشكل عام فإن الكوارث الطبيعية حوادث مؤلمة تحدث في أنحاء العالم كل عام وتتسبب في خسائر فادحة في الأموال والأرواح. ورغم أنه لا يمكن منع حدوث هذه الكوارث إلا أن هناك آليات وخطوات استباقية وقائية تقلل من الأضرار الناجمة عن هذه الكوارث الطبيعية.
وفق الدراسات المعنية بتقليل أضرار الكوارث الطبيعية، تتكون آلية مكافحة الكوارث من أربع مراحل:
أولا: قبل وقوع الكوارث المفاجئة؛
ثانياً: فترة تواجد أسباب الكوارث؛
ثالثاً: فترة حدوث الكوارث؛
رابعاً: مرحلة ما بعد الكوارث.
أهم مرحلة هي مرحلة ما قبل وقوع الكوارث حيث يمكن اتخاذ الخطوات الوقائية بالاستفادة من الإمكانيات المتاحة لدى إدارات مكافحة الكوارث وعلى هذه الإدارات التهيؤ للخطوات اللازمة التي يجب اتخاذها عند وقوع الكوارث. بالإضافة إلى ذلك على هذه الإدارات أن تنشر الوعي بين الناس عن تهديدات وأضرار هذه الكوارث والخطوات الوقائية للتقليل من الخسائر والأضرار.
الكوارث الطبيعية في أفغانستان
أفغانستان بلد جبلي ومحاط باليابسة وتُعد نسبة الكوارث الطبيعية كالزلازل والانهيارات الثلجية والأعاصير والفيضانات والانهيارات الأرضية وغيرها مرتفعةً في أفغانستان. البرودة الشديدة في فصل الشتاء والجفاف أيضا من جملة التحديات التي يواجهها الشعب الأفغاني.
تحتل أفغانستان مرتبة ثاني عشر دولة من حيث وقوع الزلازل وترتيبها الرابع والعشرون من حيث الفيضانات، ومن ناحية الجفاف تُعتبر أفغانستان في المرتبة الثانية والعشرين في العالم.
تُظهر الإحصائيات أنه بين عام 1970 وعام 2012م توفي نحو 9 إلى 20 ألف شخص جرّاء الزلازل بأفغانستان. في عام 2012 وقعت نحو 383 كارثة طبيعية بأفغانستان تضرر منها أكثر من 258 ألف شخص بـ 195 مديرية، وقد أودت هذه الكوارث بحياة 479 شخصٍ.
من أخطر الكوارث الطبيعية التي وقعت بأفغانستان الزلزال الذي حصل عام 1998 والذي ذهب ضحيته فقط في ولاية تخار نحو 4000-4500 شخص وجُرح أكثر من عشرة آلاف شخص بالإضافة إلى وقوع خسائر مالية. في الأعوام 2002، 2005، 2009، 2010، 2012، 2013، و 2015 أيضا حصلت زلازل قوية أودى بعضها بوفاة وجرح المئات، وكان مركز معظم هذه الزلازل سلسلة جبال هندوكش. الحدث الهائل الآخر في تاريخ أفغانستان المعاصر والذي لم يسبق أن حدث مثله هو الانهيار الأرضي بمديرية أركو بولاية بدخشان عام 2014 والذي راح ضحيته أكثر من 2500 شخص. في هذا الحدث انطمر أكثر من 300 منزل تحت التراب بشكل كامل.
الإدارات المعنية بمكافحة الكوارث الطبيعية مسؤولة ومخولة بتعيين مخاطر الكوارث وطرق تقليل أضرارها واتخاذ الخطوات الفورية وبدء عملية الإنقاذ عند وقوعها وتطبيق خطط إعادة تأهيل المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية.
لم تكن أنشطة إدارات مكافحة الكوارث في الأعوام الماضية مؤثرة ومع صرف ميزانيات ضخمة لم تستطع القيام بواجبها حيال التحديات التي واجهها الشعب بهذا الصدد. من أهم المشاكل التي تواجهها الحكومة الأفغانية في شأن مكافحة الحوادث الطبيعية عدم وجود برنامج للمكافحة وضعف إدارتها وقلة الوسائل والإمكانيات والمتخصصين في هذا المجال. تتحدث الإدارات المعنية كل سنة عن تدابير وقائية جديدة مقابل جميع الأزمات المتوقعة إلا أنه عند حدوثها تفشل هذه الإدارات في إيصال الدعم للمتضررين ويتكبد المُصابون خسائر فادحة في الأموال والأرواح.
فصل الشتاء لهذا العام وتدابير الحكومة
يبلغ حاليا عدد النازحين الداخليين بأفغانستان الذين يقاسون أوضاعا إنسانية صعبة 1.2 مليون شخص، ومن جانب آخر عاد في هذا العام أكثر من 800 ألف مهاجر أفغاني من الدول المجاورة إلى أفغانستان. فصل الشتاء في هذا العام والذي بلغ من البرودة درجة أشد من الأعوام الماضية تسبب في مشاكل عديدة للنازحين الداخليين والمهاجرين العائدين إلى البلد، وقد لقي عشرات الأشخاص حتفهم بسبب البرد والثلوج الغزيرة.
أشار الرئيس التنفيذي باجتماع الوزراء عن مطالبة بدعم قدره 550 مليون دولار لمساعدة الأوضاع الإنسانية بأفغانستان عام 2017 وأضاف أنه حسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة فإن 9 ملايين شخص في هذا العام بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وصرح الدكتور عبدالله بأن استعدادات الحكومة محدودةٌ مقارنةً بالخسائر والأضرار الناجمة عن الثلوج الغزيرة المتساقطة في مختلف ولايات أفغانستان.
صرح وَيس برمك وزير الدولة في شؤون مكافحة الكوارث الطبيعية في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي أنه تم تخصيص 700 مليون أفغاني لمكافحة الكوارث الطبيعية هذا العام، إلا أنه حسب تصريحه تم رفع هذا المبلغ ليصبح 1.6 مليار أفغاني بسبب ازدياد الأحداث الأمنية وتزايد عدد النازحين.
مع أن الحكومة في العام الماضي طورت إدارة مكافحة الكوارث الطبيعية لتصبح وزارة مكافحة الكوارث الطبيعية وتعهدت الحكومة بأنها ستدعم الوزارة من الناحية القانونية والإدارية والتخصصية؛ إلا أن عمل الحكومة في صدد مكافحة الكوارث كان ضعيفا ولم تطرأ تغييرات ملحوظة فيما يتعلق بالخطوات الوقائية، ومازالت تتركز خطوات هذه الوزارة على تسجيل الكوارث الطبيعية ودعم المتضررين بعد وقوع الكوارث.
بالإضافة إلى وزارة مكافحة الكوارث الطبيعية توجد عدة مؤسسات محلية ودولية عاملة في هذا المجال أيضا مثل (ARCS, ACBAR, WFP, UNHCR, IMMAP, IOM, UNICEF, OCHA) ؛ إلا أنه مع ذلك فإن الإدارات المعنية تدعم المتضررين بشكل ناقص ولا يتم اتخاذ خطوات وقائية قبل وقوع الكوارث لمنع أضرارها أو على الأقل تقليلها. يرجع السبب وراء هذا الضعف إلى الإشكاليات الحاصلة في هيكل المؤسسات المعنية بمكافحة الكوارث مما يتطلب اهتماما جاداً من جانب الحكومة.
النهاية