روسيا وأفغانستان؛ هل زال جو عدم الثقة؟
قام وزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني الأسبوع الماضي بزيارة إلى روسيا بدعوة من نظيره الروسي، في وقتٍ زادت فيه الشكوك والارتيابات في علاقات كابل-موسكو في العامين الماضيين. لذا أثارت هذه الزيارة أصداء واسعة على صعيد الإعلام المحلي والدولي، وقد زاد الأمل في البلد على إثر هذه الزيارة بأن التوترات في العلاقات الروسية الأفغانية ستقل.
أنتجت زيارة رباني تطورين: أولا، ستستمر روسيا في تقديم المساعدات لأفغانستان في المجالات المختلفة، وخصوصا في حقل التقنيات العسكرية. ثانيا، ستعقد روسيا مؤتمرا إقليميا بموسكو في الخامس عشر من فبراير سيحضره مندوبو دول المنطقة “روسيا، الصين، باكستان، أفغانستان، الهند وإيران”.
كيف كانت العلاقات الروسية الأفغانية في فترة حكومة الوحدة الوطنية؟ كيف ازدادت التوترات في هذه العلاقات؟ وهل ستزول هذه التوترات؟ أسئلة نجيب عليها وعلى غيرها من الأسئلة المشابهة في هذا المقال.
كابل و موسكو؛ من التوافق الإقليمي إلى الشكوك
بعد عام 2001، كانت العلاقات بين كابل و روسيا في حالة طبيعية، ولكن في الدورة الرئاسية الثانية لحامد كرزاي بدأت هذه العلاقات بالتحسن. بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سعى الرئيس أشرف غني ومستشار الأمن الوطني حنيف أتمر للوصول إلى إجماع إقليمي في شأن مكافحة الإرهاب، وفي الجهود المتتابعة بهذا الصدد سافر الرئيس غني و حنيف أتمر إلى روسيا، وقد وعدت روسيا بتقديم أربعة مروحيات للحكومة الأفغانية، ولكن بعدها بمدة وجيزة ساءت العلاقات بين الدولتين للأسباب الأربعة التالية:
أولاً؛ ظهور داعش ونشاطها بأفغانستان مما لفت انتباه روسيا لأفغانستان. أيضا الاتهامات التي وجهها بعض النواب البرلمانيين لمستشار الأمن الوطني بأنه يدعم تنظيم داعش تسببت في تقليل ثقة الجانب الروسي بالحكومة الأفغانية في شأن مكافحة الإرهاب.
ثانيا؛ تطور العلاقات بين موسكو و طالبان، مما أدى إلى زيادة مخاوف الحكومة الأفغانية. وقد أكدت الحكومة الأفغانية مقابل ذلك على أهمية المفاوضات بين دولةٍ ودولة على المفاوضات مع التنظيمات.
ثالثا؛ الاجتماع الثلاثي الذي جمع روسيا والصين وباكستان والمنعقد في روسيا أيضا ألقى بظلاله على العلاقات الثنائية الروسية الأفغانية.
رابعا؛ في الأسبوع الأول من عام 2017، انتشرت أنباء حول محاولة روسيا بخلق عوائق في طريق حذف اسم قائد الحزب الإسلامي (حكمتيار) من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة. وقد طالبت الحكومة الأفغانية منظمةَ الأمم المتحدة بحذف اسم حكمتيار من قائمتها السوداء في محاولة لتنفيذ بنود اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي.
هل سيزول جو عدم الثقة؟
قبل زيارة رباني لروسيا، زادت الشكوك في علاقات كابل-موسكو؛ ولكن حاليا وبالنظر في التصريحات والقرارات الصادرة بعد الزيارة يبدو أن العلاقات بين الدولتين آخذةٌ في التحسّن، وذلك للأسباب التالية:
أولاً؛ رغم أن روسيا في بادئ الأمر أبدت قلقها من حذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة، ولكن في فبراير 2017 حُذف اسم حكمتيار من القائمة السوداء وبمساعدة من روسيا.
ثانيا؛ كلا الجانبين (روسيا وأفغانستان) تعاونا في مجالات الأمن والجيش والتقنيات الحديثة وتحديدا تم تحسين القدرات القتالية للحكومة الأفغانية ودُعمت بالسلاح والعتاد. في هذا الصدد بدأ الطرفان ببناء إطار قانوني ونُفِّذ في نوفمبر/2016.
ثالثاً؛ دول المنطقة (روسيا، الصين، باكستان، أفغانستان، إيران و الهند) ستُشارك في المؤتمر الذي سيُعقد في 15/فبراير/2017 بموسكو حيال أفغانستان.
رابعاً؛ دعم روسيا لانضمام أفغانستان بمؤتمر شانغهاي التعاوني (SCO) وتأسيس مجموعة (Contact Group) حيال أفغانستان داخل المؤتمر.
خامساً؛ التأكيد على مثل هذه المفاوضات مع طالبان، والتي تستند على تأييد من مجلس الأمن بالأمم المتحدة والحكومة الأفغانية.
سادساً؛ التنسيق لزيادة الاجتماعات بين وزيري الخارجية للبلدين.
بشكل عام، كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأفغاني بمثابة محاولة لتطوير العلاقات بين الدولتين، وهذه الزيارة على المدى القريب ستُقلّل الشكوك بين الدولتين وتُقرّب آراءهما أكثر. ولكن مع ذلك، الوضع الداخلي بأفغانستان وبعض العوامل الدولية (تحديدا ازدياد التوترات في العلاقات بين روسيا من جانبٍ وحلف الناتو وأمريكا من جانبٍ آخر) قد تؤدي إلى تضخيم جو عدم الثقة بين كابل و موسكو.
أفغانستان؛ من تنافس القوى العُظمى إلى تنسيق القوى الإقليمية
منذ العام الماضي، انتهى التعاون بين القوتين العظيمتين –الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا– في أفغانستان، وانتقدت موسكو مراتٍ عديدة الاستراتيجيةَ الأمريكية بأفغانستان. لذا ألقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف باللائمة على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من أجل إنهاء التعاون بين روسيا وأمريكا في أفغانستان، وذكر بأن الجانبين لم يلتقيا في فترة رئاسة أوباما، ومن ثم زادت الشكوك في العلاقات بين الدولتين.
الأزمة في أوكراينا و روسيا أيضا لعبت دورا في إنهاء التعاون الروسي الأمريكي في أفغانستان. روسيا مهتمةٌ الآن بقضية أفغانستان وتُدلي بتصريحات متناقضة حيال سياسة أمريكيا بأفغانستان. على سبيل المثال، تضعُ روسيا القواعد العسكرية الأمريكية بأفغانستان محل تساؤلٍ، وأحيانا تصرح بأنه في حال سحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، فإن الوضع سيزداد سوءا في أفغانستان.
تأثير داعش المتزايد في أفغانستان وأنشطتها المتزايدة في شمال أفغانستان أدت أيضا إلى زيادة اهتمام روسيا بأفغانستان. لذا تُنظم روسيا عقد مؤتمر إقليمي دون إشراك أمريكا والناتو، لمناقشة القضية الأفغانية، وهكذا تحاول إيجاد حل إقليمي لموضوع أفغانستان. ولكن بتجاهل الجهات المتورطة بأفغانستان (أمريكا، الناتو و طالبان) في حين عقد مثل هذه المؤتمرات التي تهدف إلى إنهاء الصراع بأفغانستان سيجعل تحقيق أهداف المؤتمر مستحيلا. من الضروري إيجاد تنسيق بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية في القضايا الأساسية والعامة مثل تمهيد السبل للسلام الأفغاني ومفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية و طالبان.
النهاية